الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان بمصر شيخ يقال له: الشيخ صفا، وكان مقربا عند الظاهر، فهددني المذكور بأنه يعرفه بي، ليذكر للسلطان أن بمصر جماعة أنا منهم، يذكرون الصالحين بالسوء، ونحو ذلك، وكانت تلك الأيام شديدة المظالم والمصائب والمغارم، وكنت ذا مأل1، فخفت عاقبته، وخشيت غائلته، فقلت: إن هنا ما هو أقرب مما تريد، وهو أن بعض الحفاظ قال: إنه وقع الاستقراء بأنه ما تباهل اثنان على شيء، فحال الحول على المبطل منهما، فهلم، فلنتباهل، ليعلم المحق منا من المبطل، فتباهلت أنا وهو، فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعني بلعنتك، فقاله، فقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا، وكان يسكن الروضة، فاستضافه شخص من أبناء2 الجند جميل الصورة، ثم بدا له أن يتركهم، فخرج في أول الليل، فخرجوا يشيعونه فأحس بشيء مر على رجله3، فقال لأصحابه: مر على رجله شيء ناعم، فانظروا ما هو؟ فنظروا [41] فلم يجدوا شيئا، فذهب، فما وصل إلى منزله إلا وقد عمي، ولم يصبح إلا وهو ميت، وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وكانت المباهلة في رمضان منها، قال: وكنت عند وقوع المباهلة عرفت من حضر أن من كان مبطلا في المباهلة لا تمضي عليه السنة، فكان ولله الحمد ذلك، واسترحت من شره، وأمنت من عاقبة مكره".
المكفرون لابن عربي:
وقد صرح بكفر هذا الرجل4، ومن نحا نحوه في مثل هذه الأقوال الظاهرة
1 كذا بالأصل ولعلها: مال.
2 في الأصل: ابنا.
3 لعلها رجلي، إلا أن تكون على سبيل الحكاية.
4 يقصد ابن عربي.
في الضلال جماعة من العلماء الأعلام مشايخ الإسلام، ما نقل عنهم الإمام شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني الحنفي في كتابه الذي صنفه في ذلك، وكذا نقل بعض ذلك الإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي1 الصوفي في جزء نقله عنه أحمد بن أقش الحراني، قال:"وقد كتب كل من راقب الله تعالى، وخشيه، وامتنع كل من التبسه مخافة غيره، وغشيه، فالذي كتب قام لله تعالى بلوازم فرضه، والذي امتيح2 فهو المسئول عن ذلك في يوم عرضه، فإن زعم أنه ترك خوف الفتنة من المخالفين، فتلك محنة في الدين بما وجب على كل عالم من التبيين".
وكذلك نقل الفتاوي العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل، شيخ أبيات حسين ببلاد اليمن في تصنيفه المسمى: كشف الغطا عن حقائق التوحيد، فالمنكرون منهم سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم السلمي الشافعي، كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام تقي الدين محمد بن دقيق العيد، قال الحافظ شمس الدين محمد، الذهبي في معجمه3:"حدثني محمد المفيد. حدثنا أبو الفتح اليعمري، سمعت أبا الفتح محمد بن علي القشيري، سمعت شيخنا ابن عبد السلام يقول -وجرى ذكر ابن العربي الطائي- فقال: هو شيخ سوء كذاب4" وقال الصلاح خليل الصفدي في تاريخه: "سمعت أبا الفتح ابن سيد الناس5 يقول: سمعت ابن دقيق العيد يقول: سألت ابن عبد السلام
1 ولد سنة 650 تقريبا، وتوفي سنة 736هـ.
2 لعلها: امتنع.
3 ذكر هذا في ميزان الاعتدال.
4 في الميزان: شيعي سوء كذاب.
5 هو محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس أبو الفتح فتح الدين الحافظ الأديب. ولد سنة 671هـ وتوفي سنة 734هـ.
عن ابن عربي، فقال: هو شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا، وقال شيخنا العلامة محمد1 بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف [ويعرف2] بابن الجرزي الشافعي في جواب أجاب فيه بكفره، كما حكاه عنه ابن الأهدل: ولقد حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الذي لم تر عيناي مثله عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير من لفظه غير مرة، حدثني شيخ الإسلام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي3، حدثنا الشيخ العلامة شيخ الشيوخ قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق4 العيد القائل في آخر عمره: لي أربعون [42] سنة ما تكلمت بكلمة إلا أعددت لها جوابا بين يدي الله تعالى، قال: سألت شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي عن ابن عربي، فقال: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا" ا. هـ. وقال ابن تيمية5 في جواب السيف
1ولد الجزري بدمشق سنة 751هـ وتوفي سنة 814هـ.
2 ساقطة من الأصل، وأثبتها عن الضوء اللامع.
3 ولد سنة 683هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 756هـ ولي قضاء دمشق والخطابة بالجامع الأموي، وكان من خصوم ابن تيمية، غير أنه عاد فأثنى عليه ثناء مستطابا.
4 ولد بناحية ينبع سنة 625هـ وتوفي سنة 702هـ يقول عنه الذهبي: كان إماما متقنا مجودا مديم السنن والجمع وله اليد الطولى في الفروع والأصول.
5 أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي علم الأعلام الإمام الصبار الشكور. يقول عنه خصمه تقي الدين السبكي -وقد عاتبه الحافظ الذهبي على ما نال به من قدر ابن تيمية: "المملوك "يعني نفسه" يتحقق كبير قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية "يعني بكل هذا ابن تيمية" وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام به، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان، بل من أزمان" انتهى نقلا عن الدرر الكامنة لابن حجر. ولد ابن تيمية سنة 661هـ، ومات سجين البغي بقلعة دمشق سنة 728هـ.
السعودي "فكفر الفقيه أبو محمد بذلك، ولم يكن بعد ظهر من قوله: إن العالم هو الله، والعالم صورة الله، وهوية الله" قال السيف المذكور: ثم تابعه في الإنكار الشيخ الإمام بركة الإسلام قطب الدين ابن القسطلاني، وحذر الناس من تصديقه، وبين في مصنفاته فساد قاعدته، وضلال طريقه في كتاب سماه: بالارتباط. ذكر فيه جماعة من هؤلاء الأنماط. ومنهم قاضي القضاة قدوة أهل التصوف إمام الشافعية بدر الدين محمد بن جماعة قال: "وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن في المنام فيما يخالف، أو يضاد قواعد الإسلام1، بل ذلك من وساوس الشيطان ومحنته، وتلاعبه برأيه وفتنته، وأما إنكاره -يعني ابن عربي- ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد، فهو كافر به عند علماء التوحيد، وكذلك قوله في نوح وهود عليهما السلام قول لغو باطل مردود2" والقدوة العارف عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي3، وقال: إنه علق في ذم هذه الطائفة4 ثلاث كراريس، الأول سماه: البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد، الثاني: لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد، والثالث: أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص. كل ذلك ليبقى المؤمنون منهم على بصيرة، يحذرون من طرقهم وزندقتهم. وحاصل ذلك كله بكلام وجيز مختصر:
1 رد على ما زعمه ابن عربي في خطبة الفصوص أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم، وأنه قال له: هذا كتاب الفصوص خذه واخرجه به إلى الناس ينتفعون به، وعلى ما زعمه ابن الفارض من مثل هذا بالنسبة للتائية الكبرى.
2 انظر نص هذه الفتوى في العلم الشامخ للمقبلي ص494.
3 ولد سنة 657هـ وتوفي سنة 711هـ.
4 طائفة ابن عربي ومن دان دينه.
"أن هؤلاء جميع ما يبدونه من الكلام الحسن في مصنفاتهم إنما هو ربط واستجلاب، فإن الدعاة إلى البدعة إن لم يكونوا ذوي بصيرة يستدرجون الخلق في دعوتهم، حتى يحلوهم عن أديانهم لا يستجاب لهم، هذا ابن عربي عنده في أصوله: أنه يجعل المعدومات أشياء ثابتة -علويها وسفلها- قبل وجودها، فهي عنده ثابتة في القدم، لكن ليس لها وجود، ثم أفاض الحق عليها من وجوده الذاتي فقبل كل موجود من وجود عين الحق بحسب استعداده، فظهر الكون بعين وجود الحق، فكان الظاهر هو الحق، فعنده: أنه لا وجود إلا للحق، ويستحيل عنده أن يكون ثم وجود محدث، كما يقوله أهل الحق؛ فإنهم يقولون وجود قديم، ووجود حادث1، وهذا عنده، وعند أصحابه: أنه ليس بوجود حادث، وليس ثم إلا وجود الحق الذاتي، وهو الذي فاض على الأعيان والممكنات
1 ليس هذا التقسيم من صنع أهل الحق، وإنما هو بدعة الفلسفة ومخانيثهم علماء الكلام، والله العليم الحكيم الخبير لم يسم نفسه بالقديم، ولا وصف وجوده أو ذاته بالقدم، وما ورد أحدهما -الاسم والصفة- على لسان أحد من رسله، ولا استعملت في كتاب الله فيما استعملتها فيه الفلسفة، وإليك مواردها في القرآن:{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} ، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ، {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} فهل تجد آية من هذه الآيات أعطت مفهوم القدم، والقديم كما هو في الفلسفة والكلام؟ وهل تجده بحيث يصح إطلاقه على الله ووجوده؟ قارن بين القدم في الفلسفة والكلام، وبينه في القرآن إذ يصف الإفك والعرجون والضلال بالقدم، وستخرج من هذه المقارنة بأنه لا يجوز وصف الله به وفي اللغة تقول عن شيء سلف زمانه: إنه قديم، وعن الثوب الرث: إنه قديم. هذا مدلول الكلمة في اللغة التي نزل بها كتاب الله، والتي يجب أن يفسر بها وحدها القرآن، فليقولوا: خالق ومخلوق، وليقولوا عن الله ما قاله عن نفسه "هو الأول والآخر والظاهر والباطن