الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كفره، والشخص واحد {رَبِّ اغْفِرْ لِي} 1 استرني، واستر من أجلي، فيجهل مقامي وقدري، كما جهل قدرك في قولك:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]"ولوالدي" من كنت نتيجة عنهما، وهما العقل والطبيعة "ولمن دخل بيتي" أي: قلبي "مؤمنا" أي: مصدقا لما يكون فيه من الإخبارات الإلهية، وهو ما حدثت به أنفسها2 "وللمؤمنين" من العقول "والمؤمنات" من النفوس3 "ولا تزد الظالمين" من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية "إلا تبارا" أي: هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم، لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] والتبار الهلاك4"
الحق عين الخلق عند الصوفية:
ثم قال في فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية: "ومن أسمائه الحسنى: العلي. على5 من؟ ومن ثم إلا هو، فهو العلي لذاته، أو عن ماذا؟ وما هو
1 سيبدأ في تفسير قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28] وسترى في تفسيره كيف يضع للفظ الكفر معنى الإيمان الحق، وللفظ الباطل معنى الحق.
2 في الأصل: أنفسهم، وصوبتها من الفصوص.
3 فسر الإضلال بأنه الإخراج من الباطل والشر إلى الحق والخير، أي: من الظن بأنهم عبيد، إلى اليقين بأنهم في حقيقتهم أرباب، وفسر الوالدين بالعقل والطبيعة، والبيت بالقلب، والمؤمنين والمؤمنات بالعقول والنفوس، والهلاك بشهود الحق في الخلق. وهكذا يعبث الصوفية عبث الجرأة الكافرة باللغة التي نزل بها القرآن، فيضعون للشيء معنى نقيضه، ويزعمون بهذا أنهم أهل الباطل، أي: الباطن.
4 ص72-74 فصوص.
5 في الأصل: علا عن من. وهي -كما أثبت- في الفصوص.
إلا هو!! فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها، وليست إلا هو1. فهو العلي، لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه، ما شمت رائحة من الوجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع، فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية، وليس إلا العين الذي هو الذات، فهو العلي لنفسه، لا بالإضافة، فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة، فعلوا الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة، لذلك نقول فيه: هو، لا هو. أنت، لا أنت2. قال الخراز3
1 هذا صريح جدا في الدلالة على أن ابن عربي يؤمن بوحدة الوجود المادية والروحية. وقد عبر عن إيمانه هذا بقوله: "فالمسمى محدثات هي العلي لذاتها" ثم زاد الكفر غلوا وتوكيدا، فقال:"وليست إلا هو" هكذا بأقوى وأوكد أسلوب من أساليب القصر. ولعل في هذا ما يكشف لك عن علة مقت الصوفية لكلمة التقوى والتوحيد "لا إله إلا الله" وقولهم بدلا عنها: "ليس إلا الله" أو "لا هو إلا هو" وبهذا دان الغزالي، وقرره في مشكاة الأنوار، أو "هو الله" أو "هو هو" مما يهولون به على المخابيل، ويهدفون به إلى تأييد مذهبهم في الوحدة: شهودية، أو وجودية.
2 هو، وأنت: إيجاب، ولا هو، ولا أنت: سلب، فهما إذن نقيضان، لا يجتمعان، ولا يرتفعان. وإذا حكمت بثبوت أحدهما أو نفيه استلزم هذا لزوما قطعيا الحكم بنفي الآخر أو ثبوته. بيد أن الصوفية لا يحفلون في سبيل إثبات وجود العدم بقانون من قوانين اللغة أو الفكر، بل لديهم الجرأة البالغة على تكذيب ما يشهد به الحس، وما يقطع ببداهته العقل، والبين الجلي من كتاب الله.
ومعنى قول ابن عربي: إنك تستطيع أن تقول عن كل شيء إنه هو الله باعتبار هويته وماهيته، وتقول ليس هو الله بالنظر إلى اسمه الخاص به، وإلى أنه أحد تعينات الذات لا كل تعيناتها، وكذلك أفهم قوله: أنت لا أنت.
3 هو أحمد بن عيسي أبو سعيد الخراز من صوفية بغداد، توفي سنة 277هـ. وسيذكر ابن عربي صريحا أن الخراز هو الله سبحانه!!
وهو وجه من وجوه الحق، ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه: بأن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره1، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه، باطن عنه، وهو المسمى أبا سعيد الخراز، وغير ذلك من [أسماء] المحدثات2".
قلت: وقال ابن الفارض:
أممت إمامي في الحقيقة، فالورى
…
ورائي وكانت حيث وجهت وجهتي
يراها أمامي في صلاتي ناظري
…
ويشهدني قلبي إمام أئمتي
ولا غرو أن صلى الأنام إلي، أن
…
ثوت بفؤادي وهي قبلة قبلتي
لها صلواتي بالمقام أقيمها
…
وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل ساجد إلى
…
حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي، ولم تكن
…
صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
إلى كم أواخى3 الستر، ها قد هتكته
…
وحل أواخى4 الحجب في عقد بيعتي
أفاد اتخاذي5 حبها لاتحادنا
…
نوادر عن عاد المحبين شذت
1 إذ كل شيء عنده هو الله، فإذا رأي الصوفي إنسانا قال: الله رأى الله، وإذا عبد المشرك صنما قال الصوفي: الله عبد الله، وهكذا استطرد في كل اثنين. حتى العاهر مع العاهرة، وتعالى الله عما يأفك الزنادقة.
2 ص76-77 فصوص. وهذا صريح جدا في أن ابن عربي يؤمن بأن الله سبحانه عين كل شيء: مادي، أو روحي!!
3 من المواخاة بمعنى الملازمة.
4 جمع آخية، وهي ما يبرز -كالحقة- من الحبل المدفون طرفاه في الأرض وتشد إليها الدابة، ويراد بها الحرمة والذمة.
5 في الأصل: اتحادي، والتصويب من الديوان
وفي الصحو بعد المحو1 لم أك غيرها
…
وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت2
[فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفها
…
وهيئتها -إذا واحد نحن- هيئتي3]
فإن دعيت كنت المجيب، وإن أكن
…
منادي أجابت من دعاني ولبت
وإن نطقت كنت المناجي4، كذاك 5 إن
…
قصصت حديثا، إنما هي قصت
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا
…
وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
فجاهد تشاهد فيك منك وراء ما
…
وصفت سكونا عن وجد سكينة
1 الصحو عن الصوفية: هو رجوع العارف إلى الإحساس بعد غيبته وزوال إحساسه. والمحو: إسقاط إضافة الوجود إلى الأعيان، ولا موجود عندهم إلا الحق سبحانه وحده، فهو العابد باعتبار تعينه وتقيده بصور العبد التي هي شأن من شئونه الذاتية، وهو المعبود باعتبار إطلاقه. انظر التعريفات للجرجاني، وجامع الأصول في الأولياء للكمشخانلي تحت مادتي الصحو والمحو.. وابن الفارض هنا يغلو في إثبات الوحدة، فيزعم أنه هو الله، لا في حال المحو فحسب، بل في حال الصحو أيضا. وهذا يؤكد لك أنه يعني ما يقول، ويؤمن بالوحدة صحوا ومحوا، فما هي شطحات، ولكنها عقيدة ينبت عليها قلبه ودينه، وما هو بهذيان سكران كما يعرف الصوفية، ليقولوا: وكلام السكران معفو عنه، فيطوى ولا يروى.
2 يشرح القاشاني هذا البيت بقوله: "أي: ارتفع غيريتي في حال الصحو بعد المحو، وحينئذ زينت ذاتي بذاتي إذ تجلت، ولا ينتج تجليها السكر، لأنها لا تصادف غيرها" يعني أنها صارت هي الله" وهذا هو نهاية الاتحاد" انظر شرح القاشاني -وهو من عباد ابن الفارض- للتائية.
3 هذا البيت ليس في الأصل، وقد أثبته عن ديوان ابن الفارض، وسيأتي شرحه.
4 في الأصل: المجيب. والتصويب من الديوان.
5 في الأصل: كذلك.