الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عين كل هوية1 إنما وقع بالأوهام من الزمان والمكان والخلاف والغيبة والظهور والألم واللذة والوجود والعدم. قالوا: وهذه إذا حققت إنما هي أوهام راجعة إلى أخبار الضمير، وليس في الخارج شيء منها، فإذا سقطت الأوهام صار مجموع العالم بأسره، وما فيه واحدا، وذلك الواحد هو الحق، وإنما العبد مؤلف من طرفي حق وباطل، فإذا سقط الباطل -وهو اللازم بالأوهام– لم يبق إلا الحق وصرحت بذلك أقوال شيوخهم، فمنه قول ابن أحلى: قد أقام باطلا بعض صفاته، وقال الحلاج وابن العربي: وقد تعرض لما به وقعد التعدد، وأنه وهم، فالكل واحد وإن كان متفرقا. فسبحان من هو الكل، ولا شيء سواه الواحد بنفسه، المتعدد بنفسه".
ومنهم الحافظ الرحلة شمس الدين أبو عبد الله محمد الموصلي الشافعي، نزيل دار الحديث بدمشق. فقال. "وفي كلام ابن عربي من الكفر الصريح الذي لا يمكن تأويله شيء كثير يضيق هذا الوقت من وصفه، ومنه تفسير اسمه: العلي بأن قال: العلي على من؟ وما ثم إلا هو2! وهو المسمى أبا سعيد [الخراز] .
رأي البساطي:
ومنهم شيخنا علامة زمانه قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي قاضي مصر. قال في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة في حدوث العالم: "وخالفنا في ذلك طوائف. الأولى: الدهرية، والثانية.
1 يعني: أنهم يدينون بأن الله سبحانه عين كل ما بطن، وعين كل ما ظهر. فالآنية عندهم هي تحقق الوجود العيني من حيث مرتبته الذاتية وتدل مواردها على أنها تستعمل في مقابل الماهية: أي المرادفة لمجرد الوجود، وقد سبق تعريف الهوية.
2 في الأصل: العلا علا عن من، وليس ثم غيره، والتصويب من الفصوص.
متأخرو الفلاسفة كأرسطو1، ومن تبعهم من ضلال المسلمين كابن سينا والفارابي2 ومن حلي كلامه، وزخرفة بشعار الصالحين كابن عربي وابن سبعين ثم قال في الكتاب الثاني في المسألة السادسة في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء: واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة المسلمين، نشؤوا في الابتداء على الزهد والخلوة والعبادة، فلما حصلوا من ذلك على شيء صفت أرواحهم، وتجردت نفوسهم، وتقدست أسرارهم، وانكشفت لهم ما كانت الشواغل الشهوانية مانعة من انكشافه3، وقد كانت طرق أسماعهم من
1 أعظم فلاسفة اليونان على الإطلاق، ولد بمدينة استجايرا سنة 384 قبل الميلاد، أستاذه أفلاطون، ومن تلاميذه إسكندر المقدوني. توفي سنة 333 قبل الميلاد.
2 الفارابي: هو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ أبو نصر، يقول عنه ابن خلكان:"أكبر فلاسفة المسلمين، ولم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه". ولد في وسيج قرية تقع في فاراب من بلاد الترك فيما وراء النهر، حصل علومه في بغداد على يوحنا بن خيلان، ومات في دمشق سنة 339هـ عن ثمانين عاما. أما ابن سينا فولد في أفشنة على مقربة من بخارى سنة 370هـ. وفي بيت تسوده تقاليد فارسية معارضة للإسلام. تقلد الوزارة لشمس الدولة في همدان. وتوفي سنة 428 هـ وهو أشهر وأكبر فلاسفة عصره.
3 ما هذا الذي انكشف لهم؟ لعله صور ما في أذهانهم المخبولة من تهاويل الجنون. ثم إن الإسلام ليس دين رهبانية، ولا زهادة تطوي الذات على نفسها الولهي، حتى تخمد فيها جذوة الحياة الشاعرة، وتخبو وقدات الشعور والإحساس بواجب الدين والنفس والحياة، وهي طريحة الوهم في غيابه كهفها الساهم المظلم الحزين، إنما الإسلام دين العمل والجد، مع الإيمان المشرق والتقوى، وانطلاق النفس في رحاب الوجود ومجاليه، كادحة في سبيل الله، لتحقيق الغاية الكبرى، هي أن يكون الناس أمة واحدة تتجاوب أرواحهم بالإيمان والمحبة، وتتجه مشاعرهم في كل هزة إلى الله وحده، وتتوحد بواعثهم وغاياتهم في عبادة الله رب العالمين، معتصمة بالحق والهدى من الكتاب والسنة.
خرافات النصارى، أنه إذا حل روح القدس في شيء نطق بالحكمة، وظهر له أسرار ما في هذا العالم، مع تشوف النفوس إلى المناصب العلية، فذهبوا إلى هذه المقالة السخيفة، فمنهم من صرح بالاتحاد على المعنى الذي قالته النصارى1، وزادوا عليه أنهم لم يقصروه على المسيح، كما ذهب إليه الغلاة من الروافض في علي رضي الله عنه، وكذا ما ذهب إليه جماعة في خاتم الأولياء2 عندهم من
1 يرى اليعاقبة من النصارى أن اللاهوت والناسوت يؤلفان في المسيح طبيعة واحدة، ويزعمون أن الكلمة انقلبت لحما ودما، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو، فإرادة الله وفعله هما إرادة المسيح وفعله، هذا على حين كان الملكانيون يميزون بين طبيعتين في المسيح اللاهوت والناسوت، ويزعمون أن مريم ولدت إلها أزليا، وأن القتل والصلب وقع على اللاهوت والناسوت، وأطلقوا اسم الأبوة على الله، والبنوة على المسيح، أما النسطوريون، فكان أكثر تدقيقا من الملكانيين في التمييز بين الطبيعتين، فأثبتوا للمسيح خصائص الإنسان في الوجود والإرادة والفعل، مميزين بين هذا وبين ما للعنصر اللاهوتين زاعمين أن الله سبحانه ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة، ويدعون أن هذه الأقانيم ليست هي زائدة على الذات، ولا هي هو "قارن بين هذا وبين رأي الأشاعرة في الصفات" وأن الكلمة اتحدت بجسد عيسى لا على طريق الامتزاج كالملكانية، ولا الظهورية كاليعاقبة، ولكن كإشراق الشمس على بللور أو النقش في الخاتم.. هذا معتقد النصارى، ولعلك موقن بعده أن الصوفية أشد إيغالا في الكفر من هذا، فكل ما نسبته المسيحية المفلسفة إلى المسيح من ربوبية وإلهية ونبوة نسبته الصوفية إلى كل شيء، قالت المسيحية: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت الصوفية: إن الله هو عين كل شيء. قالت الأولى: إن الله ثالث ثلاثة، وقالت الصوفية: إن الله هو ما لا يحصى ولا يتناهى من الأبدان والعناصر، فأيهما أدخل في الكفر الخبيث من الآخر.
2 يدين الصوفية بأن النبوة أعلى من الرسالة، وبأن الولاية أعلى من النبوة، فيكون الولي عندهم أسمى مقاما من النبي والرسول، ولذا يقول ابن عربي:
مقام النبوة في برزخ
…
فويق الرسول، ودون الولي
=
...............................................
= واستدلوا على إفكهم بأساطير: أولا: الولي يعلم الشريعة والحقيقة، خبير بالظاهر والباطن، والنبي والرسول لا يعلمان سوى الشريعة أو الظاهر فحسب.
ثانيا: الرسالة والنبوة محددتان بالزمان والمكان. ولذا تتقاطعان، وقد انقطعتا فعلا، أما الولاية فلا تحدها مكانية ولا زمانية. بل هي صنو الديمومة والسرمدية والانطلاق. ثالثا: الرسول لا يستمد معرفته عن الله مباشرة، بل بواسطة ملك يبلغ الوحي الإلهي، أما الولي فيستمد الحقيقة فيضا مباشرا من باطن الحقيقة المحمدية: أي ذات الله مع التعين الأول. رابعا: أفضل أسماء الله هو الولي، وكل موجود هو اسم إلهي تعين في صورة هذا الموجود، فيكون الموجود الذي تعين فيه الله باسمه الولي، أفضل من الذي تعين فيه باسمه الرسول أو النبي، ولما كان للنبيين خاتم، فكذلك للأولياء خاتم، وهو يستمد فيوضات علم الحقيقة مباشرة عن الروح المحمدي، وهو أشبه ما يكون بالعقل الأول عند أفلوطين، أو بالكلمة في المسيحية المفلسفة.
وإليك ما يذكره ابن عربي عن خصائص الولاية وخاتم الأولياء "واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام، ولهذا لم تنقطع، وأما نبوة التشريع والرسالة، فمنطقة، والرسول من حيث هو ولي أتم من حيث هو نبي ورسول، فمرجع الرسول والنبي إلى الولاية والعلم" ثم يقول عن علم الحقيقة "ما يراه أحد من الأولياء إلا من مكشاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه -متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء" ثم يقول عن الخاتم: "وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب". أنظر ص134، ص62، ص64 من فصوص الحكم ط الحلبي، ولعل أول من زمزم لهم بهذه الأسطورة الكهنوتية: هو محمد بن علي بن الحسن بن بشر المعروف بالحكيم الترمذي -وهو غير صاحب السنن- وألف فيها كتابا سماه "ختم الولاية" زعم فيه أن خاتم الأولياء يكون في آخر الزمان، وأنه أفضل ممن تقدمه من الأولياء، ومن أبي بكر وعمر، ومن خصائصه عند اشتغاله بالأعمال القلبية أكثر من اشتغاله بالعبادة، ولذا زعم الحكيم الترمذي: أن الولاية أفضل من النبوة، ووضوح الباطل في هذه الأساطير بين لا يحتاج إلى بيان. وقد رد الإمام ابن تيمية عليها في الجزء الرابع ص57 مجموعة الرسائل والمسائل. هذا دين الصوفية في الولاية والولي وخاتمهم، ومنه توقن: لم يضف الصوفية إلى أوليائهم قدرة الله وعلمه وحكمته وربوبيته وإلهيته؟ وتوقن: لم نحارب هذه الولاية المزعومة، وسنظل بعون الله ندمر هذه الطواغيت والأصنام، داعين الناس إلى أن يكونوا من أولياء الله الذين وصفهم رب العالمين:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .