الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه، فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه، فهو العارف، فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم، وعالم "وولده1" وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر "إلا خسارا""فما ربحت تجارتهم" فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] وفي نوح {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا2} [نوح: 2] فأثبت الملك لهم، والوكالة لله فيهم، فهم مستخلفون فيه، فالملك لله، وهو وكيلهم، فالملك لهم، وذلك ملك الاستخلاف، وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك، كما قال الترمذي رحمه الله.
الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية
{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو3؛ لأنه
1 فسر المدرار بالمعارف العقلية، والمال بما يميل بالإنسان إلى الله فيرى في الله سبحانه صورته، وفسر الولد بالنتاج الفكري، وهكذا يضع للغة القرآن ما شاءت زندقته من معان، وبمثل ما يفتري ابن عربي يعجب بعض ما يوصفون بأنهم من ذوي الفكر. ولو اتخذنا أسلوب ابن عربي قاعدة لنا في البيان ما بقيت للغة، بل ما بقيت حقيقة واحدة يمكن أن تجتمع عليها العقول.
2 الآية في بني إسرائيل، لا في قوم نوح.
3 يشرح القاشاني هذا بقوله "معناه: أن الدعوة إلى الله دعوة منه إليه، لأن الله عين الداعي والمدعو، والبداية والغاية، لكونه عين كل شيء" ص58 ط 1309 شرح القاشاني للفصوص. وأقول: يدين ابن عربي وعبد الطاغوت الصوفية أن الله سبحانه عين كل شيء، فإذا ما جاء الرسل، وأمروا بعبادة الله وحده، ونهوا عن عبادة غيره، عن عبادة العجل مثلا، والأصنام والكواكب وغيرها. فإن الصوفية يرون هذه الدعوة في مظهريها الإيجابي والسلبي مكرا وخداعا، إذ توحي إلى عبادة الأصنام والأوثان وغيرها أنهم يعبدون غير الله، والرسل يعلمون -هكذا يفتري الصوفية- أنه ما ثم غير، أو سوى، فكل ما عبد، أو سيعبد إنما هو الله. إذ كل معبود شيء، والله سبحانه عند الصوفية عين كل شيء.
ما عدم البداية، فيدعى إلى الغاية {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 108] فهذا عين المكر1".
قلت: فهذا وأشكال من قوله -كما يأتي في الفصل اليوسفي- يدندن به على تصحيح قول الكفار: إن القرآن سحر. ولا يقدر على التصريح به، ولقد أخبرني من أثق به أن بعض أتباعهم قال له: القرآن أساطير الأولين2.
ثم قالم ابن عربي: [مفسرا قول رب العالمين3]"عَلَى [بَصِيرَةٍ] "[يوسف: 108] فنبه على أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم، فجاء المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسماؤه4، فقال:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 86] فجاء بحرف الغاية، وقرنها بالاسم فعرفنا أن العالم كله تحت حيطة اسم إلهي، أوجب عليهم 5 أن يكونوا متقين،
1 ص772-6 فصوص الحكم.
2 بل قال الفاجر التلمساني: "القرآن كله شرك ليس فيه توحيد"، وإنما التوحيد في كلامنا نحن" ص77 جـ 1 مجموعة الرسائل والمسائل.
3 وضعت ما بين هذين [] هنا من عندي حتي لا يظن بآية من القرآن أنها من كلام ابن عربي.
4 أي: ما يدعو الرسل إلى عبادة الله من حيث كونه حقا، أو وجودا مطلقا، بل من حيث كونه خلقا، أو وجودا مقيدا تعين في صورة بدنية عنصرية. فما من شيء إلا وهو -عند الصوفية- اسم من أسماء الله تعالى. تعين في صورة ذلك الشيء. إذ يدعو الرسل الصادقون -هكذا يكفر الصوفية- إلي عبادة الخنازير والقمل والضفادع، والبغايا والأواثم، والأجساد الفواجر؛ لأن هذه عند الصوفية أسماء الإله الذي يزعمونه.
5 في الأصل: فعلمنا أن النور كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليه.
فقالوا1 في مكرهم {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] ، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. في المحمديين:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [نوح: 23] أي: حكم2، فالعالم يعلم3 من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة4، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله.
1 يعني قوم نوح الوثنيين.
2 بل أمر ووصى كما ستعرف.
3 في الأصل: يعلمه.
4 يشبه الحق والخلق، بالجسد وأعضائه في أن كليهما واحد في الحقيقة، كثير بالاعتبار فأنت إذا أفردت بالنظر كل عضو من أعضاء الجسم، فهو كثير، إذ ترى رأسا، ووجها، ويدين، وقدمين، وإذا نظرت إليه جملة وجدته واحدا.
وهذه الوحدة حقيقية، أما الكثرة فاعتبارية فحسب. وكذلك -هكذا يفتري الزنديق- الله والعالم. فالعالم في حقيقته ليس شيئا سوى الله، أو هو تعينات أسمائه برزت في صور مادية. كما أن أعضاء الجسم ليست شيئا آخر غير الجسم، بل هي هو. ومدلول جميعها مدلوله. ورغم ما في المثل من تلبيس وزندقة فإنه لا يصحح لابن عربي مذهبه، فاليد مثلا ليست هي كل الجسد، وإنما هي عضو، أو جزء منه. وابن عربي لا يقول عن شيء ما: إنه عضو الإله أو جزؤه، بل هو عنده عينه وكله!!
والذي يستلفت نظر المؤمن أن الغزالي سبق ابن عربي إلى استعمال هذا المثل في نفس ما استعمله فيه ابن عربي؛ إذ يقول، وهو بصدد بيان المرتبة الرابعة من التوحيد:"ألا ير ى في الوجود إلا واحدا"، وهي مشاهدة الصديقين. وتسمية الصوفية الغناء في التوحيد" ثم يشرح حال الموحد في هذه المرتبة، فيقول: "والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث إنه كثير، بل من حيث إنه واحد، فإن قلت: كيف يتصور ألا يشاهد إلا واحدا وهو يشاهد السماء والأرض، وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة؟ " يجيب الغزالي عن هذا بمثال يقرب في زعمه ذلك إلى الذهن، فيقول: "إن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وعروقه، وهو باعتبار آخر، ومشاهدة أخرى واحد، وكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة، فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحد، وباعتبارات أخر سواه كثر" انظر باب التوحيد من كتاب الإحياء.
في كل معبود1".
تكفير العراق لابن عربي:
وقال شيخ شيوخنا الإمام القدوة العارف شيخ الإسلام حافظ عصره الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في كراسة أجاب فيها سؤال من سأله عن بعض كلام ابن عربي هذا: "وقوله في قوح نوح: لا تذرن آلهتكم -إلى آخره- كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد، فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلا يفوت عليهم من الحق بقدر ما تركوا" ا. هـ.
قلت: يا ليت شعري من قال هذا القول في هذا العدد اليسير من الأصنام، ماذا يقول فيما روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما2، فعجل يطعنها بعود في يده3، وجعل يقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 18]
1 ص72 فصوص.
2 في البخاري "نصب". واحدة الأنصاب، وهو ما ينصب للعبادة من دون الله، ويراد به أيضا الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام. غير أنها ليست مرادة هنا.
3 في مسلم عن أبي هريرة: [يطعن في عينيه بسية القوس] وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي -وصححه ابن حبان- فيسقط الصنم ولا يمسه، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس "فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض".
4 ورد في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال بعد هذا: "جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد".