الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو؟ إلا أنه لا بد من حكم لسان التفصيل، لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم، حتى يقال: إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين1".
زعمه أن التفاضل لا يستلزم التغاير:
ثم قال: "فكل جزء من العالم، أي: هو قابل لحقائق متفرقات العالم كله، فلا يقدح قولنا: إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو، وتكون في عمرو أكمل [وأعلم منه في زيد] كما تفاضلت الأسماء الإلهية، وليست غير الحق، فهو تعالى -من حيث هو عالم- أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر، وهو هو ليس غيره2، فلا تعلمه هنا يا ولي، وتجهله.
1 ص153 فصوص.
2 يشهد العقل والحس والوجدان أن بعض الخلق أفضل من بعض، وليس هذا في الإنسان فحسب، بل كذلك في الحيوان والجماد والنبات، فالعالم أفضل من الجاهل، والقادر أفضل من العاجز، والمؤمن غير الكافر، وفي إثبات التفاضل إثبات للغيرية، وحكم بأن الأفضل ليس عين الفاضل المفضول، فكيف إذن يكون الحق عين الخلق. في حين أن الخلق يغاير بعضهم بعضا؟ وهذه المغايرة تقتضي ولا ريب ثبوت أن الخلق غير الحق، وهذا ينقض دين ابن عربي في الوحدة، وقد أحس الزنديق بخطر هذه الشهادة العقلية الحسية الوجدانية على معتقده فراح يكدح في سبيل دفع هذا الخطر. زاعما أن هذا التفاضل لا يستلزم مطلقا. مغايرة الحق للخلق. ولا مغايرة الذات الإلهية لنفسها أو مظاهرها. فهو ليس تفاضلا واقعا بين ذات وغيرها، بل بين بعض صفات وأسماء هذه الذات، وبين بعضها الآخر، وهذا لا يستلزم إلا مغايرة اسم لاسم، أو صفة لصفة، لا ذات لذات، ثم يفصل هذا بقوله كاستدلال على صدق معتقده: إن الأسماء، أو الصفات الإلهية، يفضل بعضها بعضها، فاسمه -تعالى- العالم. أفضل من اسمه -سبحانه- المريد. وهذا أفضل من اسمه: القادر. إذ العالم أفضل من الإرادة. وهما أفضل من القدرة. وهذا لشمول العلم وتعلقه بكل ما هو معلوم. سواء أكان أمرا وجوديا أو عدميا. موجودا بالقوة، أم موجودا بالفعل. ممكن الوجود أم مستحيله =
هنا، وتثبته هنا، وتنفيه هنا، إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه، ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه، كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فنفي {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأثبت بصفة تعم كل سامع بصير
= ولا كذلك الإرادة. ثم إن الإرادة أسبق من القدرة. وبهذا كانت أفضل. ثم يستطرد في تلبيسه قائلا: بيد أن هذا التفاضل لا يمكن أبدا استلزام أن يكون الإله غير نفسه. بل لا يمكن أن تحكم إلا بأن العالم عين القادر. عين المريد ومن هذا يثبت أن التفاضل لا يستلزم الغيرية أو التعدد. ثم ينتقل من هذا إلى ما يهدف إليه، فيزعم أنه لما كانت الموجودات هي تعينات أسماء الذات الإلهية وصفاتها، كان التفاضل الواقع بين الموجودات، صورة للتفاضل الذي كان واقعا بين الأسماء والصفات قبل تعينها في صور الموجودات، وقد ثبت أن هذا التفاضل لا يستلزم غيرية ولا تعدد، فيصدق القول: بأن الحق عين الخلق، ويصدق القول: بأن محمدا هو عين أبي جهل، عين أبي لهب، عين فرعون، وبأن العالم عين الجاهل، والمؤمن عين الكافر، والموحد عين المشرك، لأن كل طرف من هذه المتقابلات ما هو إلا اسم إلهي تعين في هذا الطرف، ومنه يثبت -هكذا زعم الزنديق- أن العالم -رغم ما فيه من تفاضل يشعر بالغيرية- ليس شيئا آخر غير الحق، بل هو عينه، إذ ما هو إلا أسماء الله وصفاته التي تعينت في صور هذا العالم، هذا هو مراد الزنديق، وما لهثت من أجله أنفاسه، ليثبت به قوله:"لا يقدح قولنا: إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو" ورغم ما في هذا الهراء من تلبيس زنديقي، فللعقل -أي عقل كان- أن يصرخ في وجه ابن عربي بالحق: ما زلت أيها الزنديق في حاجة -ولن تقضى لك والله هذه الحاجة أبدا- إلى إثبات أصل زندقتك، وهو أن هذه الموجودات هي تعينات أسماء الله. فقد بنيت هراءك المجوسي كله على هذا الأصل الذي يحسد بيت العنكبوت على قوته، وأقول: العقل وحده، إذ يستطيع كل امرئ يفهم آية واحدة من القرآن أن يحكم على ابن عربي بالزندقة الفاجرة. ولكن ماذا نفعل للكبار الكبار الذين يستظهرون ألف متن وحاشية، والمصحف حتى علائم الوقف فيه، يؤمنون بالزنديق، ويكفرون بآيات الله، ويقدسون فصوص الحكم، ويجحدون بالذكر الحكيم.