الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
مثل من تفسير ابن عربي للقرآن
":
ثم قال في نص حكمة نورية في كلمة يوسفية، بعد أن قرر أن الشيء قد يرى في خلاف ما هو عليه لبعد، أو ظلام ونحوه: "فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، ويجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي كان عنه ذلك الظل، فما حيث هو ظل له يعلم، ومن حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه يجهل من الحق، فلذلك نقول: إن [الحق] معلوم لنا من وجه، مجهول لنا من وجه {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] أي: يكون فيه بالقوة. يقول: ما كان الحق ليتجلى للممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان: 45] وهو اسمه النور [الذي قلنا، ويشهد له الحسن، فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور]{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] . وإنما قبضه إليه؛ لأنه
ظله، فمنه ظهر، وإليه يرجع الأمر كله، فهو هو لا غيره1.
"وجود الحق عين
وجود الخلق عند الصوفية
"
فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق
1 يشبه الله سبحانه والعالم بالشيء وظله، غير أن هذا التشبيه -على ما فيه- لا يصحح للزنديق دينه، بل يدمغه بالتلبيس والتضليل. فما من شك في أن الشيء وظله يشيئان متمايزان، والزعم بأيهما حقيقة واحدة مكابرة وجحود بشهود الحس اليقيني. نعم يحتاج الظل في وجوده إلى من أو ما هو ظل له. بيد أن هذا الاحتياج شيء، والزعم بأنهما حقيقة واحدة شيء آخر مباين كل المباينة. وابن عربي يدين بأن العالم هو الله في الهوية والماهية، أما ظل الشيء فليس عين الشيء لا في ذاتي، ولا في عرضي، قد يقال: إن الظل أثر من آثار الشيء، غير أن الزنديق يؤمن بأن العالم ليس أثرا لله، بل هو هو في الحقيقة والوجود. فلا يثبت مثال ما ليس به بهذا المثال.
[حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من الممكنات]
هو1 وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو2 أعيان الممكنات، فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول عنه [18] باختلاف الصور اسم العالم، أو اسم سوى الحق، فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق؛ لأنه الواحد الأحد، ومن حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن، وتحقق ما أوضحته لك، فإذا كان الأمر على ما ذكرته لك، فالعالم متوهم3 ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال، أي: خيل إليك أنه أمر زائد قائم بنفسه، خارج عن الحق، وليس كذلك في نفس الأمر، ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه يستحيل [عليه] الانفكاك عن ذلك الاتصال، لأنه يستحيل على4 الشيء الانفكاك عن ذاته5".. وهذا وما شاكله من قوله -كما تقدم في الفص النوحي- مشيرا إلى تصحيح قول الكفار في القرآن: إنه سحر لا حقيقة له، إشارة تكاد أن تكون صريحة، وإلى مثل هذا المحال لوح ابن الفارض، والأمر فيه أوضح مما في الفصوص:
وها دحية وافى الأمين نبينا
…
بصورته في بدء وحي النبوة
أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا
…
لمهدي الهدى في هيئة6 بشرية؟
وفي علمه عن حاضريه مزية
…
بماهية المرئي من غير مرية
يرى ملكا يوحي إليه، وغيره
…
يرى رجلا يرعى لديه بصحبة
1، 2 في الأصل: فهو في الموضعين.
3 هذا يستلزم وجود وهم ومتوهم، فإن قال: إن المتوهم عين الوهم والمتوهم لزمه كون إلهه وهما ومتوهما، أي: باطلا ينتج باطلا. فكيف يسمونه: حقا؟ وإن قال: إنه غيرهما لزمه القول بالغيرية والتعدد، وهو يدين بأن لا غير، ولا سوى. وهكذا في كل دليل له حجة تدمغه بالإفك، وتدينه بالبهتان.
4 في الأصل: عن.
5 ص102 فصوص.
6 في الأصل: في صورة.