الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء، ثم في العمل والسلوك؛ لأنه مقياس كل شيء بعده، فلا يقبل عمل بدونه، ولا تقبل شفاعة، ولا تعطى مغفرة لمن أخلَّ به. قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
التوحيد أساس دعوة جميع الرسل عليهم السلام
-
لقد قرر القرآن الكريم أن الأساس الذي قامت عليه دعوة الرسل هو: تقرير وحدانية الله تعالى، وتنزيهه عن الشركاء والأنداد والأبناء والآباء، وصرف وجوه العباد له وحده؛ في العبادة والطاعة، والذكر والدعاء، والاستعانة والاستغاثة، والتوكل والرجاء، ونحو ذلك من كل ما لا يليق إلا به سبحانه وتعالى.
ولقد قرر القرآن الكريم هذا المعنى وأكده بطريقين:
الأول: الطريق الإجمالي: قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25). فهذا تعميم على سبيل الحصر، بأن كل رسول قد أوحي إليه أن الله تعالى متصف بالوحدانية، لا إله إلا الله، ومستحق للتوحيد، وذلك في قول الله:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} أي: أفردوني بالعبادة لأني متفرد بالألوهية.
وقال تعالى في هذا المعنى أيضًا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36). هذه الآية تقرر أن الله تعالى قد بعث في كل أمة رسولًا، وكان أول دعوة كل رسول في كل أمة: أن اعبدوا الله ولا تشركوا به الطواغيت، والطواغيت: كل ما يعبد من دون الله تعالى، وهو مشتق من الطغيان.
هذا طريق من طرق القرآن في الاستدلال على التوحيد.
الثاني: الطريق التفصيلي في استدلال القرآن على توحيد الله سبحانه وتعالى: هذا الطريق يذكر فيه القرآن الرسل بأسمائهم، وكيف كان التوحيد رأس دعوتهم جميعًا؛ ومن ذلك:
1 -
ما جاء في قصة نوح عليه السلام وهو أول رسول من أولي العزم بُعث إلى أهل الأرض. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 59).
2 -
قال تعالى عن هود عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 65).
3 -
ونفس الألفاظ قال تعالى عن صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 73).
4 -
وهي الألفاظ التي جاءت على لسان شعيب عليه السلام. قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 85).
5 -
أما إبراهيم عليه السلام فقد تحدَّث القرآن بتفصيل وافر عن دعوته إلى النبوة، وتحدث القرآن عن دعوة إبراهيم بشتى الصيغ والأساليب، في المواقف المتعددة والأحوال المختلفة، ولعل السر في توسيع حديث القرآن عن إبراهيم عليه السلام أنه أبو الأنبياء الذين جاءوا بعده صلى الله عليه وسلم وعلى الرسل أجمعين.
وكان اليهود والنصارى والعرب يعترفون بنبوته وأبوته لهم، بل ويعتزون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، ومن هنا توسع القرآن في الحديث عن إسلامه ودعوته البليغة إلى التوحيد، ونبذ الشرك، وعن محاوراته المفحمة للمشركين، وموقفه العملي الصارم من الأصنام، سخرية منها، وتحطيمًا لها، وتبكيتًا لعُبَّادها.
وبذلك تقوم الحجة على المنتسبين إليه من اليهود والنصارى ومشركي العرب، الذين انحرفوا عن دين الحق، ووقفوا في دروب من الوثنية الطامسة الدامسة، وبذلك تسقط دعواهم أنهم على دين إبراهيم، كما قال تعالى ردًّا عليهم مجتمعين:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67).
ويقول تعالى عنه وعن المؤمنين معه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة: 4).
وكذلك يقول القرآن عن موسى عليه السلام وهو يدعو إلى وحدانية الله: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (طه: 13، 14).
وكذلك يخبر القرآن عن عيسى عليه السلام: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة: 72).
ويخبر القرآن عن دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد. لقد بُعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة العالمية الشاملة، وبالتقرير الأوفى، وبالبيان الأعلى في شأن الدين كله عامة، والتوحيد منه خاصة. وقد أمده القرآن الكريم بأتمّ الحجج والبراهين، وسجل أقاويل الكفار وردود الوحي عليها؛ حتى تكون حجة الله بالغة باهرة إلى يوم الدين، وحتى لا تكون للناس على الله حجة بعد ختم النبوة؛ لأن القرآن صوتها الممدود ونداؤها الموصول، وفيه أكمل حديث عن التوحيد تقريرًا وإثباتًا، وردًّا على المشركين والملحدين، وإبطالًا للشرك وكل دروب الوثنية والانحراف عن التوحيد.
ويكفي مثالًا لهذا ما أمره الله تعالى أن يقول للناس في كلمات جامعة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 1 - 4).