الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا قوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 7). وقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة: 8، 9).
- الأحكام الاقتصادية والمالية:
وهي التي تتعلق بحقوق الأفراد المالية، والتزامهم في نظام المال، وحقوق الدولة وواجباتها المالية، وتنظيم موارد الخزينة ونفقاتها، ويقصد بها تنظيم العلاقات المالية بين الأغنياء والفقراء، وبين الدولة والأفراد، وهذه تشمل أموال الدولة العامة والخاصة؛ كالغنائم والأنفال والعشور، ومنها الجمارك والخراج، أي: ضريبة الأرض، والمعادن الجامدة والسائلة، والموارد الطبيعية المخلوقة، وأموال المجتمع؛ كالزكاة والصدقات والنذور والفرائض، وأموال الأسرة؛ كالنفقات والمواريث والوصايا، وأموال الأفراد؛ كأرباح التجارة والإجارة والشركات، وكل مرافق الاستغلال المشروعة والإنتاج، والعقوبات المالية؛ كالكفارات والدية والفدية.
بيان حِكم بعض علل التشريع في القرآن الكريم
أولًا: استحقاق المرأة المطلقة المتعة:
ونقصد بالمرأة المطلقة المرأة البائن بينونة صغرى، أو التي لها رجعة، قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 236).
حكمة التشريع في أن المطلقة تأخذ نفقة المتعة:
شرع الباري -جل وعلا- المتعة للمطلقة، وجعلها على قدر حال الرجل يسارًا وعسارًا، وهذه المتعة واجبة للمطلقات قبل الدخول التي لم يسمى لها مهر، ومستحبة لسائر المطلقات، والحكمة في شرعها أن في الطلاق قبل الدخول امتهانًا للمرأة، وسوء سمعة لها، وفيه إيهام للناس بأن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه شيء منها، في سلوكها وأخلاقها، فإذا هو متعها متاعًا حسنًا تزول هذه الشكوك، ويكون ذلك شهادة لها بأن سبب الطلاق كان من قِبله لا مِن قِبلها، ولا علة فيها، فتحفظ بما كان لها من صيت وشهرة، ويتسامع الناس فيقولون: إن فلانًا أعطى فلانة كذا وكذا، فهو لم يطلقها إلا لعذر، وهو معترف بفضلها ومقر بجميلها، فيكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها، ويكون أيضًا كالمرهم لجرح القلب، وجبر وحشة الطلاق.
وقد أمرنا الإسلام أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة، وأن نصون كرامة الناس عن القيل والقال، ولهذا أمرنا الله في حالة الطلاق -الذي يسبب في الغالب النزاع والبغضاء- بألا ننسى الجميل والمودة والإحسان. قال تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: 237). فإن الروابط في النكاح والمصاهرة روابط مقدسة، فينبغي لمن تزوج من أُسرة ثم طلق ألا ينسى مودة أهل ذلك البيت وصِلتهم، فأين نحن المسلمين من هَدي هذا الكتاب المبين، وأين نحن من إرشاداته الحكيمة وآدابه الفاضلة؟!
- تحريم الخمر والميسر:
حكمة التشريع:
شدد المولى -جل وعلا- في الآيات الكريمات النكير على أمر الخمر والميسر تشديدًا بالغًا، يصرف النفوس عنهما إلى غير عودة، وقرنهما بالأنصاب والأزلام، وهما من أشنع المنكرات وأقبح الفواحش في نظر الإسلام؛ ليشير إلى ما في الخمر والميسر من ضرر بالغ، وخطورة عظيمة، تهدد الأمة والمجتمع، وتُقَوِّض دعائم الحياة.
أما الخمر فإنها تُذهب العقل وتُنهك الصحة وتُضيع المال، ومتى ذهب العقل جاء الإجرام، وكانت العربدة وأفعال الطيش والجنون، وحسب السكران ألا يفرق بين النافع والضار، ولا يميز بين الجواهر والأقذار؛ لفقدان العقل.
وأما الميسر والقمار فإنه يُفقد الإنسان الإحساس والشعور حال انشغاله باللعب، حتى لا يبالي بالمال يَخرج من يده إلى غير رجعة؛ طمعًا في أن ينال أكثر منه، فإذا رجع خاسرًا أكل قلبه الحسد، وامتلأت نفسه حقدًا وغيظًا على من سلبه المال، وربما أداه ذلك إلى قتل مَن كان سببًا في خسارته، أو عَزَم على قتل نفسه بطريق الانتحار.
وكم مِن أُسرة تهدمت، وكم مِن عائلة تشردت بسبب القمار، وأصبحت في ذلك وفاقة، بعد أن كانت في عز ورفاهية، والحوادث التي نسمعها كل يوم، أصدق شاهد على ما يجره القمار من ويلات ونكبات على الأشخاص والأسر، التي بُليت في بعض أفرادها بأناس مقامرين.
أيضًا دع ما يتخذه المقامرون من وسائل خسيسة، وأيمان كاذبة، يستعملونها في سبيل تحقيق أطماعهم. وصدق الله حيث يقول:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91).
- حد السرقة وقطع الطريق:
قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . إلى أن قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 33 - 38).
حكمة التشريع:
صان الإسلام بتشريعه الخالد كرامة الإنسان، وجعل الاعتداء على النفس أو المال أو العرض جريمة خطيرة، تستوجب أشد أنواع العقوبات.
فالبغي في الأرض بالقتل والسلب، والاعتداء على الآمنين، بسرقة الأموال، كل هذه جرائم ينبغي معالجتها بشدة وصرامة، حتى لا يعيث المجرمون في الأرض فسادًا، ولا يكون هناك ما يُخل بأمن الأفراد والمجتمعات.
وقد وضع الإسلام للمحارِب الباغي أنواعًا من العقوبات: القتل، الصلب، تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، النفي من الأرض. كما وضع للسارق عقوبة قطع اليد، وهذه العقوبات تعتبر بحق رادعة زاجرة، تقتلع الشر من جذوره، وتقضي على الجريمة في مهدها، وتجعل الناس في أمن وطمأنينة واستقرار.
وأعداء الإنسانية يستعظمون قتل القاتل، وقطع يد السارق، ويزعمون أن هؤلاء المجرمين ينبغي أن يحظوا بعطف المجتمع؛ لأنهم مرضى بمرض نفساني، وأن هذه العقوبات الصارمة لا تليق بمجتمع متحضر، يسعى لحياة سعيدة كريمة.
إنهم يرحمون المجرم من المجتمع، ولا يرحمون المجتمع من المجرم، هذا المجرم الأثيم الذي سلب الناس أمنهم واستقرارهم، وأقلق مضاجعهم، وجعلهم مهددين بين كل لحظة ولحظة في الأنفس والأموال والأرواح، ولقد كان من أثر هذه النظريات التي لا تستند على عقل ولا منطق سليم، أن أصبح في كثير من البلاد عصابات للقتل وسفك الدماء، وسلب الأموال، وزادت الجرائم واختل الأمن، وفسد المجتمع، وأصبحت السجون ممتلئة بالمجرمين وقطاع الطريق.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.