المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربا المحرم في الشريعة الإسلامية - التفسير الموضوعي ١ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التوحيد (1)

- ‌الوحدانية والتوحيد

- ‌التوحيد أساس دعوة جميع الرسل عليهم السلام

- ‌الربوبية والألوهية وصلتهما بالتوحيد

- ‌الدرس: 2 التوحيد (2)

- ‌(أوجه استعمال الربوبية والألوهية في القرآن، وشمولية عقيدة التوحيد)

- ‌أساليب القرآن الكريم في الحديث عن الوحدانية والتوحيد

- ‌الاستدلال القرآني على توحيد الله سبحانه وتعالى

- ‌الدرس: 3 التوحيد (3) - الإيمان بالقدر (1)

- ‌الأدلة النفسية أو الداخلية على توحيد الله

- ‌التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب نوعان

- ‌الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 الإيمان بالقدر (2)

- ‌أصل القدر، والنزاع بين الناس في القدر، وحكم التكذيب به

- ‌أنواع المراد من الله سبحانه وتعالى

- ‌إرادة الله سبحانه في الكون، ومسألة الاحتجاج بالقدر

- ‌الدرس: 5 الإيمان بالقدر (3)

- ‌الإضلال والهداية

- ‌الإيمان بالقدر لا ينافي الاكتساب

- ‌القدر خيره خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى

- ‌تقدير آجال الخلائق، وتفسير كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌الدرس: 6 الإيمان بالبعث (1)

- ‌الإيمان بالبعث، وذم المكذبين بالمعاد

- ‌الرد على منكري البعث

- ‌جزاء الأعمال في الآخرة، وإثبات العرض والحساب يوم القيامة

- ‌الدرس: 7 الإيمان بالبعث (2)

- ‌معنى الورود في القرآن

- ‌الإيمان بالميزان، وبيان حقيقته

- ‌أدلة أن الجنة والنار موجودتان، وأهوال يوم القيامة

- ‌الدرس: 8 الإيمان بالبعث (3)

- ‌انقلاب الكون في اليوم الآخر، وصور من أحوال هذا اليوم

- ‌أحوال أصحاب الجنة وأصحاب النار في الآخرة

- ‌الدرس: 9 الإيمان بالرسل

- ‌الإيمان بجميع الرسل

- ‌دلائل نبوة الأنبياء

- ‌صدق دعوة الأنبياء، وبيان أن إنكار الرسالة طعن في الرب سبحانه

- ‌الدرس: 10 تابع الإيمان بالرسل - الإيمان بالملائكة والكتب السماوية

- ‌وجوب الإيمان بجميع الرسل

- ‌الإيمان بالملائكة والكتب السماوية

- ‌الدرس: 11 بيان فساد عقائد المشركين والمنافقين ومذاهبهم

- ‌إظهار فساد عقائد المشركين

- ‌بطلان عقيدة تعدد الآلهة، وإنكار المشركين للبعث

- ‌فساد عقيدة المنافقين والكافرين، ومذاهبهم في التحليل والتحريم

- ‌الدرس: 12 بيان عناد اليهود والنصارى وضلالهم، والرد عليهم

- ‌مظاهر انحراف وتحلل اليهود عن منهج الله سبحانه

- ‌دعاوى اليهود والنصارى الكاذبة

- ‌الدرس: 13 حديث القرآن الكريم عن السحر

- ‌معنى السحر، وحقيقته، وضروبه عند المعتزلة، وحكم تعلمه

- ‌اليهود والسحر

- ‌الدرس: 14 أنواع الأحكام في القرآن، وبيان حكم بعض علل التشريع

- ‌أحكام العبادات والمعاملات

- ‌الأحكام المدنية

- ‌بيان حِكم بعض علل التشريع في القرآن الكريم

- ‌الدرس: 15 الطهارة والصلاة في القرآن الكريم

- ‌الطهارة: أقسامها، حكمها

- ‌الصلاة، وخطورة التهاون فيها، وحكم تاركها

- ‌الدرس: 16 الصوم والزكاة والحج في القرآن الكريم

- ‌الصوم في القرآن الكريم، وأثره في النفوس والأبدان

- ‌الزكاة وأهميتها وحكم تاركها

- ‌الحج في القرآن الكريم

- ‌الدرس: 17 الجهاد في القرآن الكريم

- ‌تعريف الجهاد، وبيان أقسامه، وحكمه، والحكمة منه

- ‌تاريخ تشريع الجهاد، وأول الآيات نزولًا فيه

- ‌حالات مشروعية الجهاد، وبيان أن الجهاد وسيلة لدفع العدوان

- ‌فضل الجهاد وثوابه، والآثار المترتبة على تركه

- ‌الدرس: 18 الجريمة في القرآن الكريم: أنواعها، وعلاجها

- ‌تعريف الجريمة، وبيان أصلها، وأنواعها، وطرق إثباتها

- ‌علاج الجريمة

- ‌أنواع العقوبات في الشريعة

- ‌الدرس: 19 النظام المالي في القرآن الكريم

- ‌مكانة المال، وقواعد الميراث فى الإسلام

- ‌الاستغلال الاقتصادي لجماعة المسلمين

- ‌الدرس: 20 المعاملات في القرآن الكريم

- ‌البيوع

- ‌الإجارة والرهن

- ‌الدرس: 21 الربا: أنواعه، وضرره على المجتمع

- ‌تعريف الربا، وبيان الأدوار التي مر بها تحريمه، ومشروعية التحريم

- ‌الربا المحرّم في الشريعة الإسلامية

- ‌الربا جريمة اجتماعية خطيرة

الفصل: ‌الربا المحرم في الشريعة الإسلامية

‌الربا المحرّم في الشريعة الإسلامية

الربا الذي حرّمه الإسلام نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل.

ربا النسيئة: هو الزيادة في الدَّيْن في مقابل الأجل؛ كأن يقول المدين للدائن: أخرني في السداد وأزدك كذا وكذا في الشهر أو في العام، أو يقول الدائن إذا حان الأجل: إمّا أن تدفع وإمّا أن تزيد، وأكثر ما كان يقع في الجاهلية من صور الربا الدَّيْن لأجل مشروط بالزيادة. قال ابن جرير الطبري رحمه الله:"إن الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه، فيقول الذي عليه الدين: أخر عني دينك وأزيدك على مالك، فيفعلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافًا مضاعفةً، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه".

وهذا النوع من الربا هو المستعمل الآن في البنوك والمصارف المالية؛ حيث يأخذون نسبة معينة في المائة؛ كخمسة أو عشرة في المائة، ويدفعون الأموال إلى الشركات والأفراد.

أمَّا النوع الثاني من الربا: ربا الفضل:

وهو مبادلة الجنس بجنسه مع الزيادة، متقابضين في المجلس، أو غير متقابضين، يعني: سواء كان البيع معجلًا أو مؤجلًا، ما دام فيه زيادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فَمَن زاد أو استزاد فقد أَرْبَى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) رواه مسلم.

والقاعدة الفقهية في هذا التعامل هي أنه إذا اتحد الجنسان حرم الزيادة، والنَّساء إذا اختلف الجنسان حلّ التفاضل دون النساء.

ص: 298

وتوضيحًا لهذه القاعدة الفقهية نقول: إذا أردنا مبادلة عين بعين؛ كزيت بزيت، أو قمح بقمح، أو عنب بعنب، أو تمر بتمر، حرُمَت الزيادة مطلقًا، ولا تعتبر الجودة والرداءة هنا، وإذا اختلفت الأجناس؛ كقمح بشعير، أو زيت بتمر مثلًا، جاءت الزيادة فيه بشرط القبض، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض -أي: لا تزيدوا بعضها على بعض، بأن يعطي الرجل الجرام بجرامين مثلًا- ولا تبيعوا الورِق بالورِق -يعني: الفضة بالفضة- إلّا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز)) رواه البخاري ومسلم.

والناجز معناه المعجَّل، فلا يصحّ أن يبيع الرجل سبيكةً من الذهب بسبيكة أخرى أكثر منها أو أقل وزنًا، معجلًا ولا مؤجلًا.

والحديث يدل على اعتبار أمرين عند اتحاد الجنس في الأموال الربوية:

أحدهما: تحريم التفاضل.

الثاني: تحريم النساء.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((جاء بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر برميّ -نوع من التمر أصفر مدوّر، وهو أجود أنواعه- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء، فبِعت منه صاعين بصاع؛ ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوه -وهي كلمة تقال عند التوجع- فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردتَ أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتريه)) رواه البخاري ومسلم.

والحكمة في تحريم هذا النوع من التعامل منع الغبن والشعور بالظلم، فيقول صاحب التمر الجيد مثلًا في نفسه: ظلمني المشتري؛ إذ أخذ مني الصاع

ص: 299

بصاعين، مع أن صاعي من التمر يساوي أكثر من صاعين، وربما يقول المشتري: إن صاع البائع أقلّ من الصاعين اللذين دفعتهما له ثمنًا لتمره، فلا يقع التراضي الذي هو ركن من أركان البيع، ويحلّ محله الخصام والمشاحنة، والإسلام -كما عرفنا- حريص كل الحرص على المحافظة التامة على الإخاء والصفاء بين أفراد الأمة الإسلامية.

هل يباح الربا القليل؟ وما المراد من قوله: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (آل عمران: 130)؟

ذهب بعض ضعفاءِ الإيمانِ من مسلمي هذا العصر، إلى أنّ الربا المحرم إنما هو الربا الفاحش، الذي تكون النسبة فيه مرتفعة، ويقصد منه استغلال حاجة الناس، أمّا الربا القليل الذي لا تتجاوز نسبته اثنين أو ثلاثة في المائة فإنه غير محرّم، ويحتجون على دعواهم الباطلة بأن الله تبارك وتعالى إنما حرّم الربا إذا كان فاحشًا؛ حيث قال تبارك وتعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (آل عمران: 130) فالنهي إنما جاء مشروطًا ومقيدًا بهذا القيد، وهو كونه مضاعفًا أضعافًا كثيرة، فإذا لم يكن كذلك، وكانت النسبة فيه يسيرة، فلا وجهَ لتحريمه.

وللجواب على ذلك يقول الصابوني في كتابه (روائع البيان في تفسير آيات الأحكام):

أولًا: إن قوله تعالى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} ليس قيدًا ولا شرطًا، وإنما هو لبيان الواقع الذي كان التعامل عليه أيام الجاهلية كما يتضح من سبب النزول، وللتشنيع عليهم بأنّ في هذه المعاملة ظلمًا صارخًا، وعدوانًا مبينًا؛ حيث كانوا يأخذون الربا مضاعفًا أضعافًا كثيرةً، فلقد ورد في سبب نزول هذه الآية: كان

ص: 300

العباس وخالد بن الوليد شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب)) رواه الواحدي عن السدي.

ثانيًا: إنّ المسلمين قد أجمعوا على تحريم الربا قليله وكثيره، فهذا القول يعتبر خروجًا عن الإجماع، كما لا يخلو عن جَهْل بأصول الشريعة الغرّاء، فإن قليل الربا يدعو إلى كثيره، فالإسلام حين يحرّم الشيء يحرمه كليًّا؛ أخذًا بقاعدة سَدِّ الذرائع؛ لأنه لو أباح القليل منه لجرّ ذلك إلى الكثير منه، والربا كالخمر في الحرمة، فهل يقول مسلم عاقل: إن القليل من الخمر حلال؟!

ثالثًا: نقول لهؤلاء الجهلة من أنصاف المتعلمين: أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فلماذا تحتجون بهذه الآية على دعواكم الباطلة، ولا تقرءون قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) وقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (البقرة: 278) وقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (البقرة: 276). هل في هذه الآيات ما يفيد الربا بالقليل أو الكثير، أم اللفظ مطلق؟

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله آكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبه)) صحيح أخرجه مسلم. فالربا محرم بجميع أنواعه من نصوص قطعية، والقليل والكثير في الحرمة سواء، وصدق الله حيث يقول:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (البقرة: 276).

ص: 301