الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(الجهاد في القرآن الكريم)
تعريف الجهاد، وبيان أقسامه، وحكمه، والحكمة منه
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
أولًا: تعريف الجهاد:
الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو.
أقسام الجهاد:
قال ابن القيم رحمه الله: أقسام الجهاد أربعة: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين. وجهاد النفس هو الجهاد الأكمل، قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات: 40) ويقع جهاد المرء نفسه بمنع النفس عن المعاصي، وبمنعها من الشبهات، وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة؛ لتتوفّر لها في الآخرة، ولئلَّا يعتاد الإكثار فيألفه، فيجرّه إلى الشبهات، فلا يأمَنُ أن يقع في الحرام.
جهاد شيطان: لما كان الشيطان عدوًّا مبينًا للإنسان منذ خلق الله عز وجل هذا الإنسان، فقد أمرنا الله عز وجل أن نتخذه عدوًّا، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّ ا} (فاطر: 6)، ومن ثَمَّ وجبت مجاهدته؛ لأن ذلك يمهّد السبيل أمام الإنسان لكي يجاهد نفسه، وهي عدوه الداخل، ويجاهد الكفار والمنافقين وهذه عداوة الخارج، ولا يمكن جهادهما إلّا بمجاهدة الشيطان والتصدي له، وتعني هذه المجاهدة دفع ما يأتي به من الشبهات، وما يزينه من الشهوات.
ولجهاد الشيطان كما يقول ابن القيم مرتبتان:
الأولى: على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك.
المرتبة الثانية: جهاده على ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
فالمرتبة الأولى يكون بعدها اليقين، والثانية يكون بعدها الصبر، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24) فأخبر الله عز وجل أن إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
وأمَّا جهاد الكفار والمنافقين فمراتبه أربعة: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخصّ باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان، وأمّا جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فعلى ثلاث مراتب: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
حكم الجهاد:
الجهاد فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية على المشهور، والتحقيق أنّ جنس الجهاد فرض عين؛ إمّا بالقلب، وإمّا باللسان، وإمّا باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوعٍ من هذه الأنواع، أمّا الجهاد بالنفس ففرضُ كفايةٍ إذا لم يهجم العدو على المسلمين، فإن هجم ودخل أرضنا فهو فرض عين على كل مسلم، قال تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (التوبة: 41)، أمّا الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان، والصحيح وجوبه؛ لأن الأمر بالجهاد به وبالنفس في القرآن سواء، كما قال تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: 41).
كما عَلَّقَ القرآن النجاةَ من النار به ومغفرة الذنب ودخول الجنة، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (الصف: 10: 12).
حكمة تشريع الجهاد:
الصراع بين الحق والباطل قديمٌ قِدمَ هذه الحياة لا يهدأ ولا ينتهي ولا يزول إلى أن يرث الله الأرضَ ومَن عليها، وإليه يرجعون، ولا بُدَّ لكل أمة من أمم الأرض تريد أن تحيا حياةَ العزة والكرامة من أن تستعد الاستعداد الكامل لمجابهة عدوها بكل ما تملك من قوة، وأن تأخذ بأسباب النصر، فتهيئ شبابها للجهاد والقتال؛ لأنه لا عيش في هذه الدنيا إلا للأقوياء، ولا منطق إلا للقوة، وقديمًا قال شاعرنا العربي:
ومن لا يظلم الناس يظلم
…
ومن لم يزد عن حوضه بسلاحه يهدَّم
والإسلام دين الله إلى الإنسانية يهتم بدعوة الناس إلى الدخول في هدايته، والانضواء تحت رايته؛ لينعموا بحياة الأمن والاستقرار، ويعيشوا العيشة الكريمة التي أرادها الله لبني الإنسان، وإن الأمة الإسلامية هي الأمة التي اختارها الله لإعلان دينه، وتبليغ وحيه، وإيصال هذا الهُدى والنور إلى أمم الأرض، فإذا وقف أحد في طريق الدعوة، وأراد أن يصدها عن المضي في طريقها، فلا بد من دحره وتطهير الأرض من شره؛ لتصل هداية الله إلى النفوس، وتعلو كلمة الحق، ويأمن الناسُ على حريتهم الدينية في الإيمان بالله الواحد القهار.
ولذلك شرع الله القتال لدفع عدوان الظالمين، ولتحطيم كل قوة تعترض طريق الدعوة وإيصالها للناس في حرية واطمئنان، وصدق الله حيث قال:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة: 193) ولا يقاتل إلّا الباغي المعتدي، الذي يريد أن يفرض إرادته على الأمة بالقهر والسلطان، وأن يصد الناس عن دين الله بقوة الحديد والنار، ويفتن المؤمن بوسائل الفتنة والإغراء، قال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} (البقرة: 190).