الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
(الطهارة والصلاة في القرآن الكريم)
الطهارة: أقسامها، حكمها
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ودين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم، والمسكين، وابن السبيل، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة، وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} (الذاريات: 56).
وبهذا أرسل جميع الرسل، كما قال نوح لقومه:{يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 59). وكذلك قال هود وصالح وشعيب عليهم السلام وغيرهم من الأنبياء لأقوامهم، وبما أن المخلوقين كلهم عباد الله، الأبرار منهم والفجار، والمؤمنون والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، فإن عبوديتهم الحقة تستلزم عبادة الله الواحد القهار، قال تعالى:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 21).
- الطهارة:
معنى الطهارة:
الطهارة لغة: النظافة والخلوص من الأوساخ والأدناس الحسية، كالأنجاس من بول وغيره، والمعنوية، يعني الطهارة أيضًا تشمل الخلوص من الأدناس المعنوية، كالعيوب والمعاصي، والتطهير: التنظيف، وهو إثبات النظافة في المحل.
والطهارة شرعًا: النظافة عن النجاسة حقيقة كانت وهي الخَبَث، أو حُكمية وهي الحدث، والخبث في الحقيقة: عين مستقذرة شرعًا، والحدث: وصف شرعي يحل في الأعضاء ويزيل الطهارة.
وعرف النووي الشافعي الطهارة بأنها: رفع حدث أو إزالة نجس، أو ما في معناهما وعلى صورتهما.
أنواع الطهارة الحسية:
يتبين من تعريف الطهارة أنها نوعان: طهارة حدث وتختص بالبدن، وطهارة خبث وتكون في البدن والثوب والمكان، وطهارة الحدث ثلاث؛ كبرى وهي الغسل، وصغرى وهي الوضوء، وبدل منهما عند تعذرهما وهو التيمم. وطهارة الخبث ثلاث: غُسل، ومسح، ونضح بالماء.
والوضوء في اللغة بضم الواو، وهو اسم للفعل، أي: استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، وهو المراد هنا، مأخوذ من الوضاءة والحُسن والنظافة. يقال: وضؤ الرجل، أي: صار وضيئًا. وأما بفتح الواو الوضوء، فيطلق على الماء الذي يُتوضأ به.
والوضوء شرعًا: نظافة مخصوصة أو هو أفعال مخصوصة، مفتتحة بالنية، وهو غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس. وأوضح تعريف للوضوء أنه هو استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة: الوجه، اليدان، الرجلان، ومسح الرأس على صفة مخصوصة في الشرع، وهو مقصود لأداء الصلاة، لكن حكمه الفرضية، فرض؛ لأنه شرط لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: 6).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، عن أبي هريرة.
والحكمة من غَسل هذه الأعضاء هو كثرة تعرضها للأقذار والغبار، والوضوء كما هو شرط لأداء الصلاة، فإنه يطفئ الغضب. روى أحمد في سنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا غضب أحدكم فليتوضأ)).
وكذلك الوضوء يمحو السيئات ويرفع الدرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)). رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه أيضًا وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري.
الغُسل:
الغسل شرعًا: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن، على وجه مخصوص. والأصل في مشروعيته قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} . وهو أمر
بتطهير جميع البدن، والقصد منه التنظيف، وتجديد الحيوية وإثارة النشاط؛ لأن عملية الجنابة تؤثر في جميع أجزاء الجسد، فتزال آثارها بالاغتسال.
والحكمة في الاغتسال: حِل ما كان ممتنعًا قبله، والثواب بفعله تقربًا إلى الله تعالى.
إزالة النجاسة:
النجاسة ضد الطهارة، وتنقسم النجاسة إلى قسمين: حقيقية، وحكمية، فالنجاسة الحقيقية هي: مستقذر يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخِّص، والنجاسة الحقيقية أنواع؛ إما مغلظة أو مخففة، وإما جامدة أو مائعة، وإما مرئية وغير مرئية.
وأما حكم إزالة النجاسة غير المعفو عنها، عن الثوب والبدن والمكان للمصلي فواجب؛ لقوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: 4).
والنجاسة الحكمية هي أمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص، ويشمل الحدث الأصغر الذي يزول بالوضوء، والحدث الأكبر الذي يزول بالغُسل.
الطهارة القلبية:
قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، طهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخُلق والفعل، وكذلك طهارة الذات التي تحتويها الثياب، وكل ما يُلم بها أو يمسها.
حكمة مشروعية الطهارة:
للطهارة أهمية كبرى في الإسلام سواء أكانت حقيقية، وهي طهارة الثوب والبدن ومكان الصلاة من النجاسة، أم طهارة حكمية، وهي طهارة أعضاء الوضوء من
الحدث، وطهارة جميع الأعضاء الظاهرة من الجنابة؛ لأنها شرط دائم لصحة الصلاة التي تتكرر خمس مرات يوميًا، وبما أن الصلاة قيام بين يدي الله تعالى، فأداؤها بالطهارة تعظيم لله، والحدث والجنابة وإن لم يكونا نجاسة مرئية فهي نجاسة معنوية، توجب استقذار ما حل بها، فوجودها يُخل بالتعظيم، وينافي مبدأ النظافة التي تتحقق بالغسل المتكرر، فبالطهارة تطهر الروح والجسد معًا.
واهتمام الإسلام بجعل المسلم دائمًا طاهرًا -من الناحيتين المادية والمعنوية- أكمل وأوفى دليل على الحرص الشديد على النقاء والصفاء، فلا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة بالإخلاص لله، والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد، وتطهير القلب عما سوى الله في الكون، فيعبده لذاته مفتقرًا إليه لا لسبب نفعي.
فاهتمام الإسلام بجعل المسلم دائمًا طاهرًا -من الناحيتين المادية والمعنوية- أكمل وأوفى دليل على الحرص الشديد على النقاء والصفاء، وعلى أن الإسلام مثل أعلى للزينة والنظافة، والحفاظ على الصحة الخاصة والعامة، وبناء البنية الجسدية في أصح قوام وأجمل مظهر، وأقوى عماد، ولصون البيئة والمجتمع من انتشار المرض والضعف والهزال؛ لأن غسل الأعضاء الظاهرة، المتعرضة للغبار والأتربة والجراثيم، وغسل الجسم في أحيان متكررة عقب كل جنابة، كفيل بحماية الإنسان من أي تلوث، وقد ثبت طبيًا أن أنجع علاج وقائي للأمراض الوبائية وغيرها هو النظافة، والوقاية خير من العلاج.
وقد امتدح الله المتطهرين في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222). وأثنى سبحانه على مسجد قباء بقوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 108)، وعلى المسلم أن يكون بين الناس مثالًا متميزًا بارزًا في نظافته، وطهره الظاهر والباطن.