الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إنذار آبائهم كان أهم شيء ذكر الموعود به الذي هو (هذا)، فقالوا:(لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا).
الآية الخامسة
- قوله تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (المؤمنون: 84 - 85)، ثم قال في الآية التي تليها:(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)(المؤمنون: 87)، وفي الآية التالية:(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)(المؤمنون: 89)، للسائل أن يسأل عن الوجه فيما أعقبت به كل آية من هذه؟
والجواب عن ذلك بوجهين: أحدهما. أن كل توبيخ أعقب به في الآيات الثلاث مناسب للتذكير الواقع قبله المترتب عليه الجواب بالتوبيخ، أما الأولى فإنه لما قيل فيها:(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(المؤمنون: 84)، والمراد الأرض ومن فيها وما فيها وما اشتملت عليه من بحارها وأنهارها وأشجارها وجبال إرسائلها ومختلف عوالمها وما انطوت عليه واشتملت، هذا هو المراد بقوله تعالى:(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا)(المؤمنون: 84)، فوقع الاجتزاء بمن فيها عما فيها إيجازاً لحصول ذلك في قوة الكلام، كما قال:(أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(يونس: 66)، وقال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا)(مريم: 40)، وليس المراد في هاتين الآيتين تخصيص ما تقع عليه (من) فكذلك قوله تعالى:(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا)(المؤمنون: 84)، إذ مقصود الآية الاعتبار والاستدلال بمصنوعاته (سبحانه) على انفراده بالخلق والأمر، قال تعالى:(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)(الذاريات: 20) فكأن قد قيل لهم إذا أقررتم بأن ذلك (كله) ملك لله تعالى وخلقه فهلا اعترتم بما في الأرض من الآيات، واستدللتم بذلك على نفي الشريك والند للمنفرد بملك الأرض والسماوات إذ:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(الأنبياء: 22)(وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)(الأعراف: 3)، وهلا استدللتم بتكرر إنبات النبات وعودة إخراج الثمرات على إحياء الأموات (كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 57)، ثم لما قال تعالى:(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(المؤمنون: 86)، وذلك الخلق أعظم من خلقكم وخلق الأرض الحاملة لكم، وأخبر بقوله:(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)(المؤمنون: 87) فقل لهم إذا أقررتم أنه مالك ذلك على عظيم أمره أفلا أتقيتموه إذ أنتم في قبضته بإقراركم، ثم لما قال:(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(المؤمنون: 88)(فبلغوا) بلإقرار بذلك مع (عظيم) ما قرروا عليه قبله
مبلغ غاية توجب الإيمان للمعتبر بما قيل لهم وذكروا به من علم هذا، وثيل لهم من علم هذا ثم لم يطع من له ذلك ويفرده تعالى بالعبادة فهو مسحور (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون: 89) أي كيف تسحرون؟
والجواب الثاني، وهو أجرى مع ظاهر الآية، من غير تكلف تقدير، وليس بخلاف للأول إلا في عبارة، وهو أن تقول: إن تذكيرهم ورد أولاً بذكر ما كانوا يقرون ولا يتوقفون فيه وهو ملكه سبحانه الأرض ومن فيها قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(لقمان: 25)، والخالق مالك لما خلقه، فكأن قد قيل لهم: إذا علمتم بانفراده سبحانه بذلك فهلا أفردتموه بالعبادة واستدللتم بالبدأة على العودة (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)؟ ثم ذكروا بربوبيته سبحانه وملكه السماوات والسبع والعرش، فاعترفوا إلى اعترافهم بما تقدم وإقرارهم بملكه لما ذكر وقدرته وقهره. ولو سبقت لهم سعادة لكان تذكرهم لذلك يؤثر خوفهم من عذابه، فلما لم يقع ذلك منهم قبل لهم:(قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)(المؤمنون: 87)، ثم ذكروا بعظيم سلطانه تعالى، وعلو قهره لجميع الموجودات، وكونها في قبضته، وأنه ذكروا بعظيم سلطانه تعالى، وعلو قهره لجميع الموجودات، وكونها في قبضته، وأنه لا حكم لأحد عليه تعالى فقال:(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(المؤمنون: 88)، ثم ذكر اعترافهم بهذا في قوله:(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)(المؤمنون: 89)، فلما تم تقديرهم على جميع ما تقدم مما ذكروا به، واعترافهم بكل ذلك، ولم يعقبهم إقرارهم ولا اعترافهم والإيمان والانقياد، كانوا كمن فقد عقله أو سحر، فاختل نظره وعقله، فقيل لهم كيف تسحرون ما بالكم أنى تستحرون؟ (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (المؤمنون: 91 - 92)، فقد وضح تناسب هذا كله، وتبين التحامه.
****