المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الرحمن ‌ ‌الآية الأولى منها - قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ - ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - جـ ٢

[ابن الزبير الغرناطي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة هود

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة

- ‌الآية الثامنة

- ‌الآية التاسعة

- ‌الآية العاشرة

- ‌الآية الحادية عشر:

- ‌الآية الثانية عشر

- ‌الآية الثالثة عشر

- ‌الآية الرابعة عشر

- ‌الآية الخامسة عشر

- ‌سورة يوسف عليه السلام

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌سوة الرعد

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة

- ‌الآية الثامنة

- ‌سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة:

- ‌الآية الرابعة:

- ‌سورة الحجر

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية:

- ‌الآية الثالثة:

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة:

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة:

- ‌سورة النحل

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة:

- ‌الآية السابعة

- ‌الآية الثامنة

- ‌الآية التاسعة

- ‌الآية العاشرة

- ‌الآية الحادية عشرة:

- ‌الآية الثانية عشرة:

- ‌الآية الثالثة عشر:

- ‌الآية الرابعة عشر

- ‌الآية الخامسة عشرة

- ‌سورة بني إسرائيل (الإسراء)

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة:

- ‌الآية الخامسة:

- ‌سورة الكهف

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة:

- ‌سورة مريم عليها السلام

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة:

- ‌الآية الرابعة:

- ‌الآية الخامسة

- ‌سورة طه

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة

- ‌سورة الأنبياء

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة

- ‌الآية الثامنة

- ‌سورة الحج

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌الآية السادسة

- ‌الآية السابعة

- ‌سورة المؤمنون

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌سورة النور

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية

- ‌سورة الفرقان

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة الشعراء

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌سورة النمل

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة القصص

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌سورة العنكبوت

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌سورة الروم

- ‌الآية الأولى

- ‌الآيةالثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌سورة لقمان

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌سورة السجدة

- ‌(الآية الأولى

- ‌سورة الأحزاب

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية

- ‌سورة سبأ

- ‌سورة الصافات

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌سورة ص

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌سورة الزمر

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية:

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌الآية الخامسة

- ‌سورة المؤمن

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة السجدة

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌سورة الشورى

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة الزخرف

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية

- ‌سورة الجاثية

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة القتال

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية

- ‌سورة الفتح

- ‌الآية الأولى

- ‌ الآية الثانية

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة

- ‌سورة الطور

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة النجم

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌الآية الثالثة

- ‌الآية الرابعة:

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة المنافقين

- ‌سورة التغابن

- ‌الآية الأولى

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة الطلاق

- ‌الآية الأولى

- ‌سورة الملك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة نوح عليه السلام

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل والمدثر

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة القيامة

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة التساؤل

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الإنشقاق

- ‌سورة البلد

- ‌الآية الثانية

- ‌سورة ألم نشرح لك صدرك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة الكافرين

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة قل أعوذ برب الناس

الفصل: ‌ ‌سورة الرحمن ‌ ‌الآية الأولى منها - قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ

‌سورة الرحمن

‌الآية الأولى

منها - قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)(الرحمن: 7 - 9)، للسائل أن يسأل عن وجه تكرر (لفظ) الميزان ثلاث مرات؟ ووجه تخصيص السورة بذلك؟

والجواب عن ذلك - والله أعلم - أن المراد بذكر الميزان إعلام العباد بما به قوام أحوالهم واستقامة أديانهم من إجراء أمورهم على العدل الذي أمر سبحانه في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء: 58)، وفي قوله:(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة: 8)، وفي قوله:(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات: 9)، وفي الحديث: إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة. وتكرر في الكتاب العزيز الوصية بالوفاء في الكيل والوزن المحسوسين لبيان الأمر فيهما فقال تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)(الإسراء: 35)، وذك سبحانه من بخس فيهما، وجعل جزاءه الويل والهلاك فقال:(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(المطففين: 1)، وأعلمنا سبحانه بعاقبة (قوم) شعيب، عليه السلام، في ذلك، وأخذهم بالصيحة وعذاب يوم الظلة، وأعلمنا سبحانه بوزن أعمال العباد يوم القيامة فقال تعالى:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)(الأنبياء: 47)، وتكررت الآيات والأحاديث معلمة بذلك ليشاهد العباد عظيم العدل واستيفاء جزاء الأعمال مرئياً محسوساً جارياً على مألوفهم في دنياهم مشاهداً للصالح والطالح على المعتقد المتقرر عند كافة أهل السنة. فلما كانت الاستقامة في الكيل والوزن مشعرة بالاستقامة فيما سواهما وتأكدا لأنفسهما (ولما وراءهما أكد سبحانه الأمر بذلك، وأخبر بوضعه للخلق فيالقيامة) ليمتثلوا بذلك أمره، فقال تعالى:(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)(الرحمن: 7)، وقال مفسراً وآمراً:(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)(الرحمن: 8 - 9)، و (أن) في قوله:(أَلَّا تَطْغَوْا) يحتمل أن تكون علة أي لئلا تطغوا في الميزان، وأن تكون حرف عبارة وتفسير نائبة مناب أي ومقدرة لها كالواقعة في قوله تعالى:(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا)(ص: 6)، وكرر لفظ الميزان جرياً على عادة العرب فيما لها به اعتناء وتهمم كقول الخنساء:

ص: 461

وإن صخر لوالينا وسيدنا

وإن صخراً إذ نشتو لنحار

وإن صخراً لتأتم الحداة به

كأنه علم في رأسه نار

فكررت ذكر صخر ثلاث مرات ظاهراً غير مضمر، وكقول آخر:

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغض الموت ذا الغنى والفقيرا

فكرر لفظ الموت ثلاث مرات في بيت واحد. وقال:

ليت الغراب غداة ينعب دائباً

كان الغراب مقطع الأوداجِ

وهذا موجود في كلامهم كثيراً إذا قصدوا الاهتمام والاعتناء والتهويل والاستعظام، ومن الوارد في هذا في التنزيل:(الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ)(الحاقة: 1 - 2)(الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ)(القارعة: 1 - 2)، وما ورد من هذا. وأما تخصيص هذه السورة بذكر الميزان وأكيده والوصاة بحفظه وفاء والتزاماً - وهو الجواب الثاني - فمن حيث إن بناء السورة على إعلام الثقلين بنعمة سبحانه لديهم، وإقامة الحجة عليهم، وتعريفهم (بأنهم) لو وفقوا للحظ نعمة تعالى وما بث في السماوات والأرض وخلوقاتهما من عجائب صنعه ما كفر منهم أحد ولا كذب، وإنما أتى على من قدم ذكره من الأمم المكذبة في سورة القمر المتصلة بهذه لعدولهم عن النظر السديد اعتماداً على الأهواء ونبذاً للعدل، والإنصاف ولو اعتبروا بخلق الإنسان وما منح وعلم من البيان وشرف به على سائر الحيوان، واعتبروا بآيتي الشمس والقمر وجريهما بحسبان لتفصيل الفصول وربط الأزمان، وتعاقب الملوين للتصرف والاستراحة (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) (الإسراء: 12) (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ)(يس: 40)، فلو اعتبروا بهذا وما يستدعيه وينجر معه، وبالنبات نجماً وشجراً، ورفع السماء، ووضع الميزان للأنام، إخراج ضورب الأطعمة وأصناف الفواكه منها، واختلاف أنواعها في الطعن واللون والروائح مع اتحاد المادة:(يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ)(الرعد: 4)، وكيف مرج سبحانه البحرين:(هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)(الفرقان: 53)، وقد حجز سبحانه ما

ص: 462

بينهما وأحكم فلا يلتقيان التقاء يعود بعدم المنفعة على العباد، وأخرج منها اللؤلؤ والمرجان. وأجرى فيهما السفن بإجراء الرياح، وأقام على الجميع دلائل الافتقار والحدوث، وحكم عليهم بالفناء والعجز:(هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)(الروم: 40)، وما من معتبر من هذه إلا كان في مشاهدته مفصحاً بلسان حاله:(فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة: 22)، فلو اعتبر أولئك الأمم ببعض المنصوبات للاعتبار من المنبه عليه في سورة الرحمن لدلهم ذلك على الصانع الذي ليس كمثله شيء، ولنبذوا معبوداتهم من دونه جل وتعالى وأجابوا الرسل فلم يهلكوا، ولكنهم انحرفوا عن ميدان الإنصاف فكذبوا فهلكوا، فلبناء السورة على هذا اختصت بذكر الميزان مكرراً مؤكداً على ما وقع فيها. ولما لم ترد هذه الأغراض في غير هذه السورة مبنية على ما تقدمها في السورة قبلها من أخذ المكذبين على الصفة الواردة فيها، وانفردت هي بما قدم؟، كانت مظنة الاعتناء بما ينسحب على كل طرق السلامة في كل عمل، وهو العدل الذي به قوام المخلوقات، والوزن بالقسط الذي تستوضح كل نفس في القيامة (به) ما لها وعليها، ولم تكن غير هذه السورة لتكون أولى بذكر ذلك فيها منها، والله أعلم.

الآية الثانية من سورة الرحمن قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)(الرحمن: 13)، للسائل أن يسأل عن وجه تكرار هذه الآية إحدى وثلاثين مرة، ما وجه ذلك؟ وهل لتخصيص هذا العدد سبب موجب؟

والجواب عن ذلك، والله أعلم: أنه افتتح سبحانه السورة بذكر ضروب من النعم تجل عن الإحاطة بوصفها، ويعجز العارفون عن شكرها، وكلها دلائل للمعتبر واضحة، وشواهد قاطعة بانفراده سبحانه بالخلق والاقتراع والإنشاء والإبداع، فقال تعالى:(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ)(الرحمن: 1 - 2)، وخص سبحانه من أسمائه:(الرحمن) مناسبة لما رحم به عباده، فبدأ سبحانه بتعليمه القرآن، ولا نعمة أعظم من ذلك إذ بتعليمه البيان المتوصل به إلى الإبانة عما في نفسه واستيضاح ما انبهم عليه وإيضاح ذلك لغيره، وبخ يعرف قدر النعمة بالقرآن، ثم أردف فذكر نعمة الشمس والقمر، ونبه تعالى على جريهما في بروجهما بحسبان ولما يدرك العالم من منافعهما إنضاجاً وتيبيساً وإضاءة وحسباناً:(وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)(الإسراء: 12) ثم قال تعالى تحريكاً للمعتبرين وإيقاظاً للمتفكرين: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)(الرحمن: 6)، والنجم ما نجم من النبات وارتفع عن أرضه، ثم قال:(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا)(الرحمن: 7)، فأشار إلى جعلها سقفاً محفوظاً من

ص: 463

غير عمد مزينة بالنجوم للدلالة ورجم الشياطين، وقد مر التنبيه بما فيها وفي خلقها من العبر، ثم قال:(وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)(الرحمن: 7)، وقد تقدم الكلام في ذلك، ثم قال:(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)(الرحمن: 10) للمشي في مناكبها والاكل مما بث فيها والاعتبار بها وبعجائبها، وعجائب السماوات والأرض أكثر من أن تحصى بالعد، قال تعالى:(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الجاثية: 3)، ثم ذكر تعالى بعض ما بثه فيها من الرزق فقال:(فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ)(الرحمن: 11 - 12). ولما كانت هذه النعم مشاهدة للخلائق، ولا طمع لأحد في نسبتها إلى غيره سبحانه، قد شهدت العقول وعرفت انفراده سبحانه بإيجادها واختراعها، أتبع ذلك بتقرير الثقلين وتعجيز الفريقين فقال لهما عقب هذه الضروب الثمانية:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)(الرحمن: 13)، أي أمن هذه ما يمكن للجاحد أن يكذب به ويتعاطاه لغيره سبحانه في وضوح شهادتها لخالقه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) (آل عمران: 83)، ثم عرفنا سبحانه بخلقه الثقلين وبالمادة التي أوجد منها كلا من الصنفين فقال:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) (الرحمن: 14 - 15)، أينسب ذلك إلى غيره؟ أيستبد به سواه؟ ثم أتبع سبحانه بأنه (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (الرحمن: 17) أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف إشارة إلى الغايتين في الانتهاء من رأس الجدي إلى رأس السرطان) ثم بخلق البحرين الحلو والمالح والتقائهما وفصلهما، ثم بما يخرج منها للانتفاع والزينة، ثم بتسخير السفن وجريها، ثم بذكر فناء كل من عليها وبقائه سبحانه، ثم بافتقار أهل السماوات والأرض إليه جل وتعالى وسؤالهم إياه شؤونهم وحاجاتهم كل يوم، وأعقب كل قصة من هذه بتقرير الثقلين وتعجيزهم لقيام الحجة عليهم فقال:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، وتكررت الآية بتكرر القضايا، وكلها مما لا مطمع لأحد في ادعائه، فقامت الحجة بها، وكانت سبعاً جرياً على سنة ما وقع التنبيه به من تحريك المعتبرين، واطرد هذا العدد في ذلك فقال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ)(المؤمنين: 12) إلى تمام سبعة اطوار آخرها قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)(المؤمنين: 14)، وقال عقب هذا:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ)(المؤمنين: 17). ولما ذكر سبحانه الحالات التعبدية التي بها خلاص المكلفين ذكر سبعاً فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنين: 1 - 2)

ص: 464

فعد للمؤمنين خصالاً سبعاً جعلهم بها وارثين نعيمة وساكنين جنته فقال: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنين: 10 - 11)، وهذا العدد مطرد جار في أشياء يشهد اطراده فيها على قصد حكمة تقتضيها، فمنها ما ذكر آنفاً ومنها أن أم القرآن سبع آيات، والأيام سبع، (والسماوات سبع)، والأرض (سبعة) مثلها، وأبواب جهنم سبعة، (وحد) الإثغار سبعة أعوام، ويعق عن المولود يوم سابعه، ومن مسنوناته، عليه السلام سبع قضايا وعيدية: أولها قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ)(الرحمن: 31) إلى قوله: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)(الرحمن: 44) معقباً فيها كل قضية بقوله تعالى مقرعاً وقامعاً للمعاندين بقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).

ثم انصرفت الآي إلى فريق النجاة ووعدهم بما أعد تعالى لهم فقال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)(الرحمن: 46)، واستمرت الآي فيما أعد تعالى لهم وإعطاهم إلى قوله:(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)(الرحمن: 60) مختتمة كل قضية منها بقوله في ثماني كرات في أعقاب ثماني قضايا على ما تقدم: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). وكانت هذه ثمانية لكونها في أهل الجنة فجاءت على وفق أبوابها، ويشهد لهذا القصد تعقيبها بمثلها عدداً فيما زادهم في قوله تعالى:(وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ)(الرحمن: 62) إلى آخر السورة:، وهي ثماني آيات كعدد ما قبلها معقبة كل آية منها بقوله:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) رعياً لما ذكرنا. فتحصل في المجموع العدد المتقدم، ولم تكن الزيادة على ذلك لتناسب إذ لا قضية سوى هذه المعقبات، كما أن النقص من هذا العدد لا يناسب لطلب كل قضية لذلك الإعقاب تناسباً وتوازنا على ما تقدم من الرعي، فورد ذلك كله على الوجه الذي لا يناسب خلافه، والله أعلم.

فإن قلت ما وجه اختصاص سورة الرحمن بهذا التعقيب مما هو إيقاظ للغافلين وتنبيه للمؤمنين وتقريع وتوبيخ للغافلين؟ وما وجه ذلك؟ فالجواب: ( ....... )

****

ص: 465