الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذحذر أن يلام فقال: لم الصبيان. وقيل لبعض العرب: أما بمكان كذا وكذا وجذ فقال بلى وحاذا (أي فاعرف بها وجاذا)، وهو المكان الممسك للماء، ويحذفون الجملة الاسمية برأسها إذا دل الدليل عليها كما يفعلون في الجملة الفعلية، قال تعالى:(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)(الطلاق: 4) أي فعدتهن ثلاثة أشهر، والحذف في كلامهم كثير إذا كان في الكلام ما يدل على المحذوف، فظهر لي هنا (والله أعلم) أن الواو في قوله:(وَثَامِنُهُمْ) إنما عطف بها على جملة اسمية محذوفة كما قدمنا، ومن المفسرين من جعل هذه الواو داخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل (على الواقعة) حالاً عن المعرفة في نحو جاءني زيد ومعه أخوه، ومررت بزيد وفي يده سيف، ومنه قوله عز وجل:(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ)(الحجر: 4)، وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهذه الواو وهي التي آذنت بأن الذين قالوا:(سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قالوا عن ثبات علم وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن كما فعل غيرهم، والدليل عليه أن الله سبحانه أتبع القولين الأولين بقوله:(رَجْمًا بِالْغَيْبِ)، وأتبع القول الثالث بقوله:(مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)(الكهف: 22) وقال ابن عباس، رضي الله عنه:(حين وقعت الواو انقطعت العدة) أي لم يبق بعدها عدة عاد يلتفت إليها، وثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والثابت، وقيل:(إِلَّا قَلِيلٌ) أي من أهل الكتاب، والضمير في (سيقولون) على هذا لأهل الكتاب خاصة، أي سيقول أهل الكتاب فيهم كذا وكذا، ولا علم لهم بذلك (إلا) في قليل منهم، وأكثرهم على ظن وتخمين. انتهى ما قاله الزمخشري وحكاه، وقد حصل منه أن قليلاً من أهل الكتاب قد كان يعلم عددهم وهذا لا ينافره المأخذ المتقدم. وحكى المفسرون أن ابن عباس، رضي الله عنه، كان يقول في قوله:(مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أنا من ذلك القليل، وهذا القدر كاف، والله أعلم.
الآية الثانية
من سورة الكهف قوله تعالى في قصة صاحب الجنة: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)(الكهف: 36)، وفي سورة حم السجدة:(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)(فصلت: 50)، للسائل أن يسأل عن اختصاص آية الكهف بقوله:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ) واختصاص آية السجدة بقوله: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ)(مع) أن الظاهر اتحاد المقصود في الآيتين؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم، أن الآيتين وإن اتحدتا في الغاية الحاصل منها
وصف حال الكافر المنكر للبعث الوارد في كل واحدة منهما في قوله: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)(الكهف: 36، فصلت: 50)، إن آية الكهف منهما أقوى تعريفاً ببعد الكافر المضروب به المثل عن حال الإيمان. وأما آية السجدة فصالحة لاتصاف الكافر والمؤمن بحال المفتتحة بها من قوله:(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)(فصلت: 49)، من حيث إن هذا الوصف وصف يعم المؤمن والكافر، ولهذا قال ابن عطية بعد أن ذر أن المراد بها الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة: فإن أكثرها يعطي أن الآية نزلت في كفار، ثم قال: وإن تضمن أولها خلقاً ربما يشارك فيه بعض المؤمنين، فحصل من كلامه أن هذا التعريف بحال المضروب به المثل في هذه الآية أرجأ من حال المضروب به المثل في آية الكهف، ألا ترى أن آية الكهف لا يكاد شيء من كلمها يجري في وصف المؤمنين، ألا ترى ابتداء مطلع وصف المذكور فيها مخبراً عنه بقوله:(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)(الكهف: 35)، وبقوله:(مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)(الكهف: 35 - 36)، ثم حكم لنفسه بعد إنكاره العبث باستحقاق ما عجل له من جعل الجنتين كما وصفتا، فقال:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)(الكهف: 36)، فتأمل ما بين هذه الكلم الواردة في وصف هذا الكافر والوادة في قوله في آية سورة السجدة (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ) (فصلت: 49)، أي من أن يدعو بالخير لنفسه ويستزيد منه، وهذه صفة توجد في المؤمنين، وبها افتتح الوصف المضروب به المثل في هذه الآية، ثم قال بعدما ذكر من كلامه:(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)(فصلت: 50)، فقوله:(إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) ليس في موازنة قول الآخر في آية الكهف: (لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)(الكهف: 36) وإن خفي ما بينهما. فلما افترقت الآيتان فيما ذكر، ناسب آية الكهف قوله:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ)، لما يشعر لفظ رددت ويحتمله من القهر والتعنيف وقوعاً أكثرياً لا بالوضع، بخلاف لفظ رجع إذا قلت منه: رجعته أو رجع فإنه لا يحتمل ولا يفهم من معنى القهر والتعنيف ما يحتمله ردّ، ألا ترى وروده في مثل قوله:(ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا)(الكهف: 87)، وقوله:(ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)(التوبة: 94)، وقوله بعد:(وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)(التوبة: 105)، وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم في الشيطان حين تعرض (له) في صلاته، قال صلى الله عليه وسلم:(فرده الله خاسئاً)، ففي كثرة ورود هذا حيث يراد هذا المعنى أدل دليل على ما أشير إليه. أما رجع وما تصرف منه فقل ما يرد لهذا، وإن ورد فليس ككثرة رد. فأما قوله تعالى:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)