الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الجنة فيشرئبون، وينادي يا أهل النار كذلك، ويؤتى بالموت فيقال لهذا هل تعرفونه فيقولون نعم
…
الحديث، إلى قوله فيه: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل الناء خلود لا موت، فإذا ذلك تعظم حسرتهم ويشتد كربهم، ونص الحديث على ما رُويناه في صحيح مسلم عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة والنار، واتفقنا في سياقي الحديث فقيل: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(مريم: 39)، وأشار إلى الدنيا.
قلت وهذا الحديث من مشكلات الأحاديث، وله وجه من التأويل يرفع إشكاله، وقد تفسرت مظنة الحسرة في قوله تعالى:(إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) والمراد به استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار كما ورد في الخبر، وحق لمن تقدم ذكره قبل هذه الآية ممن وقع في العظيمة من أمر عيسى، عليه السلام، حين قالوا: ابن الله مع إقرارهم بالبعث الأخراوي والجزاء، فحق لهم أن يذكروا تحذيراً وتخويفاً بمثل هذا، ولم يتقدم الآية ذكر غيرهم، فهذا أوض تناسب.
وأما آية سورة المؤمن فقد ورد قبلها قوله تعالى خطاباً للمؤمنين: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(غافر: 14)، ثم تابع الكلام معه إلى الآية من قوله:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(غافر: 18)، فخوفوا بإسراع أمر الساعة وتعجيل وقوعها كما قال سبحانه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء: 1)، أزف الشيء أسرع ومنه قوله تعالى:(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ)(النجم: 57 - 58)، وتأمل ما اتصل بقوله:(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(غافر: 18)، وقوله:(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ)(غافر: 18)، فقد تناسب هذا ووضح، أما ما ورد في الآيتين فهو على أتم مناسبة، وإن عكس (الوارد) على ما يبنا لا يلائم، والله أعلم.
الآية الرابعة:
غ - قوله تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)(مريم: 52 - 53)، وفي سورة الفرقان:(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)(الفرقان: 35)، ومقصود الآيتين تأييد موسى،
عليه السلام، بأخيه هارون، ثم اختلف الوصف بالنبوة والوزارة مع اتحاد المقصود، للسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عنه، والله أعلم: محصل طي تمهيد وهو أن السور المتردد فيها ذكر الرسل، عليهم السلام، منوطاً فيها ذكرهم بذكر أممهم، وما كان من معاندة الأمم وتكذيبهم، وأخذ المكذبين بمرتكباتهم، ولا تكاد تجد سورة منها وارد فيها ذكرهم إلا على ما ذكرنا، وأكثر تلك السور استيفاء لهذا الغرض سور ثلاث، وهي: سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، ثم يليها في ذلك سورة قد أفلح، وقل ما تجد سورة ورد فيها قصة منها واحدة فصاعداً إلا جارية على ما ذكرته، وربما أجمل ذلك في بعضها مع تحصيل ما ذكرنا من أخذ الأمم بعد تكذيبهم، وآخر سورة ذكرت فيها قصصهم معتمداً فيها ما اطرد من أخذ كل أمة يتكذيبها، وآخر سورة ذكرت فيها قصصهم معتمداً فيها ما اطرد من أخذ كل أمة بتكذيبها، وبيان ما به أهلكت من الغرق والريح والصيحة والحاصب وعنيف الأخذ بالعزة والاقتدار سورة القمر مع إيجاز القصص، ولم يرد في غير هذه السورة الوفاء بما ذكرنا، وإنما خصت هذه السورة ببيان كيفية أخذ المكذبين كما بينته في كتاب البرهان، ثم إن سورة مريم تضمنت طائفة عظيمة فصل ذكر بعضهم وأجمل ذكر البعض، وقد تجرد فيها من الإخبار بأحوالهم ذكر التعريف بخصائص من منحهم وعلى أقدارهم، وما أيدوا به من ذلك، من غير أن يشوب هذا ذكر شيء من تكذيب من كذب منهم، إلا ما ورد في ذكر إبراهيم عليه السلام، من قول أبيه له:(أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ .... )(مريم: 46)، ولم يذكر من حال قومه، عليه السلام، شيء، ولا ذكر فيما بعد ولا فيما تقدم من هذه السورة (إلا خصائصهم ومنحهم العلية التي بها امتازوا عمن سواهم من صالحي الأمم) كما تقيدت به مما ذكرنا.
ثم إن النبوة أعظم خصائصهم التي تساووا في تحمل أمانتها، وأفردوا، عليهم الصلاة والسلام، (بها)، ولم يشاركهم فيها غيرهم، أما اسم الوزارة والوصف بها فليس مما يخصهم ولا مما أفردوا به، فلم يكن وصف هارون، عليه السلام، هنا (بها) ليناسب هذا القصد العلي ولا ليلائمه. وأما قوله تعالى في سورة الفرقان:(وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)(الفرقان: 35) فمرتب على سؤال موسى عليه السلام في سورة طه في قوله: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ)(طه: 29 - 30)، فأعطى عليه السلام مطلبه. قال تعالى:(وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)، ورد هذا على الترتيب المتقرر في المصحف. ثم إن ما اتصل بهذه الآية وآية سورة مريم مما قبلهما وبعدهما يستدعي