الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما تقدم آية سورة طه قصص موسى، عليه السلام، وما جرى من فتنة قومه بعده بفعل السامري/ وما كان من قول هارون، عليه السلام، وتذكيره إياهم، وقول بني إسرائيل (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) (طه: 91) إلى قوله: (ذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا)(طه: 99)، والمراد به القرآن، ثم أتبع هذا بما يلائمه إلى قوله:(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)(طه: 113) أي قصصاً مقروءاً بلسان العرب مذكراً من وفق لاعتباره والاتعاظ به: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)(طه: 113)، فناسب كل من العبارتين موضعه أتم مناسبة، ولم يكن العكس ليناسب، والله أعلم.
الآية الثامنة
من سورة الرعد قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)(الرعد: 38)، وفي سورة الروم:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)(الروم: 47) فقد ذكر الرسل على المجرور في سورة الرعد فقيل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ)، وورد في سورة الروم بتقديم المجرور فقيل:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ)، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟ وما روعي فيه؟
والجواب عن ذلك: أن المتقرر في الكتاب العزيز أنه إذا ورد اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع غيره من الرسل، عليهم السلام، مفصحاً بأسمائهم في آية واحدة فإنه يتقدن اسمه ظاهراً كان أو مضمراً، ثم يذكر بعده من تضمنته الآية منهم، عليه السلام، كقوله تعال:(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(النساء: 163)، وقوله تعالى:(وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ .... )(الأحزاب: 7) الآية، فإن قيل: فقد قدم هنا قبله قوله: (مِنَ النَّبِيِّينَ) قلت: المجموع جمع السلامة بالواو والنون رفعاً والياء والنون نصباً وجراً من ألفاظ العموم عند الأصوليين، فقوله:(مِنَ النَّبِيِّينَ) يعم نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من النبيين، عليهم لسلام، (ثم) لما أفصح بمن ذكر في الآية من أولي العزم إشعاراً بتفضيلهم على من سواهم بدئ به، عليه السلام، فقيل:(مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(الأحزاب: 7) .... الآية، ومثل هذا قوله تعالى:(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ)(البقرة: 98) ثم قال: (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) وقد دخلا تحت عموم (وملائكته)، مع أن لفظ النبيين بالألف واللام أوضح في العموم إذ ليس المضاف في العموم كالمعرف بالألف واللام، فأقول: إنما قدم المجرور في قوله: (مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ)(الروم: 47) في سورة الروم لمكان ضميره صلى الله
عليه وسلم. أما آية الرعد فموازن لها ومناسب ما تقدمها من قوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ)(الرعد: 32) فتأخر الضمير في الآيتين للموازنة والتقابل، والثانية منهما محمولة على الأولى في رعي ما ذكر.
فإن قلت: فلم تأخر ضميره صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى (عن ذكر الرسل)؟ قلت: لأن ذكرهم هنا، عليه السلام، لم يرد معرفاً بأحوالهم وما منحوا من الاصطفاء والتكريم، ولو ورد ذكرهم لهذا الغرض لكان اسمه، عليه السلام، متقدم الذكر كما في الآية الواردة بذلك، وإنما ذكر هنا إساءة مكذبي أممهم إليهم ونيلهم منهم ضروب المضرات، وليس ذلك مما يعرف بمناصبهم في التفضيل وإنما ذكر (ذلك) ليقاس بهم نبينا صلى الله عليه وسلم في الصبر والتحمل، وليقتدي بهداهم كما أمر في قوله تعالى:(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)(الأحقاف: 35)، ثم له صلى الله عليه وسلم السيادة المعروفة والمكانة المتقررة، فتقدم ذكرهم في قوله (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) وتأخير ضميره صلى الله عليه وسلم لما ذكر، ثم وردت الآية بعد فجري الإخبار فيها على ذلك إحرازاً للمناسبة والموازنة أيضاًن فليس ذكرهم مجملاً غير مفصل كذكرهم على التعيين بأسمائهم، وقد تقد الإيماء إلى هذا، (والله سبحانه أعلم بما أراد).
*****