الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة سبأ
قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)(سبأ: 9)، وقال بعد:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(سبأ: 19) بالإفراد في الأولى والجمع في الثانية، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عنه، أن الإشارة أولاً إلى قوله تعالى:(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ)(سبأ: 9)، ولم يتقدم ما حركوا إلأى الاعتبار به غير هذا، وقد انضم ذلك تحت ما الموصولة، ولفظها مفرد فروعي من حيث اللفظ فقيل:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً) بالإفراد. وأما الثانية فتقدم قبلها قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)(سبأ: 10)، ثم قال:(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ)(سبأ: 12)، ثم قال:(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ)(سبأ: 13) إلى قوله: (مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)(سبأ: 14)، ثم قال:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ .... )(سبأ: 15)، فذكر سبحانه بالاعتبار بما منح داود من تسبيح الجبال والطير معه وإلانة الحديد، وبما سخر لسيلمان، عليهما السلام، من الريح تحمله وجنوده حيث شاء في السرعة التي أشارت إليها الآية، وإسالة عين القطر له وهو النحاس المذاب، وعينه معدنه، وعمل الجن بين يديه تسخيراً فيما يريده من عمل ما شاء مما في قواهم، ثم ذكر ما كان لسبأ في مساكنهم من آية الجنتين عن يمين وشمال وأكلهم منها وتنعيمهم إلى أن أعرضوا فأرسل عليهم سيل العرم إلى آخر قصتهم، فهذه المعتبرات لم تدخل تحت موصول ولا اسم مفرد يضم جميعها بل ذكرت مفصلة، فقيل إشارةإلى جميعهما:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ)، ولا يمكن إلا هذا إذ لم يتقدم مفرد من موصول أو غيرذلك ما يجمع الكل يرجع إليه الضمير مفرداً كما في الآية الأخرى، فقيل هنا:(لآيات) ولم يمكن إفرادها هنا، وأمكن في الآية الأخرى لوحدية الموصول الجامع لما تفصل بعده، فروعي لفظه لأن ذلك أوجز من رعي معناه.
ثم إن المعلوم من لسان العرب إذا تقدم من الأسماء المفردة ما له لفظ ومعنى فإن
رعي لفظه في عودة ضمير أو تفسير أولى، ثم قد يراعى المعنى لد فيعود الضمير بحسبه من تثنية أو جمع، ومن هذا قوله تعالى:(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)(الطلاق: 11)، فقوله:(يؤمن)(ويعمل)(وندخله) رعي للفظ (من) وهو مفرد فعاد الضمير إليه مفرداً، (وقوله بعد:(خالدين) ورجوعإلى المعنى، ويقل رعي المعنى بديهاً في هذه الألفاظ التي هي مفردات) تتها كثرة، ومنه بين الكتاب.
تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من ياذيب يصطحبان
فقال: يصطحبان، فأعاد على معنى من، والإعادة إلى اللفظ أكثر، وعليه قيل في الآية الأولى:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً) بالإفراد على الأولى والأكثر مع جواز وروده عائداً على المعنى إن اعتضد ذلك.
أما الآية الثانية فجمع آيات فيها لا يمكن خلافه، فورد كل على ما يجب، ويمتنع العكس لما ذكر. فإن قيل:(إن) قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ
…
)، استئناف باللام التي تقع جواباً للقسم، فقد يقال إنها تقطع ما بعدها عما قبلها. وإذا أمكن هذا فما المانع من رجوع اسم الإشارة إلى ما بعد قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ
…
) (سبأ: 15) وتلك قصة مفردة فكان يكون الواردهنا أي الآية على الإفراد رعياً لمعنى القصة؟
فالجواب أنّا لو فرضنا هذا الاعتراض لازماً لقلنا: إن قصة سبأ قد انطوت على تفصيل يقتضي جمع آيات، إلا أن الاعتراض أولاً غير لازم (إذ) قد يشار إلى مجموع قصص تفصلت ودخل كل قصة في أولها هذه اللام، فلم يمنع ذلط من عودة اسم الإشارة إلى الجميع كقوله تعالى:(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ)(القمر: 43)، والإشارة بأولئكم إلى كل من تقدم ذكره من أول قصة نوح، عليه السلام، إلى قصة آل فرعون، وقد ابتدئت كل قصة منها (بلقد)، ثم أشير (بعد) إلى الجميع ليعتبر بأحوالهم، فكذلك في الىية التي نحن فيها، فسقط الاعتراض، وتبين أن لك (آية) واردة على أوضح التناسب، والله أعلم.
سورة الملائكة: قد تقدم ما فيها، وكذلك سورة يس.
*****