الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غِلْمَانٌ لَهُمْ) (الطور: 24) أن الكل من تابع ومتبوع مخدومون، وقيل:(لهم) باللام المقتضية الملك مع كون الضمير في لهم للكل من متبوع وتابع إشعاراً لأنهم ملكهم غلمان لهم، يتصرفون في كل بما يؤمرون به وينهون عنه، ولما لم (يقع) في سورة الواقعة وسورة الإنسان ذكر الأتباع من الذرية لم يرد فيهما إلا اسم الولدان، وهم في الخدمة بمقتضى أسنانهم دون الغلمان، وتناسب هذا، والله أعلم.
الآية الثانية
من سورة الطور - قوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ)(الطور: 41 - 42)، وفي سورة القلم:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)(القلم: 47 - 48)، للسائل أن يسأل عن وجه تعقيب هذه الآية في السورتين بما ورد فيهما؟ ووجه المناسبة في ذلك؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أنه جل وتعالى أرغم معاندي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع تعلقهم، وأوضح عجزهم، وأوقفهم على قبيح تكذيبهم وشنيع مرتكبهم في بضع وعشرين آية من سورة الطور وسورة القلم، وفي سورة الطور أكثرها، وباقيها في سورة القلم، وتصل محصوراً فيها كل متعلق بمجادلتهم ظناً أو توهماً، وقدم ذلك في السورتين حال المتقين وما منحوه، على تفصيل في سورة الطور واستيفاء يناسب ما فصل أيضاً من حال المعاندين في متعلقاتهم، وإيجاز في سورة القلم يناسب الوارد فيها من ذلك التعلق، مكتفي من ذلك في (وصف) المتقين بقوله تعالى:(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(القلم: 34). فلما تقعد في السورتين حال المتقين أعقب بتوبيخ من ارتكب ضد حالهم، فبدأ سبحانه في سورة الطور بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم أمراً له باستمراره على الدعاء (إلى ربه):(فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ)(الطور: 29)، فنفي عنه ما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم بهاتين، وقد علموا براءته من ذلك واعترفوا به في الخبر الصحيح بل كانوا يعلمون صدقة قال تعالى:(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام: 33)، فهذا إخبار منه سبحانه بمعتقدهم فيه، ولكنهم كانوا يرون أن رميه بالتكهن والجنون كأنه مخيل في توقفهم عن تصديقة واتباعه لذلك أكد سبحانه نفي ذلك عنه بالقسم في السورتين فقال (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) (الطور: 29)، وهذا في قوة القسم الصريح، وقال في سورة القلم مفصحاً بذلك:(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)(القلم: 1 - 2)، ثم كرر ذلك توبيخاً لقائله فقال:(وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)(القلم: 51)، ولم يتكرر في السورتين مفصحاً به من الصادر عنهم فيما كانوا يرمونه به غير صفة الجنون، ثم
قال تعالى قاطعاً بهم في احتجاجهم (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ)(الطور: 30)، وقد عرفوا أن ما جادلهم به ليس بشعر، ثم قال تعالى:(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا)(الطور: 32)، ومن المعلوم الذي قد علموه هم أن عقولهم لا ترجع ذلك من مقالهم فكيف تأمرهم به؟ ثم قال:(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ)(الطور: 33) أي فإن قالوا - فليأتوا بمثله وعجزهم عن ذلك قاطع هذا التعليق، ثم قال:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ)(الطور: 35)، وقد كذبوا أنفسهم بهذا واعترفوا بخلق الله تعالى إياهم:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(الزخرف: 87)، ثم قال:(أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(الطور: 35)(أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)(الطور: 36)، وقد أخبر تعالى عنهم بقوله:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(لقمان: 25) فلا تعلق لهم بشيء من هذه المرتكبات لتكذيبهم أنفسهم وكل ما يقدر أن يتعلقوا به من المذكور بعد هذا من قوله: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ)(الطور: 37) إلى قوله: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)(الطور: 40) لا توقف في اضحلال تعلقهم به، فلم يبق بعد وضوح الحق إلا الضلال ولما بلغ المتقرر من رد متعلقاتهم الغاية في قطع كل متوهم من متوهماتهم المفروضة قال تعالى:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ)(الطور: 41)، وهذا آخر ما يتوهم متعلقاً لهم وإن لم يقولوه، فلم يبق لهم إلا أعمال المكيدة فأخبر تعالى أنهم:(هُمُ الْمَكِيدُونَ)(الطور: 42)(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(القمر: 45)، فقد وضح وجه تعقيب آي سورة الطور بهذه الآية.
ولما كمل في سورة (نوالقلم) ذكر كل ما يمكن تعلقهم به، واستوفي ما قد وقع منهم وما يشبه ذلك مما لم يقولوه لبعده كادعاء اطلاع الغيب واستراق السمع، وادعاء خلق السماوات والأرض، وإيجادهم من غير صانع مريد مختار قادر، أو أن خزائنه سبحانه عندهم، فلما لم يبق ما يتوهم إمكان تصوره، وانقطع تعلقهم، وتبين أن توقفهموامتناعهم عناد بّين، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)(القلم: 51)، فأرغمهم وفضحهم وأعقب الآية من قوله:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ)(القلم: 47) في سورة القلم بالأمر بالصبر لكمال ما قصد من قطعهم بكل جهة واستيضاح تمردهم من بعد ما تبين لهم الحق إلا الصبر عليهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، وقال له تحذيراً من أنن تدركه السآمة والضجر:(وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)(القلم: 48) وبان أيضاً وجه هذا التعقيب.
ولما كانت سورة الطور متقدمة في الترتيب المستقر، وورد بعدها في سورة القلم ما
هو راجع إلى الوارد في الطور ومن تمامه أعقبت الآية هناك بقوله: (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا)(الطور: 42)، وأعلم تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن كيدهم راجع عليهم، وأن ما راموه حال بهم:(فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)(الطارق: 17) تأنيساً له، عليه السلام، وإعلاماً أن العاقبة له، وأنه سيستجيبُ له غيرهم ممن سبقت له الحسنى فأناب وتذكر، قال تعالى:(وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)(القلم: 52)، وجاء كل على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
*****