الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية الثالثة
من سورة السجدة - قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(فصلت: 45)، وفي سورة الشورى:(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(الشورى: 14)، للسائل أن يسأل عن خلو آية السجدة من ذكر النهاية المذكورة في (الآية) الأخرى؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الشورى تقدم قبلها ذكر تلك الغاية والأجل في قوله: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)(الشورى: 7)، فهذا هو الوقت الموعود والأجل المسمى، فلما تقدم ذمره وقعت الإحالة عليه في قوله:(أَجَلٍ مُسَمًّى)، (وأما) آية السجدة فلم يتقدم (فيها) ذكر هذه الغاية على الوفاء بخ وبما فيه، وأما قوله تعالى فيها:(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ)(فصلت: 19) فأشار إلى وقت حشرهم وإدخالهم في النار، وإنما ذلك فعل يقصد هؤلاء في ذلك اليوم وبعض ما فيه، فأوقع اسم اليوم على الوقت الذي يؤمر فيه بهؤلاء إلى النار، كما قال تعالى:(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ)(الأنفال: 16) أي قت القتال، فوقع اسم اليوم على الوقت، إذ لا يتقيد لقاء العدو وقتاله بيوم برأسه ولا بنهار دون ليل، فإنما وقع اليوم في قوله:(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ)(فصلت: 19) الآية على وقت من اليوم يتقيد به بعض أفعال ذلك اليوم، أما تفصيل ما فيه من استغراق الفريقين والإفصاح باسمه فإنما ذلك يث ذكر، فكان هناك ما يحال عليه، وقد تكرر ذكره في قوله تعالى في سورة التغابن:(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)(التغابن: 9)، فلتدم ذكره موفى التعريف باسمه وقعت الإحالة عليه والإشارة بقوله:(إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)، فقد وضح ورود كل من الآيتين على ما يناسب، ولا يناسب عكس الوارد، والله أعلم.
الآية الرابعة
من سورة السجدة قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)(فصلت: 52)، وفي سورة الأحقاف:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)(الأحقاف: 10)، قد يسأل عن وقوع - ثم - في الأولى ووقوع واو النسق مكانها في الآية الثانية؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن ثم للترتيب الزماني واقتضاء المهلة فيه، وتأتي أيضاً لبيان رتبة ما يعطف بها، وأن له موقعاً وخطراً وبه اعتناء، وقد مر بيان ذلك. وإن تفاوت الرتب كتفاوت الزمان، ولا توقف في أن كفرهم بالقرآن بعد علمهم أنه من عند الله
(أو ثبوت أنه من عند الله كما هو) وكما قد علم من سعد بالإيمان به وإن كذبوه، فلا شك أن ذلك مرتكب شنيع وضلال بعيد، فجيء هنا بثم لتحرز عظيم اجترامهم وشنيع مرتكبه، فجاءت على ما يجب.
ولما قصد في آية الأحقاف زيادة شهادة عليهم بتصديق من تقرر عنده علم الكتاب المنزل قبل كتابنا، ممن يعرف علمه، فشهد بما عنده من العلم، أن هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله، وكان ذلك أبين في الحجة عليهم فلم يرد بثم لاقتضائها مهلة لم تقصد هنا، وبيان النظم الجليل الوارد في الآية بما تقدره تقريباً لإفهامنا أن كأن قد قيل لهم: يا محمد أرأيتم إن كان القرآن من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فكفرتم وآمن ذلك الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان فكيف تكون حالكم؟
واقتضى حكم هذا معنى الآية، ففي الكلام تقديم (وتأخير) اقتضاه جليل نظم الكتاب وعلى براعته، وإذا كان المعنى على تشريك ما تأخر في التركيب من قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أن كان من عند الله لم يكن ليصبح بين المنسوقين المحمول أحدهما على الآخر بما يقتضي الجمع من غير فتور ولا مهلة الفصل بثم لأنها منافرة لهذا الغرض، فورد هذا بالواو ليحرز ما قررناه من المعنى، ووردت الآية الأولى بثم لتحرز معناها أيضاً، وجاء كل على ما يجب ويناسب، ولا يمكن خلافه، والله أعلم.
****