الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الشورى
الآية الأولى
منها - قوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى: 49 - 50)، ثم قال تعالى:(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(الشورى: 51)، للسائل أن يسأل عن وجه الاختلاف فيما أعقبت به كل آية من هاتين الآيتين فقيل في الأولى:(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) وفي الثانية: (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) وهل كان يمكن عكس الواقع؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الآية الأولى لما تضمنت الإعلام بانفراده سبحانه بملك السماوات والأرض وقهره جميع (من) فيهن، وأنه الخالق لكل شيء فلا اختيار لمخلوق ولا مشيئة، وكل صادر منه إحسان، فيهب لمن يشاء إناثاً، وقدم ذكر الإناث لكراهة العرب إياهن، فأشار بتقديم ذكرهن إلى أن فلعهم وكراهتهم معارضة لما نفذت به مشيئته، ثم قال:(وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)، وجاء لفظ الذكور معرفاً ليشير بما تعطيه الألف واللام من العهدية إلى حالهم من الفضل ودرجة التقدم على الإناث، فكأنه في قوة أن لو قيل: الذين من أمرهم و (من) شأنهم، بتوازن تقديم الإناث وتعريف الذكور، فقدم ذكر الإناث لإرغام العرب، وعرف الذكرو لشرف المنزلة، ثم قال:(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) أي على التساوي عدداً، ثم قال:(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)، فجعل من هذا كله أن الفعل لا يشركه فيه غيره، يفعل في ذلك كله ما أراده. فلما تضمنت الآية قهر العباد وانفراده سبحانه بالخلق والأمر ناسبها الختام بقوله تعالى:(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أي عليم بوجه الحكمة في ذلك، قدير على ما يريده.
ولما قال في الآية بعد: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)(الشورى: 51) فأوضحت الآية عليّ كماله تعالى وتنزيهه عن سمات الحدوث وأن المخصوصين من البشر للسفارة والرسالة إنما خطابه سبحانه لهم بهذه الوجوه المفصحة بتنزيهه عن شبه خليقته، فلا يصلون إلى ما يتقرر عنهم
من خطابه تعالى إلا بأحد هذه الوجوه، وهي الوحي مناماً أو إلهاماً، وخلقاً في قلب النبي، وعن هذا الضرب عبر بالوحي، ومنه قول إبراهيم، عليه السلام، لابنه:(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)(الصافات: 102)، أو من وراء حجاب كتكليم موسى عليه السلام، أو إرساله سبحانه ملكاً من القربين لديه يوحي بإذنه ما يشاء كما كان جبريل، عليه السلام، وهو المعروف بهذه الخصيصة، والمعد من الملائكة للسفارة بينه سبحانه وبين رسله، يأتيهم بما يرسله تعالى به من القصص والأوامر والنواهي، فبهذه الطرق الثلاث وصول الرسل والأنبياء إلى ما عندهم من الله تعالى، وقد حصل من ذلك الإعلام بتنزيهه سبحانه وتعاليه عن التكيّيف، فناسب هذا ختام هذه الآية بقوله تعالى:(إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي عليّ عن مداناة البشر إلا باللطف والإحسان، حكيم في أفعالخ. فتبين وجه مناسبة هذا إتمام ما به ختم كما ناسب الختام قبله وهو قوله:(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) ما أعقب به، فوضح أن كل ختام منهما لا يلائم غير موضعه، وأنه لو ختمت هذه الأخيرة بما به ختمت الأولى والأولى بما به ختمت هذه لم يكن ليناسب هذه المناسبة الحاصلة، والله أعلم بما أراد.
****