الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله الذي رفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ما دامت الأرض والسماوات.
وبعد:
فإن علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأعظمها وأكثرها فائدة ونفعا، فهو العلم الذي جمع بين المعقول والمنقول، وكيف لا يكون أنفعها وهو الذي يضع القواعد والضوابط التي بها يستنبط الفقيه الأحكام، وبها يرتفع العالم من حضيض التقليد إلى علياء الاجتهاد، وقد اهتم علماؤنا المتقدمون بالأصول اهتماما بالغا فأكثروا من التأليف والتدوين فيه، وكانت لهم مدارسهم ومناهجهم المتنوعة، فتنوعت طرائقهم في التأليف.
وإن دراسة مناهج العلماء في تدوين أصول الفقه من أهم المواضيع الجديرة بالبحث والاهتمام لدى الدارسين لعلم أصول الفقه، ذلك أن مثل هذه الدراسات تعطي الباحث فكرة عن جهود علماء الأصول، مما يجعل عند الدارس خلفية عن الآراء الأصولية، فيوظفها في معرفة منشأ الخلاف الفقهي، وكذا في توجيه الآراء توجيهاً سليماً حسب قواعد أصول الفقه عند أصحاب المذاهب.
ولعل من أبرز العلماء الذين اهتموا بأصول الفقه في القرن الثامن الهجري الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، حيث كانت له عناية فائقة بتدوين أصول الفقه بشكل لافت للنظر لدى الدارسين لعلم الأصول.
فابن السبكي عالم كبير في مختلف العلوم الفنون، وذلك لكونه قد عاش في بيئةٍ علميةٍ رصينة أثرت في تحصيله العلمي بشكل يدعو إلى الإعجاب، حيث أولى علم الأصول اهتماماً خاصاً وأكبر دليل على ذلك أنه قد أكثر من التصنيف في علم الأصول، إذ ترك للمكتبة الإسلامية ثمانية كتب في الأصول ما بين مختصر وشرح وتقرير، فكان لزاماً على الدارسين والباحثين أن يتناولوا هذه المؤلفات بالدراسة والتمحيص، للكشف عن شخصية هذا العالم الفذ الذي ترك لنا كل هذه الآثار العلمية الرصينة وقد جاءت هذه الدراسة بهدف التعرف على الجوانب المهمة في حياة ابن السبكي العلمية وكيف أثرت هذه الجوانب في فكر ابن السبكي الأصولي لتبين حقيقة اللجهود التي بذلها التاج السبكي في علم الاصول وتبن المنهج الذي سار عليه في تأليفه لعلم الاصول وذلك من خلال دراسة كتبه في الأصول دراسة استقرائية شاملة من حيث:-
1 -
سبب تأليفها.
2 -
منهجه في تأليفها.
3 -
مصادره في التأليف.
4 -
أهمية هذا التأليف.
5 -
بعض النماذج المختارة التي تبين منهجه
إن ابن السبكي له أثر واضح في أصول الفقه من خلال عرضه لمسائله ومناقشته الآراء، والدارس له سيستفيد كثيراً في فهم وتصور مسائل هذا الفن وغاياته، خاصة وأن ابن السبكي له مجموعة من المؤلفات في أصول الفقه والتي عم نفعها الشرق والغرب فكان لزاماً علينا دراسة هذه المؤلفات وإبراز أهميتها ومنهجها للاستفادة منها في تطوير أصول الفقه والدراسات الأصولية الحديثة.
ولعل من أهم الاهداف التي نسعى ايها من خلال دراسة كتب التراث الضخم لعلماء أمتنا المجيدة، والذي نحن بأمس الحاجة إلى فهمه وتطويره، وبيان الأثر الإيجابي فيه، وإلا ستبقى الفجوة عميقة بين الدراسات الأصولية المعاصرة والدراسات الأصولية المتقدمة والقديمة، ونحن في هذا الوقت بأمس الحاجة إلى دراسات أصولية توسع المدارك وتفتح الأذهان، للوصول إلى عقلية اجتهادية لوضع حد للفوضى الفكرية التي تعيشها أمتنا، وللبحث عن حكم للمسائل العصرية المستجدة، التي لا يمكن الاجتهاد في معرفة أحكامها إلا إذا تمكنا من فهم علم الأصول، للوصول إلى نهضة حضارية شاملة أساسها وقوامها معتمداً على أصول الفقه.
هذا وليس الهدف من هذه الدراسة هو تناول آراء التاج السبكي بالنقد والتحليل بقدر ما هو محاولة إبراز حقيقة المنهج الذي سار عليه بغض النظر عن موافقته أو مخالفته لغيره، أو قوته وضعفه، ومن هنا فلم يكن لزاما علي عقد المقارنات بين التاج السبكي وبين غيره من العلماء ولا مناقشته للتاج في ما يذهب إليه.
وقد حاولت جهدي في هذه الرسالة أن أتناول الآراء بكل موضوعية، وأن لا تظهر العاطفة تجاه التاج السبكي أو عليه، بل تناولت الآراء بطريقتي الخاصة محاولا إيصال المعلومة بصورة علمية سليمة.
وبعد: فالله العظيم أسأل، أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به قارئه وسامعه، ويجعله في صحيفة أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإن أصبت فبفضل الله ورحمته، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، ورحم الله من صوب خطأي بالحسنى، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحمد ابراهيم الحسنات
عمان/ الأردن
17 ربيع الأول 1423هـ
الموافق 30 أيار 2002 م