الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الحياة العلمية
لا غرابة ولا عجب إذا ما قلت أنّ القرن الثامن الهجري أو بالأحرى عصر المماليك، كان من أزهى العصور علمياً وثقافياً بعد القرن الثالث الهجري؛ ذلك أنّ هذا العصر قد امتاز بكَثرَة العلماء الذين أنتجتهم الأمّة في ذلك الوقت، تاركين للأجيال القادمة تراثاً ضخماً في شتى فنون المعرفة.
ولم يكن سلاطين المماليك بمعزل عن هذا النشاط العلمي، فما كان لهذا النشاط الثقافي أن يزدهر لولا تشجيع المماليك للعلم وترحيبهم بالعلماء، لذا فقد أَكثَرَ المماليك من بناء المدارس
والجوامع والرُّبَط (1) والخانقاوات (2) لتكون قبلة للعلماء وطلاب العلم ينهلون منها العلم في شتى ميادين المعرفة (3).
ولعلَّ من أهم المدارس التي أنشئت في زمن المماليك وكان لها دور بارز في هذا التقدم العلمي المشهود:-
01 المدرسة الظاهرية (4): وهي المدرسة التي أنشأها السلطان الظاهر بيبرس سنة 662هـ، وفيها خِزانَةُ كُتُبٍ تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وكان يُدَرّس فيها الفقه الحنفي والشافعي والحديث والقراءات.
02 المدرسة المنصورية (5): أنشأها السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي (6)، ورتّبَ فيها درساً لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرساً للطّب، ودرساً للحديث وآخر للتفسير.
03 المدرسة الناصرية (7): ابتدأ بناءها العادل كتبغا (8)، وأتمها الناصر محمد بن قلاوون، وإليه نُسبت، فُرِغَ من بنائها سنة 703هـ، ورُتّب فيها درساً للمذاهب الأربعة.
04 المدرسة الحجازية (9): أنشأتها الست الجليلة خوندتتر الحجازية، بنت السلطان محمد بن قلاوون وزوجة بكتمر الحجازي وإليه تُنسب، وقد رَتَّبتْ فيها درساً للفقهاء المالكية وآخر للشافعية، وجعلت فيها خزانة لأمهات الكتب.
(1) جمع رباط وهو دار يسكنها أهل طريق الله من الصوفية. أنظر المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 302)
(2)
جمع خانقاه وهي كلمة فارسية معناها بيت وأصلها خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك وهي أماكن للصوفية للتخلي فيها لعبادة الله. المصدر السابق (4/ 280)
(3)
سعيد عاشور، المجتمع المصري ص 141، مصر في عصر دولة المماليك ص 185
(4)
المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 225)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 228)
(5)
المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 226)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229)
(6)
هو السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي كان ملك مهيبا حليما قليل سفك الدماء كثير العفو، توفي سنة 689هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 135)
(7)
المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 229)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229)
(8)
هو الأمير زين الدين كتبغا المنصوري، تسلم الملك مدة يسيرة ولقب بالعادل ثم خلع وتقلبت به الأحوال حتى أصبح نائب السلطنة في حماة، كان من أكابر الدولة وفيه شجاعة وخيرة وحسن خلق، توفي سنة 702هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 254)
(9)
المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 230)
05 مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد (1): شرع في إنشائها سنة 758هـ، وهي من أعظم المدارس في ذلك العصر بناءً، وأحسنها هنداماً، وفيها أربع مدارس للمذاهب الأربعة.
هذه أهم المدارس في ذلك الوقت، غير أنّه كانت هناك العديد من المدارس قد انتشرت في طول البلاد وعرضها، مثل: الخانقاه البيبرسية (2)، وخانقاه قوصون (3)، وخانقاه شيخو (4)، ومدرسة صرغتمش (5)
والمدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق (6)، والمدرسة القيمرية (7)، والمدرسة الناصرية الجوانية (8)، وغيرها الكثير.
هذا بالإضافة إلى المدارس التي كانت منتشرة من قبل إبان عهد الدولة الأيوبية، والتي اهتمت اهتماماً بالغاً بإنشاء المدارس (9).
وكان من نتاج هذه النهضة العلمية أن ظهر العديد من العلماء في مختلف العلوم والفنون، حيث كان لهم أثر بارز في مسيرة العلم ونشر الثقافة العربية والإسلامية، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال (10):
01 ابن الرفعة: الإمام شيخ الإسلام، نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة المتوفى سنة 710هـ إمام الشافعية في زمانه، قال عنه التاج السبكي:((أُقسم بالله يميناً بَرَّةً لو رآه الشافعي لَتَبَجّح بمكانه، وترجَّح عنده على أَقرانه، وترشّح لأن يكون في طبقة مَن عاصَرَه وكان في زمانه.)) (11)
(1) السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 332) والسلطان المذكور هو الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون الصالحي، كان ملكا عضيما عارفا شهما خبيرا بمصالح نفسه، طالت مدته واشتد بأسه، خلع من السلطنة وتوفي سنة 762هـ،، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 240)
(2)
من خوانق القاهرة، أنشأها بيبرس الجاشنكيري سنة 709هـ، انظر: السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229)
(3)
من خوانق القاهرة، انشئت عام 736هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 232)
(4)
من خوانق القاهرة، أنشأها الأمير سيف الدين شيخو سنة 757هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 230)
(5)
بناها الأمير سيف الدين صرغمتش سنة 757هـ ورتب فيها درسا للحديث وآخر للفقه الحنفي، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 231)
(6)
من مدارس دمشق، أنشأها الظاهر بيبرس وأتم بناءها السلطان سيف الدين قلاوون وهي اليوم مقر دار الكتب الوطنية بدمشق كما أفاده محقق كتاب الدارس، انظر: النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 348)
(7)
من مدارس دمشق، أنشئت سنة 665هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 351)
(8)
من مدارس دمشق بناها الملك الناصر بن صلاح الدين 653هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 241)
(9)
السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 224)، ومن هذه المدارس: المدرسة الصلاحية والمدرسة الكاملية والمدرسة الصالحية وغيرها
(10)
أضف إلى هؤلاء العلماء أسرة التاج السبكي وشيوخه وتلامذته؛ إذ كلهم علماء أفذاذ ونجباء، والذين آثرت ذكرهم في الموضع اللائق بهم هناك فانظره.
(11)
التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 25)
من مصنفاته: ((المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي))، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه))، كتاب في هدم الكنائس سماه ((النفائس في هدم الكنائس)) وغيرها (1).
02 ابن الزملكاني: الإمام العلامة المناظر محمد بن علي بن عبد الواحد كمال الدين بن الزملكاني، شيخ الشافعية في زمانه، انتهت إليه رياسة المذهب تدريساً وإفتاء، ذَكَره الذهبي في المعجم المختص وقال: ((شيخنا قاضي القضاة عَلَمُ العصر
…
كان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء أهل زمانه، دَرَّس
…
وأفتى وتَخَرّج به الأصحاب.)) (2)
له تصانيف نافعة كثيرة، منها:((شرح منهاج النووي))، ((كتاب في تفضيل البشر على المَلَك))، كتاب في ((الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة))، وغيرها، توفي رحمة الله سنة 727هـ (3)
03 ابن تيمية: الإمام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، العلامة الحنبلي المعروف، ذَكَره الذهبي في معجمه وقال عنه:((برع في علوم الآثار والسنن ودرّس وأفتى وصنّف التصانيف البديعة، وانفرد بمسائل فَنِيلَ من عرضه لأجلها، وهو بشر له ذنوب وخطأ، ومع هذا فوالله ما قلّت عيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه ولا رأى.)) اهـ (4)
وقال ابن كثير في حقه: ((وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء ممن يخطئ ويصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة من بحر لُجِّي.)) (5)
من مصنفاته: ((الفتاوى))، ((الصارم المسلول على شاتم الرسول))، ((اقتضاء الصراط
…
المستقيم)) وغيرها، توفي رحمه الله بدمشق سنة 728هـ (6).
04 الإسنوي: الإمام الفهّامة الأصولي الناقد جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر الإسنوي، شيخ الشافعية في زمانه وفقيههم، وأَكثَرُ أهل زمانه اطلاعاً على كتب المذهب، قال عنه ابن شهبة:((أَكثَرُ علماء الديار المصرية طَلَبتُه، وكان حَسَن الشكل، حَسَن التصنيف، ليِّنَ الجانب، كثيرَ الإحسان إلى طلبته، ملازماً للإفادة والتصنيف.)) (7)
له المصنفات النافعة المفيدة منها: ((شرح منهاج الوصول للبيضاوي))، ((التنقيح على
…
التصحيح))، ((المهمات))، ((التمهيد))، وغيرها، توفي رحمه الله تعالى سنة 772هـ (8).
(1) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 471)، الإسنوي، طبقات الشافعية (1/ 601)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 273)
(2)
الذهبي، المعجم المختص ص 165 - 166
(3)
انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 548)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 190)
(4)
الذهبي، المعجم المختص ص 26
(5)
ابن كثير، البداية والنهابة (14/ 557)
(6)
انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 552 – 557)، الذهبي، المعجم المختص ص 25 - 26
(7)
ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 134)
(8)
انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 132 – 135)، ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص 236