الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: النقل الصريح عن المصدر الأصلي:
أول هذه الأساليب التي اتبعها العلماء عامة ومن بينهم التاج السبكي هو النقل عن المصادر الأصلية في ذلك، وذلك حيثما توفَّر المصدر، أو النقل عن العلماء مباشرة بطريق الرواية والمشافهة، وعلى كلٍّ فإنّ هذا النقل قد يكون بالنص بمعنى أن تُنْقلَ العبارة بحرفيتها دون تصرُّف فيها، وإما أن يكون بالمعنى وذلك بالتصرُّف فيها بالزيادة والنقصان حسبَ ما تقتضيه طبيعة الشرح، ويمكن معرفة ذلك من خلال مراجعة المصادر التي نصَّ عليها ومقارنتها بالمنقول عنها، وكذا إذا عبرَّ التاج السبكي بعبارة بنصِّه، أو هذا نصُّه، أو انتهى بنصِّه؛ فإنَّ ذلك يُعين على معرفة كيفية النقل، وقد اتبع التاج السبكي ذلك كله، ومن الشواهد الدالة على ذلك: -
1 -
قوله في نُصْرة القول بعدمِ وقوع المعرب في القرآن الكريم ناقلاً لقول الشافعي رضي الله عنه في ذلك حيث قال: ((ونصَّ عليه الشافعيُّ في ((الرسالة)) في باب البيان الخامس فقال ما نصُّه: ((وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أولى وأقرب إلى السلامة، فقال منهم قائل: إنّ في القرآن عربياً وأعجميا، والقرآنُ يدلُّ على أنّه ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، ووجدنا قائل هذا القول، ومَنْ قَبِلَ ذلك منه تقليداً له، وتركاً للمسألة له عن حجَّته ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم (1)))، هذا نصُّه)) (2)
وقد راجعت هذا النص في ((الرسالة)) للإمام الشافعي فوجدته في نفس الموضع الذي ذكره التاج، ووجدت النقلَ كما نصَّ عليه التاج السبكي إلا في عدد يسير من الكلمات وهي:
••مكان قوله وأقرب إلى السلامة قوله وأقرب من السلامة له إن شاء الله بتغيير إلى إلى من وإضافة له إن شاء الله.
••مكان وقد وجدنا قائل هذا القول ومَنْ قَبِلَ قوله ووجد
…
مَنْ قَبِلَ، وذلك بصيغة الإفراد في وجدنا وحذف الواو في ومن.
ولم أجد أيَّ تغيير آخر في العبارات أبدا، وهذا يدلُّنا على أمانة التاج السبكي ودقته في النقل، وأما التغييرات اليسيرة فالذي أكاد أجزم به أن ذلك من اختلاف النُّسَخ المختلفة باختلاف النساخ ولا يضيرُ ذلك هنا أبدا.
2 -
وقوله نقلا عن الآمدي في حكم منكر الإجماع قال: ((فقال [أي الآمدي]: ((اختلفوا في تكفير جاحد الحكم المجمع عليه، فأثبته بعض الفقهاء، وأنكره الباقون، مع اتفاقهم على أن إنكار حكم الإجماع الظني غير موجب للتكفير.
والمختار [عند الآمدي] إنما هو التفصيل، وهو أن اعتقاد الإجماع إما أنّ يكون داخلا في مفهوم اسم الإسلام كالعبادات الخمس ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة، أو لا يكون كذلك، كالحكم بحل البيع وصحة الإجارة ونحوه، فإن كان الأول؛ فجاحده كافر، لمزايلة حقيقة الإسلام له، وإن كان الثاني فلا)) (3) انتهى.)) (4)
وعند رجوعي إلى ((الإحكام)) وجدتُ هذا النص بحرفيته اللهم إلا بعض التغييرات اليسيرة التي هي من قبيل اختلاف النسخ والنساخ، وهذه التغييرات تنحصر في أمرين:
(1) الشافعي، الرسالة ص 41 - 42، الفقرات 132 - 136
(2)
التاج السبكي، الإبهاج (1/ 281)
(3)
الآمدي، الإحكام (1/ 239)
(4)
التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 274)
••الأول: بدل قوله غير موجب للتكفير قال الآمدي غير موجب كفرا فجعل التاج للتكفير مكان كفرا.
••الثاني: بدل قوله اعتقاد الإجماع قال الآمدي حكم الإجماع فجعل التاج اعتقاد مكان حكم.
وهو كما قلت بسبب اختلاف النسخ وليس تصرُّفا من التاج نفسه والله تعالى أعلم.
3 -
وقوله في بيان معنى المعلوم في حد القياس في كتابه ((منع الموانع)) ناقلا تفسير الإمام في ذلك حيث قال: ((قال الإمام في ((المحصول)) (1): ((أما المعلوم فليس نعني به مطلق تعلق العلم
فقط، بل متعلق الاعتقاد والظن)).)) (2)
وعند مراجعة ذلك في ((المحصول)) وجدته كما ذكره التاج السبكي إلا في أمرين:
••الأول: نقل التاج السبكي قوله فليس وفي ((المحصول)) فلسنا.
••الثاني: نقل التاج السبكي قوله تعلق وفي ((المحصول)) متعلق.
وهذه كما ترى تغييرات طفيفة لا تخل بالمعنى مما يؤكد أنها من اختلاف النساخ.
ومثل هذه النقول التي ذكرتها هي التي أكثر منها التاج السبكي في كتاباته، وفي بعض الأحيان كان يتصرف بالنقل بحيث أنه لا ينقل عين العبارة، وإنما ينقل معناها والمقصود منها فقط.
ومن ذلك:-
1 -
قوله في مسألة تقديم القول على الفعل في البيان قال: ((وقال أبو الحسين المتقدم هو البيان)) (3) ففي هذا النص نقل لنا التاج السبكي المقصود فقط من عبارة أبي الحسين ولم ينقل كل العبارة كما هي عند أبي الحسين.
وبالرجوع إلى ((المعتمد)) تجد أن العبارة الكاملة تعطي معنى ما قاله التاج السبكي تماما
…
وهي: ((فيكون المتقدم هو الذي قصد به البيان المبتدأ.)) (4)
2 -
وقوله في معنى كون الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري ناقلا ذلك عن الغزالي حيث قال:
…
((وقال الغزالي: إنه ضروري بمعنى أنه لا يُحتاجُ في حصوله إلى التصوُّر بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أن الواسطة حاضرة في الذهن، وليس ضروريا بمعنى أنه حاصل من غير واسطة.)) (5)
هذا ما نقله التاج السبكي عن الغزالي، وعند الرجوع إلى ((المستصفى)) لم أجد هذا القول بحرفيته، بل وجدت كلاما طويلا مفاده ما ذكره التاج السبكي حيث قال الغزالي: ((وتحقيق القول فيه أن الضروري إن كان عبارة عما يحصل بغير واسطة كقولنا القديم لا يكون محدثا والموجود لا يكون معدوما، فهذا ليس بضروري فإنه حصل بواسطة المقدمتين المذكورتين، وإن كان عبارة عما يحصل بدون تشكل الواسطة في الذهن فهذا ضروري، ورب واسطة حاضرة في الذهن لا يشعر الإنسان بوجه توسُّطها
…
)) (6)
3 -
قوله في قوادح العلة في النقض من كتابه ((جمع الجوامع)) ناقلا قول الآمدي حيث قال: ((وقال الآمدي: إن كان التخلف لمانع أو فقد شرط أو في معرض الاستثناء أو كانت منصوصة بما لا يقبل التأويل لم يقدح.)) (7)
(1) الرازي، المحصول (5/ 12)
(2)
التاج السبكي، منع الموانع ص 210
(3)
التاج السبكي، الإبهاج (2/ 214)
(4)
أبو الحسين البصري، المعتمد (1/ 312)
(5)
التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 299)
(6)
الغزالي، المستصفى (1/ 133 – 134)
(7)
التاج السبكي، جمع الجوامع ص 177