الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
مؤلفاته في أصول الفقه
لقد اهتمّ تاج الدين السبكي بعلم الأصول اهتماماً بالغاً؛ لذلك فقد تنوّعت أشكال تصنيفه فيه، فوُجدت له مجموعةٌ من المصنّفات الأصولية منها ما هو شَرْحٌ وتقريرٌ لكلام السّابقين، حيث تجلّى ذلك بوضوح في تَصدِّيه لشَرْح أهم متْنين في أصول المتكلمين هما:((منهاج الوصول)) للقاضي البيضاوي، و ((مختصر المنتهى)) لابن الحاجب.
كما أنّه وضعَ لنفسه مَتْناً خاصّاً في علم الأصول أَوْدعَ فيه زُبدة ما في شرحَيه وخُلاصة فِكْره ونَظَره وأسماه: ((جمع الجوامع)) ومن ثمّ وضع عليه مصنفاً ردّ فيه ما وُجّه إليه من اعتراضات وانتقادات ووسمه بـ: ((منع الموانع عن جمع الجوامع)).
وسأعرض في هذا الفصل لهذه المصنفات مبيّناً أهميتها ومصادر كل مصّنف منها.
المبحث الأول
الإبهاج في شرح المنهاج
((الإبهاج في شرح المنهاج)) هو أقدم المصنفات الأصولية للتاج السبكي، وقد وَضعه التاجُ أيامَ شبابه وهو في حدود الخامسة والعشرين من العمر، وكان والده الشيخ تقي الدين قد ابتدأ هذا الشرح لما وَجد ولده أبا حامد بهاء الدين قد شَرعَ في قراءة ((منهاج البيضاوي))، فأحبّ أن يَضع له شرحاً لينتفع به ولده وغيره من المشتغلين بأصول الفقه، وقد أخذ تسميته من قول الشاعر ذي الرِّمَّة (1):
تَزدادُ للعَيْنِ إبهاجاً إذا سَفَرتْ
…
ومَخْدَجُ العَين فيها يَلْتَفِتُ (2)
ووَجْهُ تسميته بذلك أنّه شبّه ((المنهاج)) بالحسناء إذا رفعت النقّاب عن وجهها، فإنّها تَزدادُ جمالاً ورونقاً وتَبْهرُ العيونَ بها، فكذلك ((المنهاج)) فإن حلّ ألفاظه وغوامضه يزيد الناظر فيه نفعاً ومعرفة.
وقد شرع الشيخُ تقي الدين في شرح ((المنهاج)) من بدايته حتى وصل إلى قول البيضاوي: ((المسألة الرابعة: وجوب الشيء مطلقاً يوجب وجوب ما لا يتمُّ إلا به وكان مقدوراً))، فوضع عليه قِطعةً من الشرح ثمّ أعرض عنه صَفْحاً (3)؛ فشرع التاج السبكي في وضع شرح عليه يتمم ما بدأه والده فبدأ بشرحه من مقدمة الواجب حيث انتهى والده حتى أتمّه كله في حياة والده وذلك سنة 752 هـ (4)، في حين توفي والده سنة 756 هـ.
ومن هنا يُعلَمُ خطأُ من ظنّ أنّ الشيخَ تقي الدين لم يُتمّ شرح ((المنهاج)) بسبب الوفاة، كصاحب كتاب البيضاوي وأثره في أصول الفقه، حيث ذكر أنّ التَّقي السبكي قد عاجلته المنيّة قبل إتمام الشرح وهذا خلاف ما صرّح به التاج السبكي نفسه وما دوّنه من تاريخ الانتهاء من تصنيفه، وأزيد على ذلك أنّ الكاتب المذكور قد ناقض نفسه حيث ذكر أنّ التاج انتهى من تصنيفه سنة 752 هـ، وذكر وفاة والده سنة 756 هـ (5).
هذا وقد امتاز شرح الشيخ تقي الدين بالإسهاب والتطويل في كثير من المباحث، كما امتاز بدقة العبارة والتدقيق في كثير من المباحث الكلامية مما جعل هذا الشرح صعباً ومغلقاً على كثير من طلبة العلم.
(1) هو أبو الحارث غيلان بن عقبة بن مسعود، الشاعر المعروف بذي الرمة، أحد فحولة الشعراء وأحد عشاق العرب المعروفين بذلك، توفي سنة 117هـ، وله ديوان شعر مطبوع. انظر ترجمته في: ابن خلكان، وفيات الأعيان (2/ 246 - 248)، ابن قتيبة، الشعر والشعراء ص 326
(2)
تقي الدين السبكي، الإبهاج (1/ 6)
(3)
صرّح التاج السبكي بذلك في مقدمته على الإبهاج (1/ 107)، وكذا في الطبقات في ترجمة والده (10/ 307)
(4)
التاج السبكي، الإبهاج (3/ 275)
(5)
انظر: جلال الدين عبد الرحمن، القاضي ناصر الدين البيضاوي وأثره في أصول الفقه ص 345