المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الحياة السياسية - منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه

[أحمد إبراهيم حسن الحسنات]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولتاج الدين السبكيحياته - علومه - مؤلفاته

- ‌المبحث الأولعصر الإمام تاج الدين السبكي

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية

- ‌موقف التاج السبكي من الوضع السياسي

- ‌المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية

- ‌موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره:

- ‌المطلب الثالث: الحياة العلمية

- ‌المبحث الثانياسمه، نسبه، أسرته

- ‌المطلب الأول: ذِكْر مصادر ترجمته:

- ‌المطلب الثاني: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثالث: مولده:

- ‌المطلب الرابع: أسرته

- ‌والده:

- ‌إخوته:

- ‌شقيقاته:

- ‌المبحث الثالثنشأته وطلبه للعلم

- ‌المطلب الأول: شيوخه

- ‌المطلب الثاني: تلاميذه

- ‌المبحث الرابععلومه

- ‌المبحث الخامسآثاره ومصنفاته

- ‌أولاً: مصنفاته في الحديث الشريف وعددها تسعة مصنفات [9]

- ‌ثانياً: مصنفاته في العقائد وعلم الكلام، وعددها أربعة [4]:

- ‌ثالثاً: مصنفاته في أصول الفقه وعددها ثمانية مصنفات [8]:

- ‌رابعاً: مصنفاته في الأشباه والنظائر وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌خامساً: مصنفاته في الفقه، وعددها أحد عشر مصنفاً [11]:

- ‌سادساً: مصنفاته في التاريخ والتراجم، وعددها ستة مصنفات [6]:

- ‌سابعاً: مصنفات في أمور مختلفة وعددها ثلاثة عشر مصنفا [13]

- ‌ثامناً: كتب نسبت للتاج السبكي خطأً وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌المبحث السادسمكانته العلمية والمناصب التي تولاها

- ‌أولاً المناصب التعليمية:

- ‌ثانياً المناصب الإدارية والقضائية:

- ‌محنته التي واجهها في القضاء:

- ‌أسباب هذه المحنة:

- ‌المبحث السابععقيدته وتصوفه

- ‌دفاعه عن أئمة الأشاعرة:

- ‌تصوفه وموقفه من الصوفية:

- ‌المبحث الثامنمظاهر من شخصيته

- ‌1 - قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌2 - احترامه لأهل العلم:

- ‌3 - اتباعه للحق وإنصافه لخصومه:

- ‌4 - نبذه للتعصب المذهبي:

- ‌5 - اعتداده بنفسه وبمؤلفاته:

- ‌6 - صبره وتحمله الأذى:

- ‌المبحث التاسعوفاته

- ‌الفصل الثانيمؤلفاته في أصول الفقه

- ‌المبحث الأولالإبهاج في شرح المنهاج

- ‌المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمنهاج ومميزاته

- ‌ملاحظات على ((الإبهاج))

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج))

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج

- ‌كلمة أخيرة

- ‌المبحث الثانيرفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

- ‌المطلب الأول: التعريف ((بمختصر ابن الحاجب)):

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمختصر ومميزاته:

- ‌مميزات رفع الحاجب:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في شرح المختصر

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية:

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية:

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية:

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح التاج السبكي لمختصر ابن الحاجب وشرح العضد الإيجي:

- ‌المبحث الثالثجمع الجوامع

- ‌سبب تسميته:

- ‌المطلب الأول: مناقشة الفكرة القائلة بأنّ ((جمع الجوامع)) من الكتب التي جمعت بين طريقتي الحنفية والمتكلمين:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((جمع الجوامع)) ومميزاته:

- ‌مميزات ((جمع الجوامع)):

- ‌مناقشة درّاز والخضري في دعواهما:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الرابع: المصنفات التي وضعت على ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: شروح ((جمع الجوامع)) وحواشيه:

- ‌ثانياً: المصنفات التي وضعت على بعض مباحث أو مسائل ((جمع الجوامع)):

- ‌ثالثاً: الحواشي والتقريرات الموضوعة على بعض شروح ((جمع الجوامع)):

- ‌رابعاً: مختصرات ((جمع الجوامع)):

- ‌خامساً: منظومات ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الخامس: مقارنة بين جمع الجوامع ومتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة:

- ‌المبحث الرابعمنع الموانع عن جمع الجوامع

- ‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌ترتيب الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((منع الموانع)) و‌‌مميزاته:

- ‌مميزاته:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((منع الموانع)):

- ‌الفصل الثالثمنهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي

- ‌المبحث الأولمنهجه في إيراد التعاريف

- ‌المحور الأول: إيراده التعاريف في شرحيه ((الإبهاج ورفع الحاجب)):

- ‌أولاً: إيراده للتعاريف اللغوية لبيان وجه المناسبة بينها وبين التعاريف الاصطلاحية:

- ‌ثانياً: إيراده لتعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لظهورها:

- ‌ثالثاً: بيانه لتعاريف المتن دون زيادة عليها سوى توضيح المراد منها مع بيان محترزات بعض قيودها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى التطور التاريخي للتعاريف:

- ‌خامساً: ذكره لتعاريف لم يذكرها الماتن:

- ‌سادساً: مناقشته للتعاريف:

- ‌المحور الثاني: منهجه في إيراد التعاريف في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: تعريف الشيء بذكر حده المنطقي:

- ‌ثانياً: التعريف عن طريق إيراد التقسيمات:

- ‌ثالثاً: تعريف الشيء عن طريق تعريف ما يقابله:

- ‌رابعاً: بدء المسألة بذكر التعريف وبناء المسألة على التعريف:

- ‌المبحث الثانيمنهجه في تحرير محل النزاع

- ‌أولاً: تحرير محل النزاع بنقله عن غيره من العلماء الذين حرروه سابقا:

- ‌ثانياً: تحرير محل النزاع أول المسألة:

- ‌ثالثاً: تحرير محل النزاع في نهاية المسألة:

- ‌المبحث الثالثمنهجه في عرض الأقوال

- ‌المحور الأول: منهجه في شروح ((المنهاج)) و (المختصر)):

- ‌أولاً: التصريح بأصحاب الأقوال التي وردت في المتن مطلقة:

- ‌ثانياً: التنبيه على التطور التاريخي للآراء والأقوال:

- ‌ثالثاً: الدقة في نسبة الآراء والأقوال:

- ‌المحور الثاني: منهجه في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: أنه غالبا ما يبدأ المسألة بذكر الرأي الراجح لديه إن لم يصرح بخلافه:

- ‌ثانياً: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه:

- ‌ثالثاً: ترتيب أصحاب الأقوال - حيث صرَّح بهم - حسب الأقدمية لبيان التطور التاريخي لها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى وجود الخلاف، وإلى ضعف بعض الأقوال:

- ‌خامساً: اختزال الأقوال:

- ‌سادساً: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة:

- ‌المبحث الرابعمنهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين

- ‌المحور الأول: منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌أولاً: الإشارة إلى وجود مناقشة أو اعتراض على القول أو الدليل المذكورين:

- ‌ثانياً: ذكر ردود ومناقشات منقولة عن غيره:

- ‌ثالثاً: بيان ردوده رأسا:

- ‌رابعاً: إيراده للأسئلة المقدرة والمفترضة والإجابة عليها:

- ‌خامساً: ذكره لمباحثات لا زالت في محل البحث:

- ‌سادساً: ردُّ دعاوى الإجماع والاتفاق:

- ‌سابعاً: التنبيه على خطأ أو وهم وقع فيه السابقون:

- ‌ثامناً: تنوع أساليب المناقشات والردود:

- ‌المحور الثاني: منهجه في المناقشات والردود في ((منع الموانع)):

- ‌أولاً: إذا كان الإيراد يحتاج إلى رد غير مذكور في مصنَّفاته الأخرى فإنه يرده بتوسع:

- ‌ثانياً: إذا كان الإيراد قد تعرض له في مصنفاته الأخرى فإنه يرده إجمالا ويحيل القارئ إلى مصنفه الذي بينه فيه بتوسع:

- ‌ثالثاً: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه:

- ‌المبحث الخامسمنهجه في النقل عن غيره من العلماء

- ‌أولاً: النقل الصريح عن المصدر الأصلي:

- ‌ثانياً: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]:

- ‌ثالثاً: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن:

- ‌المبحث السادسذكر الأدلة والشواهد

- ‌أولاً: ذكر الأدلة والشواهد من القرآن ثم السنة ثم كلام العرب في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌ثانياً: ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع)):

- ‌المبحث السابعمنهجه في ذكر الفروع الفقهية

- ‌المبحث الثامنمنهجه في تخريج الأحاديث

- ‌أولاً: من الشواهد الدالة على اكتفائه بنسبة الحديث إلى مخرجيه:

- ‌ثانياً: من الشواهد الدالة على كلامه على الأحاديث صحة وضعفا:

- ‌ثالثاً: من الشواهد الدالة على كلامه على رجال بعض الأحاديث:

- ‌المبحث التاسعمنهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم

- ‌أولاً: الإمام الشافعي:

- ‌1 - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه

- ‌3 - الدفاع عن الإمام الشافعي وتأويلُ كلامه وحمله على محمل حسن:

- ‌ثانياً: إمام الحرمين الجويني:

- ‌1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين:

- ‌3 - تأويل كلامه وحمله على محمل حسن والاعتذار له عن بعض الأخطاء:

- ‌4 - الدفاع عنه ورد كل ما يوجه إليه من انتقادات:

- ‌5 - في ردوده على إمام الحرمين يأتي بعبارات لطيفة لا قَسوة فيها:

- ‌ثالثاً: الإمام الرازي:

- ‌رابعاً: والده الشيخ تقي الدين السبكي:

- ‌1 - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها

- ‌3 - ذكره لآراء والده لتقوية آراء الآخرين بها

- ‌4 - مناقشته لوالده في بعض القضايا واختيار ما يخالفه:

- ‌المبحث العاشرتكاملية مصنفاته

- ‌الخاتمة

- ‌ملحق رقم (1)أهم اصطلاحات التاج السبكي في كتاباته

- ‌ملحق رقم (2)المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب ((الإمام)) وأراد به إمام الحرمين الجويني

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: الحياة السياسية

الفصل الأول

تاج الدين السبكي

حياته - علومه - مؤلفاته

سأتناول في هذا الفصل حياة تاج الدين السبكي منذ ولادته وحتى وفاته، مستعرضا نشأته

وحياته العلمية، حتى يتبين للقارئ الجوانب الفكرية والشخصية التي أثرت في تكوين شخصية التاج السبكي العلمية ومدى ارتباطها بسلوكه وإنتاجه العلمي، وحتى يتيسر لي ذلك لا بد أولا من إعطاء فكر ة عامة عن العصر الذي عاش فيه التاج السبكي ومعرفة مدى تأثره أو تأثيره به.

‌المبحث الأول

عصر الإمام تاج الدين السبكي

تُعدُّ الفترة التي عاش فيها التاج السبكي من أهم مراحل الدولة المملوكية الأولى المسماة ((بالبحرية))، ذلك أنّ التاج قد عاش في الفترة الواقعة ما بين عامي 727هـ و 771هـ، لذا فلا بد أنّ نعطي صورة موجزة توضح لنا ماهية الوضع السياسي والعلمي والاجتماعي في مصر والشام في تلك الفترة، والتي تمثّل في مجملها القرن الثامن الهجري.

‌المطلب الأول: الحياة السياسية

تمكّن المماليك - بعد سلسلة من المؤامرات التي كانوا يُحِيكُونها ويُدبِّرونها للسلاطين -

من استلام السلطنة في مصر، وذلك بعد مقتل السلطان تورانشاه (1) آخر ملوك بني أيوب سنة 648هـ (2)،

وكانت بذلك بداية العهد المملوكي الذي استمر نحو قرنين من الزمان (3).

ولم يكن عهد المماليك بأفضلَ حال من سابقه؛ ذلك أنّ هذا العهد كان يواجهه عدداً من المخاطر على الساحة الخارجية، فالخطر الصليبي ما زال يتهدد العالم الإسلامي، وذلك لوجود بعض القلاع والإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام؛ مما استدعى المماليك أن يأخذوا على عاتقهم عبء استرجاع وتحرير ما تبقى من هذه الإمارات استمراراً لجهود السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة 589هـ إثر هزيمته للصليبيين في موقعة حطين الشهيرة سنة 583هـ.

(1) هو السلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك بني أيوب في مصر، توفي مقتولا على يد أمراء المماليك سنة 648هـ. انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (6/ 322)

(2)

ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 210)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 648هـ ص388 - 390

(3)

استمر حكم المماليك لمصر والشام منذ عام 648هـ وحتى عام 923هـ، حكم فيها المماليك البحرية من عام 648هـ وحتى عام 784هـ، في حين حكم الجراكسة من عام 784هـ وحتى عام 923هـ. انظر محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 35، 69)، طقوش، محمد سهيل، تاريخ المماليك في مصر والشام ص 35، 341

ص: 7

بالإضافة إلى الخطر الصليبي المتجذر، كان قد ظهر على الساحة خطر لا يقل خطورة - بل هو أشد خطراً - من الخطر الصليبي، ألا وهو غزو المغول لبلاد الإسلام، إذ بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد هولاكو عام 656هـ (1)، وزَحْف المغول باتجاه بلاد الشام واحتلالهم لدمشق عام 658هـ (2)، ومن ثَمَّ محاولة الزحف باتجاه مصر، حيث كان المماليك قد تنبّهوا لذلك، وخرجوا بجيوشهم لملاقاة المغول في موقعة عين جالوت سنة 658هـ (3)، بقيادة السلطان المملوكي المظفر قطز (4)، حيث حقق الله تعالى النصرَ على يديه، وبذلك استطاع المماليك من وقف الزحف المغولي، ومن ثَمَّ بدأوا باسترجاع المدن والإمارات الإسلامية من بين أيديهم حتى تمَّ تحرير سائر بلاد الشام من أيدي المغول (5) في عهد السلطان الظاهر بيبرس (6).

وبعد ذلك التاريخ دانت بلاد الشام كلها لحكم المماليك، ومنذ ذلك الوقت ارتبط تاريخ الشام بتاريخ مصر، بحيث لا يمكن دراسة تاريخ الشام بمعزل عن تاريخ مصر؛ وذلك لقوّة الالتحام بين مصرَ والشام في هذا العصر في مختلف مظاهر الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية

والثقافية، وإنَّ ما يحدث في مصرَ من حالات ضعف وقوَّة كانت بدورها تَنْعكِس على الشام إيجاباً أو سلباً.

(1) ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 235)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 656هـ ص 39

(2)

ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 256)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 658هـ ص 51

(3)

ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 258)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 658هـ ص 60 - 61

(4)

هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، صاحب موقعة عين جالوت الشهيرة التي رد فيها التتار، مات مقتولا سنة 658هـ، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (7/ 67)

(5)

ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 261)

(6)

هو السلطان الملك ركن الدين أبو الفتوح الظاهر بيبرس بن عبد الله البندقداري، كان ملكا شجاعا مقداما غازيا، مات مقتولا بالسم سنة 676هـ. النجوم الزاهرة (7/ 158)

ص: 8

وأما بالنسبة للخطر الصليبي، فقد استمرت المناوشات بين المماليك والصليبيين وظلَّ المماليك يحقِّقون الانتصار تِلْوَ الانتصار، حتى كان تحقيق أعظمَ انتصار وأهمَّه وذلك بفتح عكا سنة 690هـ (1) في عهد السلطان الأشرف بن قلاوون (2)، وقد كانت تلك الضربة القاضية للصليبيين، إذ لم يَقُم لهم بعد ذلك قائمة، فما تَبقَّى لهم من مدن لم تَلْبَث أن شاركت عكا في مصيرها؛ وبذلك استطاع المماليك إنهاء التواجد الصليبي مُنهِيةً بذلك عهد الصليبيين في الشام (3).

غير أنّ الصليبيين قد أعادوا الكرَّة، وذلك في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري وأغاروا على الإسكندرية واحتلوها سنة 767هـ (4)، ويصف لنا المؤرخ ابن كثير هذه الموقعة بقوله:((وذلك أنّهم [الفرنج] وصلوا إليها [الإسكندرية]. . . فلم يجدوا بها نائباً ولا جيشاً ولا حافظاً للبحر ولا ناصراً، فدخلوها يوم الجمعة بُكْرة النهار بعد ما حرقوا أبواباً كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فساداً، يقتّلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال)) (5).

واستمرَّ الفرنج ينهبون الإسكندرية حتى وصل السلطان والجيش المصري إليها فهرب الفرنج منها آخذين معهم كثيراً من الأموال والخيرات والأسرى (6).

هكذا كان حال الدولة المملوكية في الخارج، دولة قوية مَنِيعَة مُهابَة الجانب استطاعت وَقْف الزحف المغولي، وإخراج بقايا فُلول الصليبيين من بلاد الشام.

أما في الداخل، فقد كان تاريخ المماليك متقلبا كثير الفوضى والاضطراب، حيث كانت الفتن

والاضطرابات والصراع على السلطة هو المِيزة الرئيسة لعهد المماليك.

(1) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 690هـ ص 46، ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 369)

(2)

هو السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، كان ملكا مهيبا عالي الهمة تام الشكل كامل الحسن وافر الكرم، توفي مقتولا سنة 693هـ. انظر: ابن حبيب، تذكرة النبيه (1/ 167)

(3)

الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 690هـ ص 50 - 51، ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 369)، ابن حبيب، تذكرة النبيه في أيام المنصور

وبنيه (1/ 137)، ابن العماد، شذرات الذهب (6/ 76)

(4)

ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 745)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 288)

(5)

البداية والنهاية (13/ 745)

(6)

انظر تفاصيل هذه الحملة وما جرى في تلك الحقبة في: ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 745)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 288)، ابن القاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 270)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 147)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (11/ 24)، ابن إياس، بدائع الزهور (1/ 23)

ص: 9

لقد كان عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (1) في ولايته الثالثة 709 - 741هـ (2) هو آخر عهد بالاستقرار السياسي في دولة المماليك، فبعد وفاته تولى السلطنة ثمانيةٌ من أولاده في السنوات 741هـ - 762هـ، ومن ثَمَّ في العشرين سنة التالية 762 - 784هـ، تولى السلطنة أربعةٌ من أحفاده (3)، ومعلوم أنّ هذا العدد من السلاطين دليل على عدم الاستقرار السياسي.

وقد مرّ على هذه الفترة العديدُ من الأحداث الداخلية، إذ تقلَّد حكم مصرَ سلاطين

أطفال (4)، لم يبلغوا سن الاحتلام، كانوا يُوَلَّون ويُعْزَلون طبقاً لأهواء أمراء المماليك الذين كان لهم النفوذ الأقوى في ذلك الوقت.

وخير ما يصوِّر ذلك الوضع ما قاله أحد شعراء ذلك العصر (5):

سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في

خُلْف بينهُم والشيطانُ قد نَزَغا

فكيفَ يَطمَعُ من في نفسْهِ مَظْلمة

أن يَبْلُغَ في السّؤْلِ والسلطانُ ما بَلَغا؟!

ولم يكن للسلاطين في ذلك الوقت إلا مجرَّد الاسم فقط، وليس لهم من الأمر شيء؛ ذلك لصغر سِنِّهم، وضعف حيلتهم، فكان السلطان آلة في السلطنة والمتصرّف الحقيقي فيها هم الأمراء (6).

وهكذا ظل حال هؤلاء السلاطين أُلعوبة في أيدي الأمراء، وإذا ما حاول أحدهم التَمرّدَ عليهم أو التخلص من نفوذهم كانوا لا يتوَرّعون عن عزله وقتله أحياناً، فقد قُتِل أربعةٌ من السلاطين أبناء قلاوون على أيدي أمراء مماليكهم (7).

وأما بقية السلاطين فقلّما تجد واحداً منهم ترك الحكم بنتيجة طبيعية كالوفاة مثلاً، بل كانوا يُعزلون ويُولَّون تَبعاً لرغبات وأهواء الأمراء، دون النظر إلى أدنى مصلحة للبلاد أو العباد.

(1) هو السلطان ناصر الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين أبي المظفر قلاوون الصالحي، كان ملكا جليلا مهيبا ذكيا عارفا بسياسة الملك عالي الهمة، تولى السلطنة ثلاث مرات وكانت مدته فيهن ثلاثاً وأربعين سنة وشهوراً، توفي سنة 741هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (2/ 326)

(2)

ابن حبيب، تذكرة النبيه (2/ 21)

(3)

محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 38)

(4)

ومن هؤلاء السلاطين الملك الأشرف علاء الدين كجك بن السلطان محمد بن قلاوون وقد تولى السلطنة وعمره لم يتجاوز الخمس سنوات سنة 742هـ، والملك الناصر حسن بن السلطان محمد بن قلاوون تولى السلطنة سنة 752هـ ولم يتجاوز عمره 11 سنة، والملك المنصور محمد حاجي حيث تولى السلطنة سنة 762هـ وكان عمره حينئذ 14 سنة.

(5)

أورد هذه الأبيات ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (11/ 20) ولم ينسبها لأحد

(6)

ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 20، 40)

(7)

وهم:

-

السلطان الكامل شعبان حيث قتل سنة 747هـ بعد أن حكم سنة وشهر وثمانية وعشرين يوماً

-

السلطان الملك المظفر حاجي حيث قتل سنة 748هـ بعد أن حكم سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً

-

السلطان الناصر حسن، قتل في ولايته الثانية سنة762هـ على يد أحد خواصه وأمرائه الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام

-

السلطان الأشرف شعبان بن حسن، قتل سنة 778هـ بعد أن حكم ست سنوات

ص: 10

ولم يقف الحدُّ عند تآمر الأمراء على سلاطينهم، بل وجدتُ أنّ أبناء قلاوون أنفسهم يتآمرون على بعضهم ويَقتُل بعضهم بعضاً، فقد وجدت الملك الصالح إسماعيل (1) يأمر بحصار أخيه أحمد (2) في قلعة الكرك ورميه بالمنجنيق، وذلك خَشيةً من محاولته العودة إلى السلطنة، حيث وقعت عدّة معارك بين العسكر المصري وبين أهل الكرك، وفيها قُتِل عدد كبير من الطرفين، واستمر حصار الكرك مدة سنتين انتهت بدخول الكرك ومن ثَمّ قلعتها حيث قُبِض على السلطان أحمد وقُتِل وحُمِل رأسه إلى أخيه الملك الصالح فقابله بأشدّ الفرح ولا حول ولا قوّة إلا بالله (3).

ولم يكن حال السلاطين أنفسهم بأفضل من مماليكهم، فقد عمَّ الفسق والفجور والظلم عند هؤلاء السلاطين، وفشى فيهم معاقرة الخمور وغشيان المنكرات وأكل أموال الناس بالباطل، حتى قال ابن شهبة في وصف خلاعة ومجون السلاطين وخاصة الملك المنصور سيف الدين أبو بكر (4) أنّه كان يتعاطى شرب الخمر:((وغشيان المنكرات وتفريق الأموال على أهل الطرب، والتعاطي بما لا يليق به، ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم)) (5).

هكذا كان حال هؤلاء السلاطين، وحَريٌّ بأمّة هكذا سلاطينها أن يذيقها الله تعالى وَبالَ أمرها، وما الفتن الداخلية والاضطرابات الكثيرة وعزل السلاطين ومقتلهم إلا نكالاً من الله تعالى بهم لفسقهم وتعدِّيهم على حرمات الله (6).

(1) هو السلطان الصالح عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا جليلا مهيبا عفيفا مزيلا للمظالم التي يصل أمرها إليه محبا للإعمار، متمسكا بالأحكام الشرعية، توفي سنة 746هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 79)

(2)

هو السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا مهيبا شجاعا سخيا حسن المنظر، حكم مدة ثم اعتزل في قلعة الكرك وبقي فيها إلى أن قبض عليه وقتل سنة 745هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 65)

(3)

انظر تفاصيل هذه الحملة في: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 628، 630، 632 - 637)، ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 304، 307، 409)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 65)

(4)

هو الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن السلطان محمد بن قلاوون، كان شاب أسمر حلو الصورة سخياً إلى الغاية، خلع على يد خواص أمرائه ثم قتلوه سنة 742هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 24)

(5)

ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 204)

(6)

هذه هي حالهم إلا أنهم لم يكونوا يعادون الإسلام ولا العلماء ولا الدعاة بل وجدناهم إذا هدد العالم الإسلامي خطر كانوا يكونون على رأس المدافعين عنه، ومع فسقهم وتعديهم على حرمات الله إلا أنهم كانوا يمتازون بالنخوة ولا يسكتون على ظلم أو عدوان يقع على شعوبهم فافهم ذلك

ص: 11

كل هذه الأمور مُجتَمعةً والمتمثّلة بضعف السلاطين، وتنافسهم على العرش، وإغراق بعضهم في المجون وانغماسهم في التَّرف، إضافة إلى ازدياد نفوذ أمراء المماليك، كل هذه العوامل أدت إلى انحلال أسرة قلاوون، وإنهاء حكم بني قلاوون الذي استمر حوالي 106 سنوات من سنة 678 - 784هـ، وبنهاية أسرة قلاوون ينتهي عهد المماليك البحرية ويبدأ عهد المماليك الجراكسة [البرجية] سنة 784هـ (1).

هذه هي الأحوال العامّة في مصر، أما في الشام والتي عاش فيها التاج السبكي جُلّ حياته، فلم يكن الحال فيها بأحسن من حال مصر الأم، حيث كانت الشام تابعة للسلطنة في مصر في مختلف نواحي الحياة، ورَغمَ تبعية الشام المحضة لمركز السلطنة إلا أنّه وُجِدت بعض محاولات الانفصال عن مصر، غير أنّ التقسيم الإداري لبلاد الشام بحيث تكون كل نيابة شبه مستقلة، والسلطان يختار من يملأ المناصب الكبرى، ومن ثم حاجة الشام إلى العسكر المصري ضد الأخطار الخارجية حال دون نجاح أية حركة انفصالية رغم كثرة ثورات المماليك هناك (2).

إلا أنّ هناك مِيزة لأهل الشام تَميَّزوا بها عن أهل مصر ذلك أنّ أهل الشام كانوا أسرع إلى مواجهة أوامر الدولة بالإنكار من أهل مصر، وكانوا يتعلقون بكل سبب لإظهار عدم رضاهم عن بعض تصرفات الموظفين والمباشرين (3).

يمكن تلخيص الملامح العامّة للوضع السياسي في مصر والشام في القرن الثامن الهجري بما يأتي (4):

1 -

صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم.

2 -

ازدياد نفوذ الأمراء واشتداد سطوتهم وتَحَكُّمهم في مصالح البلاد وتلاعبهم بالسلاطين، بالتعيين والعزل والقتل وفقاً لأهوائهم.

3 -

ازدياد نفوذ طائفة المماليك الجراكسة [البرجية] ازدياداً مضطرداً، فاستطاع أفرادها كسب الجولة الأخيرة من الصراع، وأسسوا دولة مملوكية ثانية على أنقاض الدولة المملوكية الأولى.

4 -

اشتداد الانحلال الخلقي بشكل واضح، وكان السلاطين والأمراء هم مصدر هذا البلاء، فاشتهروا بالإدمان على الخمور ومعاشرة الجواري والخاصكية والمغنيات.

(1) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 38)، سرور، دولة بني قلاوون في مصر ص 55 - 66، علي حسن، تاريخ المماليك البحرية ص 135

(2)

إحسان عباس، تاريخ بلاد الشام ص 76، وانظر بعض محاولات الانفصال عن مصر في: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 183)،

(11/ 4)

(3)

إحسان عباس ص 80

(4)

طقوش، تاريخ المماليك ص 300

ص: 12