المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مميزات رفع الحاجب: - منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه

[أحمد إبراهيم حسن الحسنات]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولتاج الدين السبكيحياته - علومه - مؤلفاته

- ‌المبحث الأولعصر الإمام تاج الدين السبكي

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية

- ‌موقف التاج السبكي من الوضع السياسي

- ‌المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية

- ‌موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره:

- ‌المطلب الثالث: الحياة العلمية

- ‌المبحث الثانياسمه، نسبه، أسرته

- ‌المطلب الأول: ذِكْر مصادر ترجمته:

- ‌المطلب الثاني: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثالث: مولده:

- ‌المطلب الرابع: أسرته

- ‌والده:

- ‌إخوته:

- ‌شقيقاته:

- ‌المبحث الثالثنشأته وطلبه للعلم

- ‌المطلب الأول: شيوخه

- ‌المطلب الثاني: تلاميذه

- ‌المبحث الرابععلومه

- ‌المبحث الخامسآثاره ومصنفاته

- ‌أولاً: مصنفاته في الحديث الشريف وعددها تسعة مصنفات [9]

- ‌ثانياً: مصنفاته في العقائد وعلم الكلام، وعددها أربعة [4]:

- ‌ثالثاً: مصنفاته في أصول الفقه وعددها ثمانية مصنفات [8]:

- ‌رابعاً: مصنفاته في الأشباه والنظائر وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌خامساً: مصنفاته في الفقه، وعددها أحد عشر مصنفاً [11]:

- ‌سادساً: مصنفاته في التاريخ والتراجم، وعددها ستة مصنفات [6]:

- ‌سابعاً: مصنفات في أمور مختلفة وعددها ثلاثة عشر مصنفا [13]

- ‌ثامناً: كتب نسبت للتاج السبكي خطأً وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌المبحث السادسمكانته العلمية والمناصب التي تولاها

- ‌أولاً المناصب التعليمية:

- ‌ثانياً المناصب الإدارية والقضائية:

- ‌محنته التي واجهها في القضاء:

- ‌أسباب هذه المحنة:

- ‌المبحث السابععقيدته وتصوفه

- ‌دفاعه عن أئمة الأشاعرة:

- ‌تصوفه وموقفه من الصوفية:

- ‌المبحث الثامنمظاهر من شخصيته

- ‌1 - قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌2 - احترامه لأهل العلم:

- ‌3 - اتباعه للحق وإنصافه لخصومه:

- ‌4 - نبذه للتعصب المذهبي:

- ‌5 - اعتداده بنفسه وبمؤلفاته:

- ‌6 - صبره وتحمله الأذى:

- ‌المبحث التاسعوفاته

- ‌الفصل الثانيمؤلفاته في أصول الفقه

- ‌المبحث الأولالإبهاج في شرح المنهاج

- ‌المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمنهاج ومميزاته

- ‌ملاحظات على ((الإبهاج))

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج))

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج

- ‌كلمة أخيرة

- ‌المبحث الثانيرفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

- ‌المطلب الأول: التعريف ((بمختصر ابن الحاجب)):

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمختصر ومميزاته:

- ‌مميزات رفع الحاجب:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في شرح المختصر

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية:

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية:

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية:

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح التاج السبكي لمختصر ابن الحاجب وشرح العضد الإيجي:

- ‌المبحث الثالثجمع الجوامع

- ‌سبب تسميته:

- ‌المطلب الأول: مناقشة الفكرة القائلة بأنّ ((جمع الجوامع)) من الكتب التي جمعت بين طريقتي الحنفية والمتكلمين:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((جمع الجوامع)) ومميزاته:

- ‌مميزات ((جمع الجوامع)):

- ‌مناقشة درّاز والخضري في دعواهما:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الرابع: المصنفات التي وضعت على ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: شروح ((جمع الجوامع)) وحواشيه:

- ‌ثانياً: المصنفات التي وضعت على بعض مباحث أو مسائل ((جمع الجوامع)):

- ‌ثالثاً: الحواشي والتقريرات الموضوعة على بعض شروح ((جمع الجوامع)):

- ‌رابعاً: مختصرات ((جمع الجوامع)):

- ‌خامساً: منظومات ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الخامس: مقارنة بين جمع الجوامع ومتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة:

- ‌المبحث الرابعمنع الموانع عن جمع الجوامع

- ‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌ترتيب الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((منع الموانع)) و‌‌مميزاته:

- ‌مميزاته:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((منع الموانع)):

- ‌الفصل الثالثمنهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي

- ‌المبحث الأولمنهجه في إيراد التعاريف

- ‌المحور الأول: إيراده التعاريف في شرحيه ((الإبهاج ورفع الحاجب)):

- ‌أولاً: إيراده للتعاريف اللغوية لبيان وجه المناسبة بينها وبين التعاريف الاصطلاحية:

- ‌ثانياً: إيراده لتعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لظهورها:

- ‌ثالثاً: بيانه لتعاريف المتن دون زيادة عليها سوى توضيح المراد منها مع بيان محترزات بعض قيودها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى التطور التاريخي للتعاريف:

- ‌خامساً: ذكره لتعاريف لم يذكرها الماتن:

- ‌سادساً: مناقشته للتعاريف:

- ‌المحور الثاني: منهجه في إيراد التعاريف في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: تعريف الشيء بذكر حده المنطقي:

- ‌ثانياً: التعريف عن طريق إيراد التقسيمات:

- ‌ثالثاً: تعريف الشيء عن طريق تعريف ما يقابله:

- ‌رابعاً: بدء المسألة بذكر التعريف وبناء المسألة على التعريف:

- ‌المبحث الثانيمنهجه في تحرير محل النزاع

- ‌أولاً: تحرير محل النزاع بنقله عن غيره من العلماء الذين حرروه سابقا:

- ‌ثانياً: تحرير محل النزاع أول المسألة:

- ‌ثالثاً: تحرير محل النزاع في نهاية المسألة:

- ‌المبحث الثالثمنهجه في عرض الأقوال

- ‌المحور الأول: منهجه في شروح ((المنهاج)) و (المختصر)):

- ‌أولاً: التصريح بأصحاب الأقوال التي وردت في المتن مطلقة:

- ‌ثانياً: التنبيه على التطور التاريخي للآراء والأقوال:

- ‌ثالثاً: الدقة في نسبة الآراء والأقوال:

- ‌المحور الثاني: منهجه في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: أنه غالبا ما يبدأ المسألة بذكر الرأي الراجح لديه إن لم يصرح بخلافه:

- ‌ثانياً: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه:

- ‌ثالثاً: ترتيب أصحاب الأقوال - حيث صرَّح بهم - حسب الأقدمية لبيان التطور التاريخي لها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى وجود الخلاف، وإلى ضعف بعض الأقوال:

- ‌خامساً: اختزال الأقوال:

- ‌سادساً: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة:

- ‌المبحث الرابعمنهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين

- ‌المحور الأول: منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌أولاً: الإشارة إلى وجود مناقشة أو اعتراض على القول أو الدليل المذكورين:

- ‌ثانياً: ذكر ردود ومناقشات منقولة عن غيره:

- ‌ثالثاً: بيان ردوده رأسا:

- ‌رابعاً: إيراده للأسئلة المقدرة والمفترضة والإجابة عليها:

- ‌خامساً: ذكره لمباحثات لا زالت في محل البحث:

- ‌سادساً: ردُّ دعاوى الإجماع والاتفاق:

- ‌سابعاً: التنبيه على خطأ أو وهم وقع فيه السابقون:

- ‌ثامناً: تنوع أساليب المناقشات والردود:

- ‌المحور الثاني: منهجه في المناقشات والردود في ((منع الموانع)):

- ‌أولاً: إذا كان الإيراد يحتاج إلى رد غير مذكور في مصنَّفاته الأخرى فإنه يرده بتوسع:

- ‌ثانياً: إذا كان الإيراد قد تعرض له في مصنفاته الأخرى فإنه يرده إجمالا ويحيل القارئ إلى مصنفه الذي بينه فيه بتوسع:

- ‌ثالثاً: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه:

- ‌المبحث الخامسمنهجه في النقل عن غيره من العلماء

- ‌أولاً: النقل الصريح عن المصدر الأصلي:

- ‌ثانياً: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]:

- ‌ثالثاً: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن:

- ‌المبحث السادسذكر الأدلة والشواهد

- ‌أولاً: ذكر الأدلة والشواهد من القرآن ثم السنة ثم كلام العرب في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌ثانياً: ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع)):

- ‌المبحث السابعمنهجه في ذكر الفروع الفقهية

- ‌المبحث الثامنمنهجه في تخريج الأحاديث

- ‌أولاً: من الشواهد الدالة على اكتفائه بنسبة الحديث إلى مخرجيه:

- ‌ثانياً: من الشواهد الدالة على كلامه على الأحاديث صحة وضعفا:

- ‌ثالثاً: من الشواهد الدالة على كلامه على رجال بعض الأحاديث:

- ‌المبحث التاسعمنهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم

- ‌أولاً: الإمام الشافعي:

- ‌1 - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه

- ‌3 - الدفاع عن الإمام الشافعي وتأويلُ كلامه وحمله على محمل حسن:

- ‌ثانياً: إمام الحرمين الجويني:

- ‌1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين:

- ‌3 - تأويل كلامه وحمله على محمل حسن والاعتذار له عن بعض الأخطاء:

- ‌4 - الدفاع عنه ورد كل ما يوجه إليه من انتقادات:

- ‌5 - في ردوده على إمام الحرمين يأتي بعبارات لطيفة لا قَسوة فيها:

- ‌ثالثاً: الإمام الرازي:

- ‌رابعاً: والده الشيخ تقي الدين السبكي:

- ‌1 - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها

- ‌3 - ذكره لآراء والده لتقوية آراء الآخرين بها

- ‌4 - مناقشته لوالده في بعض القضايا واختيار ما يخالفه:

- ‌المبحث العاشرتكاملية مصنفاته

- ‌الخاتمة

- ‌ملحق رقم (1)أهم اصطلاحات التاج السبكي في كتاباته

- ‌ملحق رقم (2)المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب ((الإمام)) وأراد به إمام الحرمين الجويني

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌مميزات رفع الحاجب:

3 -

أنّ التاج السبكي من الشراح القلائل الذين يمتازون بطول النفس في الشرح والتقرير؛ لذا فإنّ شرحه هذا يعدّ فيما أعلم من أوسع الشروح التي وُضعت على ((المختصر))، كما أنّه كان مطّلعاً على شروح ((المختصر)) السابقة، وبخاصة شرحي العضد الإيجي، والقطب الشيرازي، حيث صرّح بالنقل عنهما، وتَعَقَّبهما في عدد لا بأس به من المواضع.

4 -

أنّه من الشروح التي اعتمد عليها شرّاح ((المختصر)) فيما بعد، فكانوا يكثرون من النقل منه والاعتماد عليه، ولعلّ من أهمهم في ذلك شرح محمد بن الحسن الواسطي (1)، حيث يصرّح بالنقل عنه والعزو إليه؛ بل إنّه قد جمع شرحه كله من شرحيّ الشمس الأصفهاني والتاج السبكي (2). كما وضع عليه الإمام عز الدين بن جماعة (3) حاشية قيمة (4).

‌مميزات رفع الحاجب:

لقد امتاز ((رفع الحاجب)) بميّزات عديدة جعلته في مقدمة شروح ((المختصر)) التي عليها الاعتماد، ومن أهم هذه الميزات:

1 -

اعتماده على نسخة للمختصر بخط ابن الحاجب نفسه: اعتمد التاج السبكي في هذا الشرح على نسخة ابن الحاجب نفسه، وهذه ميّزة قلَّما تجدها عند غيره من الشراح، وبذلك يكون التاج قد حفظ لنا عبارة ابن الحاجب بنصِّها دون تحريف لها، أو نقص منها أو زيادة عليها، وكثيراً ما كان التاج السبكي يبيّن ذلك في شرحه، ويثبت الخلافات بينها وبين النسخ الأخرى، مبيّناً في ذلك الراجح عنده من العبارات سواء أكانت نسخة ابن الحاجب أو غيرها من النسخ.

فمن النوع الأول قوله: في مسألة العام إذا ورد على سبب خاص: ((والثاني ألا يكون ثمّ قرينة، كما لو روي أنّه عليه السلام مَرّ بشاةِ ميمونة فقال {أيما إهابٌ دُبِغَ فقد طَهُر} (5)، فإنّه على تقدير وقوعه لفظ عامٌّ ورد على سبب خاص بغير سؤال

)) ثمّ قال: ((وإنّما قلنا على تقدير وقوعه، وكذا أثبت المصنِّف لفظة لو بخطه لأنّ ذلك لم يقع

وفي بعض نسخ ((المختصر)) حذفُ لفظة لو، وليس بجيّد، فأثباتها حقٌّ كما عرفتَ وإياه فعل المصنف)) (6).

(1) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن عبد الله السيد الشريف الحسيني الواسطي الشافعي، توفي سنة 776هـ، من مصنفاته: كتاب في أصول الدين وكتاب في الرد على الإسنوي. انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 160)

(2)

انظر ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 161)، المراغي، الفتح المبين (2/ 204)

(3)

هو الإمام أبو عبد الله عز الدين محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن سعد الله بن جماعة المصري الشافعي العالم العلامة الحبر المفنن صاحب المؤلفات الكثيرة والمشهورة منها: شرح جمع الجوامع وشرح الأربعين النووية، توفي سنة 819هـ. انظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 60) الغزي، ديوان الإسلام (2/ 106)،

(4)

انظر حاجي خليفة، كشف الظنون (2/ 1855)

(5)

رواه الترمذي في كتاب اللباس برقم 1650، والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة برقم 4168، وابن ماجة في كتاب الفرع والعتيرة برقم 3599

(6)

التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 121) بتصرف.

ص: 83

ومن النوع الثاني قوله معقّباً على قول ابن الحاجب: ((لو نَدَرَ المخالف مع كثرة

المجمعين

)) إلى قوله ((لم يكن إجماعاً قطعاً)) (1)، قال التاج السبكي:((كذا بخط المصنف، وفي بعض النسخ قطعيا.)) ثمّ قال بعد شرح المسألة: ((إذا عرفت هذا فنقول: قول المصنف لم يكن إجماعاً قطعاً أي: لا نقطع بكونه إجماعاً، ومن كتب قطعياً أراد أنّا نجزم بنفي (2) كونه إجماعاً قطعياً.)) (3)

ثم قال التاج مرجحّاً هذه النسخة: ((وهذه النسخة عندي أولى مما كتبه المصنِّف بيده، ولعلها أُصلِحت؛ لأنّ فيها فائدة التنبيه على أنّ من قال بأنّه إجماع؛ فإنّما يجعله ظنياً لا قطعياً، وهو الظاهر،

وبه يُشعر إيراد الآمدي، وأما قطعاً (4) فليس فيها كثير فائدة؛ لأنّ كلّ ذي نظر يعرف أنّه إذا وقع الخلاف في أنه هل هو إجماع؛ لم يقع القطع بأنّه إجماع)) (5).

2 -

اعتماده في الشرح على نقل عبارات ابن الحاجب نفسه من مختصره الكبير الذي هو الأصل بالنسبة لهذا ((المختصر)): من السِّمات البارزة في هذا الشرح أنّ التاج السبكي كثيراً ما كان يُورِد عبارات ابن الحاجب نفسه من مختصره الكبير ((المنتهى))، ليُفصِّل بها ما أجمله ابن الحاجب في مختصره هذا.

وحيثما كانت عبارة ابن الحاجب – في هذا ((المختصر)) – غير وافية بالغرض كان يتمِّمها التاج من ((المختصر الكبير)).

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قول التاج السبكي في مسألة الإجزاء هل يستلزم القضاء أو لا – بعد شرحه لقول ابن الحاجب: وقال عبد الجبار لا يستلزمه (6)((وقد قال المصنف في ((المختصر الكبير)): إن أراد – يعني عبد الجبار – أنّه لا يمتنع أن يُراد أمرٌ بعده بمثله فمسلّم، ويرجعُ النزاع في تسميته قضاء، وإن أراد أنّه لا يدلّ على سقوطه فساقط)) (7).

ومنها قول التاج السبكي شارحاً قول ابن الحاجب في باب الترجيح: ((والإجماع على ما بعده في الظني)) (8) قال: ((قوله في الظّن أي: ذلك متصوَّر في الإجماع الظني دون القطعي؛ فإنّه يُظنُّ فيه التعارض، وإلا لَزِم تَعَارُض الإجماعين في نفس الأمر، وهو محال، هذا تقرير كلامه فاعتمده، وبه صرّح في ((المنتهى)) إذ قال: وإجماع الصحابة على من بعدهم ثمّ على الترتيب وذلك إنّما يكون في الظني، لأنّهم أعلى رتبة)) (9)

(1) المصدر السابق (2/ 182)

(2)

كذا هو الصواب، غير أن ما في أصل الكتاب " نجزم بكونه إجماعا" وهو وهم ظاهر، وقد أشار المحقق الفاضل إلى وجود الصواب في نسخة أخرى أثبتها في الهامش وكان حقه أن يثبت الصواب في الأصل وينبه عليه في الهامش لا العكس.

(3)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 187)

(4)

هذا هو الصواب، وقد ورد في أصل الكتاب "قطعيا"، وهو خطأ ظاهر إذ لا يستقيم الكلام بها. أنظر رفع الحاجب (2/ 187)

(5)

المصدر السابق

(6)

ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 544)

(7)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 546)

(8)

ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 626)

(9)

التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 626)

ص: 84

3 -

المقارنة بين ((مختصر ابن الحاجب)) وأصوله وبخاصة الآمدي: التاج السبكي في هذا الشرح – شأنه شأن شرحه السابق على ((منهاج البيضاوي)) – كان يُثبت في ثنايا شرحه مقارنات بين متن ابن الحاجب وأصوله المأخوذ منها: ((المختصر الكبير)) له و ((المنتهى)) و ((الإحكام)) للآمدي، وهو بذلك يُبَيِّنُ لنا موافقة ابن الحاجب لأصوله أو مخالفته لها.

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قول التاج السبكي معقّباً على قول ابن الحاجب في المنع:

((والصحيحُ منع السائل من تقريره؛ لأنّ المستدلَّ مُدَّعٍ فعليه إثباته لئلا ينتشر)) (1)، قال التاج السبكي:((كذا بخط المصنف، وظاهره أنّها علّة واحدة لوجوب الإثبات، وفي ((المنتهى)) لأنّ المستدل مُدَّعٍ فعليه إثباته، ولأنّه ينتشر، والذي يظهرُ أنّ علّة وجوب إثباته على المستدل ادعاؤه، وعلّية منع المعترض من إثباته الانتشار فهما علّتان لحكمين مختلفين)) (2).

ومنها ما قاله التاج السبكي معقّباً على تعريف ابن الحاجب للقرآن بأنه: هو الكلامُ المنزَّل للإعجاز بسورة منه (3) حيث قال التاج: ((وهذا الحدُّ من صنيع المصنف، والآمدي عرَّفه بأنّه: القرآن المنزل (4)، وقد أخذ هو والمصنف المنزَّل قَيْداً في التعريف؛ لأنّ الحدّ للفظ، فأراد إخراج النفساني بذلك (5))).

ففي هذا النص ترى أنّ التاج السبكي يُبَيّن لنا مخالفة ابن الحاجب في صيغة التعريف للآمدي، وإن اتفقا في قيد المنزَّل.

4 -

كثرة الإحالات على مصنفاته الأصولية الأخرى: التاج السبكي يجعل مجموعة مصنّفاته كالمنظومة الواحدة؛ فما يُجْمله في موضع يفصِّله في موضع آخر من كتاباته، وكثيراً ما كان يُحيل القارئ إلى مصنفاته الأخرى التي أسهب فيها الحديث حول المسألة المحالة.

وهذه ميزةٌ له في كتاباته عامة، وفي شرح ابن الحاجب خاصَّة، فقد وجدته في هذا الشرح يُكثِر من الإحالات على كُتُبه الأخرى، وبخاصّة على كتابه ((التعليقة)) شرحه الأول والأوسع ((لمختصر ابن الحاجب))، إلا أنّه في بعض المواضع التي رأى التاج أنّه من الأهمية بمكان إعادة ما دوَّنه سابقا، وجدته مع إحالته إلى تلك المواضع كان يُلخِّص ما ذكره هناك في شرحه هذا تتميماً للفائدة المرجوّة.

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مبحث النقض من قوادح العلّة – بعد شرحه للمذاهب التي أوردها ابن الحاجب في كونه قادحاً – قال: ((ولإمام الحرمين مذهب ثامن، وللغزالي مذهب تاسع، حكيناهما في ((التعليقة)) وتكلَّمنا عليهما بما فيه الكفاية، وحذفناهما هنا اختصاراً)) (6)

(1) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (4/ 455)

(2)

التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 455)

(3)

ابن الحاجب، مختصر المنتهى (2/ 82)

(4)

انظر الأمدي، الإحكام في أصول الأحكام (1/ 137)

(5)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 83)

(6)

التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 192)

ص: 85

ومن النوع الثاني قوله في مبحث الإجماع السكوتي: ((وهنا أمورٌ مهمَّة لا يليق إهمالها، وإن كنّا بذكرها نخرج عن أسلوب الاختصار فإنّ مسألة الإجماع السكوتي من قواعد الأمهات، وإلى الشافعية مَرجِعها، وقد ذكرنا في ((التعليقة)) أوراقاً تَعْسُر على أبناء الزمان فليقع تلخيصها هنا)) (1). ثمّ أخذ يتحدَّث عمّا ذكره هناك من مباحث تتعلَّق بالإجماع السكوتي فأخذت ثمان صفحات من الشرح (2).

5 -

التصريح بآرائه واختياراته في أكثر المسائل المطروحة: امتاز التاج السبكي في هذا الشرح بأنّه كان شديد الوضوح والصراحة تُجاه المسائل والأدلة الأصولية المختلف فيها؛ فلا يمرُّ على مسألة فيها خلاف إلا بيَّنه، ومن ثمّ صرّح برأيه هو واختار الراجح عنده فيها (3)، وحيثما لم يُعجِبه دليل في مسألة ما ردّه واختار ما هو الأوضح والأقوى عنده في ذلك.

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في مدلول صيغة الأمر – بعد ذكر المذاهب فيها -:

((وقال الشيخ أبو حامد الإسفرايني وإمام الحرمين: إنّ موضوعها الطلب الجازم، وحَضِّ (4) المأمور على الفعل، وأما ثبوت الوجوب فيقع بواسطة صدور هذا الطلب من الشارع، فُيستَفادُ الوجوب بهذا التركيب بين اللغة والشرع. [قال التاج معقّباً على ذلك:] وهذا ما نختاره، ولا يَبْعُد أن يكون هو رأي الشافعيّ رضي الله عنه، وليس هذا مذهب القائلين بأنّ الصيغة للوجوب بالشرع، بل غيره لأنّ ذلك يَجعَل جزم الطلب شرعا، ونحن نقول: جزم الطلب لغوي، ثمّ هو إن ورد على لسان من له الإيجاب وهو الشارع أفاد الوجوب بهذه الضَّميمة)) (5).

ومن اختياراته في الأدلة، ما استدلَّ به التاج السبكي في مسألة تكليف الكفار حيث قال – بعد ذكر الأدلة التي ساقها ابن الحاجب-:((وأوضحُ من هاتين الآيتين (6) عندي في الدلالة على تكليفهم قوله تعالى: {والذين كفروا وصَدُّوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون} (7). إذ لا رَيب أنّ زيادة العذاب إنّما هو بالإفساد الذي هو من وراء الكفر.)) (8)

6 -

استدراكه على ابن الحاجب، وكثرة مناقشاته وتوجيه النقد للمتن (9): أكثرَ التاج السبكي في هذا الشرح من مناقشة ابن الحاجب فيما يطرحه ويختار من المسائل، كما أنّه كان يستدرك عليه في بعض المواضع التي أغفلها وكان حقَّه أن يذكرها.

(1) التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 204)

(2)

حيث أخذت الصفحات 204 – 212 من الجزء الثاني

(3)

بخلاف شرحه على المنهاج فلم يكن تصريحه بآرائه بمثل هذا الوضوح.

(4)

وردت في أصل الكتاب حصر ولعل الصواب ما أثبته

(5)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 502)

(6)

يشير إلى قوله تعالى: ’’ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق

أثاما ‘‘ (سورة الفرقان آية 68) وقوله تعالى: ’’ قالوا لم نك من المصلين ‘‘ (سورة المدثر آية 43)

(7)

سورة النحل آية 88

(8)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 50)

(9)

هذه الميزات من ميزة رقم 6 إلى ميزة رقم 12 من الميزات المشتركة بين شرح المنهاج وشرح المختصر

ص: 86

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله مستدركاً على ابن الحاجب في مسالك العلّة بعد ذكر ابن الحاجب مراتب النص الدال على العلّة: ((وأهمل المصنف ذكر ((إن)) وهي أيضاً للتعليل، نحو:{إنّك إن تذرهم يضلوا عبادك} (1)، وقوله عليه الصلاة السلام:{الثلث والثلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خير. . .} (2) الحديث.)) (3)

ومنها مناقشته لابن الحاجب في كون البسملة من القرآن أو لا؛ فبعد ذكره كلام ابن الحاجب في ذلك عقب عليه قائلا: ((وهذا ما يتعلَّق بالأصول، ثمّ دخل المصنِّف في ما لا يعنيه وألقى بنفسه في لُجَّة لا تُنْجيه؛ فأخذ يتعصَّب لقومه، ويُقيم على أنّ البسملة ليست من القرآن دليلاً بزعمه، فورَّط نفسه في عظيم، وفوَّت نحوها سهامَ راسفين يبلغون الصَّميم.)) (4)

ثم أخذ يناقش ابن الحاجب فيما ادّعاه، وانتهى إلى أنّ الحقَّ في جانب الإمام الشافعي رضي الله عنه، هذا وقد أخذت هذه المناقشة ثمان صفحات سطَّرها التاج السبكي في كتابه هذا (5).

وكان من الطبيعيِّ جدّاً أن يُكثر التاج السبكي من هذه المناقشات، وذلك لأنّ التاج السبكي يخالف ابن الحاجب في أمرين كانا السبب الرئيسي في هذه المناقشات:

الأمر الأول: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في المدرسة الأصولية، فالتاج السبكي كما بيّنت مُنتَمٍ إلى مدرسة الإمام الرازي، في حين أنّ ابن الحاجب سائر على طريقة الإمام الآمدي ومعلوم ما بين هاتين المدرستين من فروقات واختلافات.

الأمر الثاني: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في الاتجاه الفقهي الفروعي فالتاج شافعي المذهب في حين كان ابن الحاجب مالكيا.

وبالرغم من مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في كثير من المسائل وتوجيهه النقد اللاذع له في ذلك، إلا أنّه كان يُجلُّ ابن الحاجب كثيراً ويعرفُ له قَدْره ويَرْفعه إلى أعلى المنازل فهو يَصِفه في ((منع الموانع)) بقوله: ((وقد كان ابن الحاجب رحمه الله إماماً مقدماً في الأصول والفقه، والنحو

والتصريف، أمسكته البلاغة زمامها، وألقت إليه الفصاحة مقاليدها، وأعطاه الإيجاز كله، ومن بحر علمه اغترفنا، وبكثير علمه اعترفنا، فلا يُظننَّ أنّا أردنا في هذا الكتاب (6) مطاولته، فأين الثُّريَّا من يد المتطاول، وإنّما أردنا الاقتداء به، والسير على سُننه رحمه الله ورضي عنه، ما أكثرَ فائدته، وأجزلَ عائدته.)) (7)

7 -

تحرير مواضع النزاع: التاج السبكي وكعادته في شروحه يهتمّ كثيراً بتحرير محل النزاع في المسائل المختلف فيها، وذلك بذكر مواضع الاتفاق وبيان نقطة الخلاف، وقد أكثر في ((رفع الحاجب)) من بيان هذه المواضع.

(1) سورة نوح آية 27

(2)

رواه البخاري في كتاب الجنائز باب رثاء النبي سعد برقم 1213، ومسلم في كتاب الوصية باب الوصية بالثلث حديث رقم 4185

(3)

التاج السبكي، رفع الحاجب (4/ 315)

(4)

التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 84)

(5)

انظر التاج السبكي، رفع الحاجب (2/ 84 – 91)

(6)

يقصد كتابه جمع الجوامع

(7)

التاج السبكي، منع الموانع ص 126

ص: 87

ومن ذلك: قوله في مسألة عموم المقتضى: ((واعلم أنّ التقديرات الصالح أحدها للإضمار قد يعمُّها لفظ، وقد لا يعمَّ متعدّداً منها لفظ، بل تكون أموراً متباينة، وهو الغالب. . .، وحينئذ فقد يكون بينها جميعا أو بينها وبين بعضها تناف، وقد لا يكون؛ فهذه أقسام كثيرة لن يُقَدِّم المتأمِّل لكلامنا في هذه المسألة أمثلها، ويجب عندي انتفاء الخلاف عن قسمين منها:

أحدهما: ما إذا كان اللفظ عامّاً لجميع تلك الأمور؛ فإنّ الواجب تقدير ذلك العام. . .

والثاني: أن يتنافيا، فالواجب عدم تقديرهما. . . فنخص محل الخلاف بما وراء هذين القسمين، وإذا عرفت محلّه فنقول. . .)) (1) ثمّ ذكر الخلاف الوارد في هذه المسألة.

8 -

التنبيه على فوائد الخلاف: المسائل الأصولية المختلف فيها، إما أن يكون الخلاف فيها لفظياً بحيث لا يترتب عليه أثر عملي أو يكون معنوياً بحيث يترتب عليه آثار عملية، والتاج السبكي في هذا الشرح كان ينصُّ صراحة على ذلك إن كان لفظيا، ويبيِّن آثاره إن كان معنويا.

فمن النوع الأول: قوله في مسألة الإباحة هل هي حكم شرعي أم لا – بعد شرح المسألة -: ((قلنا: كلامنا في التخيير بخطاب الشارع، لا بالبراءة الأصلية، والخلاف لفظي، ناشئ عن تفسير الإباحة.)) (2)

ومن النوع الثاني: قوله في مسألة حكم الأصل ثابتٌ بالعلّة أم بالنص، بعد شرح المسألة: ((فإن قلت: فهل الخلاف لفظي كما في الكتاب؟

قلت: لا، بل يترتب عليه فوائد كثيرة، لولا طلبي الاختصار في هذا الشرح لأوقفتكَ منها على العجب العجاب.

ومن أدناها: التعليل بالقاصرة. . .

ومنها: أنّه هل من شروط العلّة ألا يكون ثبوتها متأخراً عن ثبوت حكم الأصل؟)) (3)

9 -

التنبيه على المسائل التي لا جدوى منها والدخيلة على علم الأصول: إنّ بعضَ المسائل التي يطرحها الأصوليون لا علاقة لها بعلم الأصول إذ هي قليلة الجدوى والفائدة في هذا العلم، ومن ثَمّ فإنّ التاج السبكي كان يُنبِّه القارئ إلى هذه المسائل ويبين عدم جدواها في هذا المحل.

ومن الشواهد الدالة على ذلك قوله في مسألة توقيفية الألفاظ: ((الصحيح عندي أنّه لا فائدة لهذه المسألة، وهو ما صححه ابن الأبياري وغيره، ولذلك قيل: ذكرها في الأصول فُضول.)) (4)

ومنها: قوله في مسألة هل ينقطعُ التكليفُ بالفعل حال حدوثه: ((واعلم أنّ المسألة من عظائم الكلام، ودقائق أحكام القَدَر، وهي قليلةُ الجَدْوى في الفقه.)) (5)

10 -

الإكثار من ذكر الفروع الفقهية: إنّ الفائدة المرجوَّة من علم الأصول هي كيفية استثماره في استنباط الأحكام الفقهية، لذا فقد وجدتُ التاج السبكي يُكثرُ من إيراد الفروع الفقهية المبنية على المسألة الأصولية؛ ليُعطيَ للقارئ بذلك منهجية واضحة في كيفية بناء الفروع على الأصول.

(1) التاج السبكي، رفع الحاجب (3/ 154) بتصرف

(2)

المصدر السابق (2/ 6)

(3)

المصدر السابق (4/ 306) بتصرف

(4)

رفع الحاجب (1/ 444)

(5)

المصدر السابق (2/ 57)

ص: 88