المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

07 العَيزري: الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن - منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه

[أحمد إبراهيم حسن الحسنات]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولتاج الدين السبكيحياته - علومه - مؤلفاته

- ‌المبحث الأولعصر الإمام تاج الدين السبكي

- ‌المطلب الأول: الحياة السياسية

- ‌موقف التاج السبكي من الوضع السياسي

- ‌المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية

- ‌موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره:

- ‌المطلب الثالث: الحياة العلمية

- ‌المبحث الثانياسمه، نسبه، أسرته

- ‌المطلب الأول: ذِكْر مصادر ترجمته:

- ‌المطلب الثاني: اسمه ونسبه

- ‌المطلب الثالث: مولده:

- ‌المطلب الرابع: أسرته

- ‌والده:

- ‌إخوته:

- ‌شقيقاته:

- ‌المبحث الثالثنشأته وطلبه للعلم

- ‌المطلب الأول: شيوخه

- ‌المطلب الثاني: تلاميذه

- ‌المبحث الرابععلومه

- ‌المبحث الخامسآثاره ومصنفاته

- ‌أولاً: مصنفاته في الحديث الشريف وعددها تسعة مصنفات [9]

- ‌ثانياً: مصنفاته في العقائد وعلم الكلام، وعددها أربعة [4]:

- ‌ثالثاً: مصنفاته في أصول الفقه وعددها ثمانية مصنفات [8]:

- ‌رابعاً: مصنفاته في الأشباه والنظائر وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌خامساً: مصنفاته في الفقه، وعددها أحد عشر مصنفاً [11]:

- ‌سادساً: مصنفاته في التاريخ والتراجم، وعددها ستة مصنفات [6]:

- ‌سابعاً: مصنفات في أمور مختلفة وعددها ثلاثة عشر مصنفا [13]

- ‌ثامناً: كتب نسبت للتاج السبكي خطأً وعددها أربعة مصنفات [4]:

- ‌المبحث السادسمكانته العلمية والمناصب التي تولاها

- ‌أولاً المناصب التعليمية:

- ‌ثانياً المناصب الإدارية والقضائية:

- ‌محنته التي واجهها في القضاء:

- ‌أسباب هذه المحنة:

- ‌المبحث السابععقيدته وتصوفه

- ‌دفاعه عن أئمة الأشاعرة:

- ‌تصوفه وموقفه من الصوفية:

- ‌المبحث الثامنمظاهر من شخصيته

- ‌1 - قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌2 - احترامه لأهل العلم:

- ‌3 - اتباعه للحق وإنصافه لخصومه:

- ‌4 - نبذه للتعصب المذهبي:

- ‌5 - اعتداده بنفسه وبمؤلفاته:

- ‌6 - صبره وتحمله الأذى:

- ‌المبحث التاسعوفاته

- ‌الفصل الثانيمؤلفاته في أصول الفقه

- ‌المبحث الأولالإبهاج في شرح المنهاج

- ‌المطلب الأول: التعريف بمنهاج الوصول

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمنهاج ومميزاته

- ‌ملاحظات على ((الإبهاج))

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في كتابه ((الإبهاج))

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج

- ‌كلمة أخيرة

- ‌المبحث الثانيرفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

- ‌المطلب الأول: التعريف ((بمختصر ابن الحاجب)):

- ‌المطلب الثاني: أهمية شرح ابن السبكي للمختصر ومميزاته:

- ‌مميزات رفع الحاجب:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في شرح المختصر

- ‌أولاً: المصادر الأصولية:

- ‌ثانياً: المصادر الفقهية:

- ‌ثالثاً: المصادر الحديثية:

- ‌رابعاً: المصادر اللغوية:

- ‌المطلب الرابع: مقارنة بين شرح التاج السبكي لمختصر ابن الحاجب وشرح العضد الإيجي:

- ‌المبحث الثالثجمع الجوامع

- ‌سبب تسميته:

- ‌المطلب الأول: مناقشة الفكرة القائلة بأنّ ((جمع الجوامع)) من الكتب التي جمعت بين طريقتي الحنفية والمتكلمين:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((جمع الجوامع)) ومميزاته:

- ‌مميزات ((جمع الجوامع)):

- ‌مناقشة درّاز والخضري في دعواهما:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الرابع: المصنفات التي وضعت على ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: شروح ((جمع الجوامع)) وحواشيه:

- ‌ثانياً: المصنفات التي وضعت على بعض مباحث أو مسائل ((جمع الجوامع)):

- ‌ثالثاً: الحواشي والتقريرات الموضوعة على بعض شروح ((جمع الجوامع)):

- ‌رابعاً: مختصرات ((جمع الجوامع)):

- ‌خامساً: منظومات ((جمع الجوامع)):

- ‌المطلب الخامس: مقارنة بين جمع الجوامع ومتن التنقيح في أصول الفقه لصدر الشريعة:

- ‌المبحث الرابعمنع الموانع عن جمع الجوامع

- ‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌ترتيب الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: أهمية ((منع الموانع)) و‌‌مميزاته:

- ‌مميزاته:

- ‌المطلب الثالث: مصادر التاج السبكي في ((منع الموانع)):

- ‌الفصل الثالثمنهج الإمام تاج الدين السبكي الأصولي

- ‌المبحث الأولمنهجه في إيراد التعاريف

- ‌المحور الأول: إيراده التعاريف في شرحيه ((الإبهاج ورفع الحاجب)):

- ‌أولاً: إيراده للتعاريف اللغوية لبيان وجه المناسبة بينها وبين التعاريف الاصطلاحية:

- ‌ثانياً: إيراده لتعاريف المتن كما هي دون زيادة عليها وذلك لظهورها:

- ‌ثالثاً: بيانه لتعاريف المتن دون زيادة عليها سوى توضيح المراد منها مع بيان محترزات بعض قيودها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى التطور التاريخي للتعاريف:

- ‌خامساً: ذكره لتعاريف لم يذكرها الماتن:

- ‌سادساً: مناقشته للتعاريف:

- ‌المحور الثاني: منهجه في إيراد التعاريف في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: تعريف الشيء بذكر حده المنطقي:

- ‌ثانياً: التعريف عن طريق إيراد التقسيمات:

- ‌ثالثاً: تعريف الشيء عن طريق تعريف ما يقابله:

- ‌رابعاً: بدء المسألة بذكر التعريف وبناء المسألة على التعريف:

- ‌المبحث الثانيمنهجه في تحرير محل النزاع

- ‌أولاً: تحرير محل النزاع بنقله عن غيره من العلماء الذين حرروه سابقا:

- ‌ثانياً: تحرير محل النزاع أول المسألة:

- ‌ثالثاً: تحرير محل النزاع في نهاية المسألة:

- ‌المبحث الثالثمنهجه في عرض الأقوال

- ‌المحور الأول: منهجه في شروح ((المنهاج)) و (المختصر)):

- ‌أولاً: التصريح بأصحاب الأقوال التي وردت في المتن مطلقة:

- ‌ثانياً: التنبيه على التطور التاريخي للآراء والأقوال:

- ‌ثالثاً: الدقة في نسبة الآراء والأقوال:

- ‌المحور الثاني: منهجه في ((جمع الجوامع)):

- ‌أولاً: أنه غالبا ما يبدأ المسألة بذكر الرأي الراجح لديه إن لم يصرح بخلافه:

- ‌ثانياً: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه:

- ‌ثالثاً: ترتيب أصحاب الأقوال - حيث صرَّح بهم - حسب الأقدمية لبيان التطور التاريخي لها:

- ‌رابعاً: الإشارة إلى وجود الخلاف، وإلى ضعف بعض الأقوال:

- ‌خامساً: اختزال الأقوال:

- ‌سادساً: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة:

- ‌المبحث الرابعمنهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين

- ‌المحور الأول: منهجه في مناقشة الأقوال والردود على المخالفين في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌أولاً: الإشارة إلى وجود مناقشة أو اعتراض على القول أو الدليل المذكورين:

- ‌ثانياً: ذكر ردود ومناقشات منقولة عن غيره:

- ‌ثالثاً: بيان ردوده رأسا:

- ‌رابعاً: إيراده للأسئلة المقدرة والمفترضة والإجابة عليها:

- ‌خامساً: ذكره لمباحثات لا زالت في محل البحث:

- ‌سادساً: ردُّ دعاوى الإجماع والاتفاق:

- ‌سابعاً: التنبيه على خطأ أو وهم وقع فيه السابقون:

- ‌ثامناً: تنوع أساليب المناقشات والردود:

- ‌المحور الثاني: منهجه في المناقشات والردود في ((منع الموانع)):

- ‌أولاً: إذا كان الإيراد يحتاج إلى رد غير مذكور في مصنَّفاته الأخرى فإنه يرده بتوسع:

- ‌ثانياً: إذا كان الإيراد قد تعرض له في مصنفاته الأخرى فإنه يرده إجمالا ويحيل القارئ إلى مصنفه الذي بينه فيه بتوسع:

- ‌ثالثاً: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه:

- ‌المبحث الخامسمنهجه في النقل عن غيره من العلماء

- ‌أولاً: النقل الصريح عن المصدر الأصلي:

- ‌ثانياً: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]:

- ‌ثالثاً: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن:

- ‌المبحث السادسذكر الأدلة والشواهد

- ‌أولاً: ذكر الأدلة والشواهد من القرآن ثم السنة ثم كلام العرب في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

- ‌ثانياً: ذكر الأدلة والشواهد في ((جمع الجوامع)):

- ‌المبحث السابعمنهجه في ذكر الفروع الفقهية

- ‌المبحث الثامنمنهجه في تخريج الأحاديث

- ‌أولاً: من الشواهد الدالة على اكتفائه بنسبة الحديث إلى مخرجيه:

- ‌ثانياً: من الشواهد الدالة على كلامه على الأحاديث صحة وضعفا:

- ‌ثالثاً: من الشواهد الدالة على كلامه على رجال بعض الأحاديث:

- ‌المبحث التاسعمنهجه في التعامل مع العلماء الذين تأثر بهم

- ‌أولاً: الإمام الشافعي:

- ‌1 - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه

- ‌3 - الدفاع عن الإمام الشافعي وتأويلُ كلامه وحمله على محمل حسن:

- ‌ثانياً: إمام الحرمين الجويني:

- ‌1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين:

- ‌3 - تأويل كلامه وحمله على محمل حسن والاعتذار له عن بعض الأخطاء:

- ‌4 - الدفاع عنه ورد كل ما يوجه إليه من انتقادات:

- ‌5 - في ردوده على إمام الحرمين يأتي بعبارات لطيفة لا قَسوة فيها:

- ‌ثالثاً: الإمام الرازي:

- ‌رابعاً: والده الشيخ تقي الدين السبكي:

- ‌1 - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها

- ‌3 - ذكره لآراء والده لتقوية آراء الآخرين بها

- ‌4 - مناقشته لوالده في بعض القضايا واختيار ما يخالفه:

- ‌المبحث العاشرتكاملية مصنفاته

- ‌الخاتمة

- ‌ملحق رقم (1)أهم اصطلاحات التاج السبكي في كتاباته

- ‌ملحق رقم (2)المواضع التي أطلق فيها التاج السبكي لقب ((الإمام)) وأراد به إمام الحرمين الجويني

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: 07 العَيزري: الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن

07 العَيزري: الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن الخضر بن شمّري الزُّبَيري الأسدي العَيزري، المتوفى سنة 808 هـ (1).

له شرح على ((جمع الجوامع)) سماه ((تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع)). كما له إيرادات على المتن سأل عنها التاج السبكي سماها ((البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع))، وقد أجابه التاج السبكي عليها في مؤلف سماه ((منع الموانع عن جمع الجوامع)) (2).

08 الحمَوي: الإمام الشيخ جلال الدين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن علي بن عبد الله، خطيب المنصورية وشيخ البلاد الشمالية (3) وعالمها وفقيها، توفي بحماة سنة 809 هـ، وقد تخرج على التاج السبكي في الفقه (4).

09 ابن حَجّي: الإمام العلامة الحافظ المتقن، ذو الخصال الزكية والأخلاق المرضية، وشيخ الشافعية، أحمد بن حَجّي بن أحمد بن سعيد بن غشم بن غزوان، المتوفى سنة 816 هـ (5).

10 ـ الفيروز آبادي: الإمام العلامة مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروز آبادي، إمام اللغة في عصره وصاحب ((القاموس المحيط)) توفي بزبيد سنة 817 هـ (6).

‌المبحث الرابع

علومه

لم يُعمّر تاج الدين السبكي طويلاً، فقد عاش ثلاثة وأربعين سنة، ومع قصر مدة حياته إلا أنّه ترك لنا تراثاً ضخماً في كثير من العلوم والمعارف فتاج الدين يعدّ موسوعة علمية متكاملة - إذا ما جاز لي التعبير -، فهو لم يترك علماً من العلوم الشرعية وآلاتها إلا وله فيه يد طولى وسأعرض في هذا المبحث العلوم التي كان يتقنها هذا العالم الفذ، وهي:

01 علم الحديث: لقد عُنِيَ التاج بالحديث عناية فائقة سواء رواية أو دراية، فهو يروي لنا الحديث بالأسانيد المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتحدث على رجالها بالنقد والتعديل، ويتحدث على ألفاظها بالإيضاح والبيان.

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل وجدته يقرّر قواعدَ خاصةً في علم الجرح والتعديل ينتقد فيها سابقيه ويبيّن فيها قوله المعتمد في الجرح والتعديل (7).

ومن يطالع مصنفات التاج وخاصة كتاب الطبقات يُدرِكُ بوضوح مكانته العَليّة في هذا العلم

وحسبه بذلك شهادة شيخ حفاظ الإسلام ابن حجر العسقلاني حيث قال في حقه: ((ومن الطبقات تعرف منزلته في الحديث)) (8).

(1) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 73)، ابن حجر، إنباء الغمر (5/ 344)، السخاوي، الضوء اللامع (9/ 218)

(2)

السخاوي، الضوء اللامع (9/ 218)

(3)

أي شمال بلاد الشام

(4)

انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 87)، ابن حجر، إنباء الغمر (6/ 50)، العامري، بهجة الناظرين ص 251

(5)

انظر ترجمته في: ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 10)، ابن حجر، إنباء الغمر (7/ 121)، العامري، بهجة الناظرين ص114

(6)

ابن شهبة، طبقات الشافعية (4/ 79)، ابن حجر، إنباء الغمر (7/ 159)، العامري، بهجة الناظرين ص107

(7)

انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 9)

(8)

تقل هذا القول عن ابن حجر من تذكرة الحفاظ، الكتاني في فهرس الفهارس (2/ 1037)، غير أني لم أجد هذا القول في أي من كتب ابن حجر: الدرر، والذيل على الدرر، وإنباء الغمر، والله تعالى أعلم.

ص: 31

02 علم الكلام: إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي، لَيَرى واضحاً اهتمامه بعلم الكلام، فهو مُتكلِّم على طريقة الأشاعرة من أهل السنة، وكتبه زاخِرةٌ بمسائل هذا الفن الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأصول الذي كان التاج فيه إمام زمانه، فهو يذَكْرُ المسألة الكلامية مبيّناً ما فيها من مذاهب معقّباً على كل مذهب بما يستحق مع بيان الحق في كل ذلك، وليس أدل على ذلك من أنّه قد ترك لنا مصنفات خاصة بعلم الكلام، وأما كتابه الطبقات فهو مليءٌ وغنيٌّ بمسائل هذا الفن (1).

03 علم المنطق: وأما المنطق فلم يُهمِلهُ التاج قَط، بل له فيه باعٌ طويل، يَظهَرٌ ذلك جليّاً من مطالعتي لشرحه على ((مختصر ابن الحاجب))، حيث ضمّن ابن الحاجب ((مختصره)) بمقدمة منطقية على طريقة الإمام الغزالي وبعض الأصوليين، وترى في شرح التاج له مَقدَرةً وبراعةً في هذا العلم مما يَعدُّه من كبار علماء المنطق (2).

04 أصول الفقه: وإذا ما جئنا إلى هذا العلم، فقد بلغ به التاج عَنانَ السماء، وخضعت له رقاب العلماء، وفاق كل أقرانه بل فاق أكثَر العلماء، لقد أعطى التاجُ الأصولَ جُلَّ عنايته وعظيم اهتمامه، فتارةً يُدرّسه وأخرى يُؤلّف فيه، ويَستدرِك على من سبقه، ويُناقش من عارضه، وتارةً يقرّر عبارة سابقيه، مقيداً ما أطلقوه ومفسراً لما أجملوه، ومكمّلاً لما قد أغفلوه، وله في هذا الفن قدم راسخة، فهو ينظر إلى الأصول بنظر الناقد البصير، يوضّح مشكلاته، ويحلّ غوامضه، ويجمع شتاته، حتى عُدّتْ مؤلفاته مائدة زاخرة بكل ما لذ وطاب من هذا الفن.

وليس أدلُّ على اهتمامه بهذا العلم من تركه ثمانيةَ مصنفات في علم الأصول، قلّما تجد لعالمٍ في فنّ الأصول قد ترك لنا هذا القدر من المصنفات.

05 القواعد الفقهية: اهتم التاج بهذا العلم اهتماماً بالغاً، وله فيه مصنف زاخر يعدّ من أهم المصنفات في الأشباه والنظائر، فقد خرج فيه الفروع على الأصول وجمع شتات هذه الفروع في قواعد عامّة تنتظمها، فأجاد فيه وأجاد.

06 الفقه: يعدّ التاج السبكي فقيهاً متمكناً وناقداً بصيراً، ولا غرابة في ذلك، فقد تربّى في أحضان والده إمامِ الدنيا في عصره، فنهل من علمه واستقى من معارفه، وكتبُه مشحونةٌ بالفتاوى والمسائل المنقولة عنه، وقد جمع قتاوى والده، واختياراته الفقهية في مصنفات خاصّة.

وفي كتابه الطبقات يُكثِر من ذِكْر المسائل الفقهية المروية عن الشخصية المترجَم لها وغالباً ما يعقّب عليها، ويختار ما يراه الأصوب منها.

07 التاريخ: وأما التاريخ فحدّث ولا حرج، لقد برع التاج فيه براعة لا مثيل لها، وكان ذو اطّلاع واسع على أخبار الماضين، وأحوال السابقين، وقد أسهم التاج في هذا المجال إسهاماً عظيماً، يُثبتُ أنّه مؤرخ لا نظير له، وتعدّ مؤلفاته في الطبقات من أعظم ما دوّن في هذا المجال، إذ يستوعب فيها جوانب الشخصية المترجَم لها، ويأتي بالعجب العجاب من قصص وغرائب لهذه الشخصيات، قلّما تجده عند غيره من كُتّاب الطبقات.

(1) سيأتي الحديث عن مصنفات التاج في علم الكلام في المبحث القادم

(2)

انظر في ذلك شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب (1/ 256 - 349)

ص: 32

08 الأدب: إنّ مَن يستقرئ مصنفات التاج السبكي، لَيجدُ فيها رَصانةً في الأسلوب، ودقّةً في التعبير وذوقاً عالياً في انتقاء العبارة والكلمة فهو رجل أديب ذوّاق، وما ذلك إلا نتيجة لصحبته لأديب وفحل زمانه صلاح الدين الصفدي، حيث صحبه منذ صغره وجرت بينهما مراسلات ومساجلات أدبية وشعرية مشهورة، قال التاج السبكي:((كنت أصحبه منذ كنت دون سن البلوغ، وكان يُكاتِبني وأكاتبه، وبه رَغِبتُ في الأدب)) (1).

وقد أتقنَ التاجُ الأدبَ بقسميه: النّثر والشعر، أما النثر فيبرز في كتاباته وخاصة مقدماته في تلك الكتب، كما ويبرز فيما يصف به الشخصيات المترجَم لها في كتابه الطبقات؛ فمن ذلك ما صدّر به ترجمة إمام الحرمين الجويني بقوله: ((هو البحر وعلومه درره الفاخرة، والسماء وفوائده التي أنارت الوجود نجومها الزاهرة يَمَلّ الحديد من الحديد، وذهنه لا يَمَلّ من نصرة الدين فولاذه، وتَكِلّ الأنفس وقلمه يَسِحّ وابل دمعه ورذاذه، ويدجو الليل البهيم ولا ترى بدراً إلا وجهه في محرابه، ولا ناظراً إلا طرفه ناظراً في كتابه

هذا إلى لفظ غُرَّه سحر، إلا أنّه حِلّ وبِل، ودرّه يتيم، إلا أنّه لا يَذِل، بفصيح كَلِمٍ، قالت النحاة: هذا ما عجز عنه زيد وعمرو وخالد، وبليغ قول قالت البُلَغاء: قصّر عن مداه طريق الفصاحة والتّالد (2))) (3) اهـ.

وأما الشعر ففيه رقّةٌ وعذوبةٌ وروعةٌ قد لا تجدها عند كبار الشعراء، فمن ذلك ما كتبه إلى صديقه وحميمه الصلاح الصفدي:

يا راحلاً بِحَشا الُمقيمِ على الوفا

ما الطَّرفُ بَعدَكَ مُؤذِناً بِهُجُوعِهِ

إن غِبتَ عَنهُ فَما تَغَيَّرَ مِنه إلا

جِسمُهُ سَقَماً ولَونُ دُموعِهِ

والقَلبُ بَيتُ هَواكَ رَاحَ كأنّهُ

بَيتُ العَروضِيِّينَ مِن تِقطيعِهِ (4)

وقوله أيضاً:

ما غَيَّرَ البُعْدُ حالاً كُنتَ تَعرِفُهُ

ولا تَبَدَّلْتُ بَعدَ الذِّكْرِ نِسيانا

ولا ذَكَرْتُ جَليساً كُنتُ آلفُهُ

إلا جَعَلتُكَ فَوقَ الكُلِّ عُنوانا (5)(6)

09 النحو: علم النحو من علوم الآلة التي لا يكون الفقيه فقيهاً ولا الأصولي أصولياً إلا إذا كان ذا قدم راسخة في النحو، والتاج السبكي لم يُهمِل النحو أبداً، فقد قرأ النحو على أبي حيان الأندلسي إمام النحو في عصره بلا منازع، ويكفيه فخراً أنّه تلميذ أبي حيان في ذلك، ومن هنا تُدرِك منزلة التاج في هذا الفن.

(1) التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 6)

(2)

أي القديم الأصلي، الجوهري، الصحاح (2/ 21) مادة تلد

(3)

التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 165 - 166)

(4)

المصدر السابق (10/ 7)

(5)

التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 12)

(6)

لمزيد من الإطلاع على منزلة التاج السبكي الأدبية انظر رسالة الدكتور عوض محمد أحمد كركي المعنونة بـ ((تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى)) حيث عرض لشخصية التاج السبكي الأدبية من خلال كتابه الطبقات وبين قيمة ومنزلة التاج الأدبية من خلال أمثلة استخرجها من ثنايا تراجمه في الطبقات.

ص: 33