المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

10. «تذكرة»، ذكرها: السخاوي (1)، وحاجي خليفة (2)، … والشوكاني - منهج الدميري في كتابه حياة الحيوان

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌أما قبل

- ‌ثقافةُ كُلِّ أمَّةٍ مُستمَدَّةٌ من دِينَها»

- ‌«اختراع الخُراع

- ‌«التقليد والتبعية

- ‌ نهاية المقدمة

- ‌1) حياته الشخصية:

- ‌اسمه:

- ‌أسرته:

- ‌وفاته:

- ‌2) حياته العلمية:

- ‌أبرز شيوخه:

- ‌أبرز تلاميذه:

- ‌مكانته العلمية، وثناءُ الأئمة عليه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌عقيدته:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌ التعريف بالكتاب:

- ‌اسم الكتاب:

- ‌سبب التأليف:

- ‌مضمون الكتاب:

- ‌ثناء العلماء على الكتاب:

- ‌عدد المفردات التي تكلَّم عنها في الكتاب:

- ‌عدد مصادره:

- ‌ترتيبه:

- ‌من المخالفات النادرة في الترتيب:

- ‌التعريف بالحيوان:

- ‌الآيات القرآنية

- ‌الأحاديث المرفوعة والموقوفة

- ‌المسائل الحديثية في الكتاب

- ‌ طريقة إيراده للحديث

- ‌ طريقة تخريجه للحديث

- ‌من الملاحظات على المؤلف في تخريجه:

- ‌من أوهامه في التخريج:

- ‌ذكره الأخبار والقصص:

- ‌الشعر

- ‌الاستطرادات

- ‌العناوين الجانبية

- ‌الخواص الطبية

- ‌الصوفية أكبر من روَّج للسِّحْرِ والدَّجَل

- ‌تأويل الرؤى

- ‌ الوزغ في الرؤيا: رجلٌ معتزلي، يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف

- ‌نموذج من الكتاب:

- ‌الكتاب بحاجة إلى إعادة تحقيق

- ‌ الدراسات حول الكتاب

- ‌الخاتمة، والتوصيات

- ‌خلاصة الرأي في الكتاب:

الفصل: 10. «تذكرة»، ذكرها: السخاوي (1)، وحاجي خليفة (2)، … والشوكاني

10.

«تذكرة» ، ذكرها: السخاوي (1)، وحاجي خليفة (2)،

والشوكاني (3) وغيرهما، قال السخاوي:(له تذكرة مفيدة).

11.

«خُطَبٌ جُمْعِيَّة، ووعظية» ، ذكره ابن حجر. (4)

‌عقيدته:

الذي يظهر من خلال كتبه: «حياة الحيوان» ، و «الديباجة على سنن ابن ماجه» (5)، والنقولات في «حياة الحيوان» من كتابه الآخر:«الجوهر الفريد في علم التوحيد» أن الدميري ـ عفا الله عنه ـ أشعريٌّ صوفيٌّ، من متأخري الأشاعرة (6)، الذين جمعوا بين الأشعرية والتصوف، وله كلام

(1)«الضوء اللامع» للسخاوي (10/ 60).

(2)

«كشف الظنون» (1/ 386).

(3)

«البدر الطالع» (ص 790).

(4)

«ذيل الدرر الكامنة» (ص 177).

(5)

في «أبواب السُنَّة» في شرحه ل «باب فيما أنكرت الجهمية» ، وهو في آخر رسالة الطالب: عبدالله بن عبدالرحيم العامري، وله عليه تعقبات جميلة في المواضع التي خالف فيها أهل السنة والجماعة ـ فجزاه الله خيراً ـ والرسالة في أم القرى، ولم تُنشر.

(6)

ينظر في وصف هذه المرحلة: «الفِرَق الكلامية ـ المشبِّهة، الأشاعرة، الماتريدية ـ» أ. د. ناصر العقل (ص 56)، «النفي في باب صفات الله عز وجل بين أهل السنة والجماعة والمعطلة» لأرزقي سعيداني (ص 618 ـ 619)، «منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى» لخالد بن عبداللطيف نور (ص 162 ـ 173)،

«موقف ابن تيمية من الأشاعرة» د. عبدالرحمن المحمود (2/ 626 وما بعدها)، و

«نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية» لخالد بن علي المرضي الغامدي (ص 63).

ص: 87

يشبه قول الحلولية.

وهذه نقولاتٌ من كتابه «حياة الحيوان» :

في (1/ 137) نقل عن ابن العربي المالكي الصفات التي يثبتها

لله ـ تعالى ـ وهي سبع فقط، التي يثبتها الأشاعرة: العلم، والحياة، القدرة، الإرادة، الكلام، السمع، البصر. (ولم يتعقبه المؤلف).

وفي (1/ 697) ذكر أبا الحسن علي بن الحسن الخِلَعي، قال: وهو من أصحاب الشافعي، وقبره معروفٌ بالقرافة، والدعاء عنده مستجاب.

وفي (1/ 720) سؤال الله تعالى بجاه محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي (2/ 143) ذكر أن إمام الحرمين سُئل: هل البارئ ـ تعالى ـ في جهة؟ فقال: هو متعالٍ عن ذلك

(ولم يتعقبه المؤلف).

وفي (2/ 149) بعد نقله من الشبلي، والجنيد أقوالاً في التصوف،

ص: 88

قال: وما أحسن قول بعضهم:

وعن فنائي فنى فنائي * وفي فنائي وُجِدتَ أنْتا

في مَحْوِ اسمي ورَسْمِ جِسمي * سألتَ عني فقلتُ أنْتا

أشار سِرِّي إليك حتى * فنى فنائي ودُمتَ أنْتا

أنتَ حياتي وسِرُّ قلبي *

فحيثما كنتُ كُنتَ أنتا.

وفي (2/ 425) قال عن حديث: «إن الله جميل يحب الجمال» : أي إن كلَّ أمره سبحانه حسن وجميل، ثم نقل عن القشيري، والنووي، وإمام الحرمين.

وفي (3/ 193) عن قوله ـ تعالى ـ في تكليمه موسى عليه السلام:

{أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} (النمل: 8) نقلَ من الثعلبي: قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري: يعني قُدس من في النار. وهو الله سبحانه وتعالى، عنَى نفسَه!

وقول الثعلبي: وتأويل هذا القول: أنه كان فيها لا على سبيل تمكُّن الأجسام، بل على أنه ـ جل وعلا ـ نادى موسى عليه الصلاة والسلام وأسمعه كلامه من جهتها، وأظهر له ربوبيته من ناحيتها، فالشجرة مُظهرٌ لكلامه تعالى

ص: 89

وفي (3/ 194) [قلتُ: وكذلك إذا ذكرَ العبدُ ربَّه أو حَمِدَه، فما ذكرَ اللهَ إلا اللهُ، ولا حمِدَ اللهَ إلا اللهُ، لأنه ــ تعالى ــ ذكرَ نفسَه وحمِدَها بواسطة فِعْلِه؛ والعبدُ آلةٌ ليس لهُ شيءٌ. قال تعالى:

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}

(آل عمران: 128 (، و

قال تعالى:

{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (هود: 123 (، ففِعْلُ العَبدِ يُنسَبُ إلى الله نِسبةَ خَلْقٍ وإيجاد، قال تعالى:

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (الصافات: 96 (. ويُنسَبُ إلى العَبْدِ نِسْبةَ كَسْبٍ وإسنادٍ، ليعاقَبَ عليه أو يثاب، والله ـ تعالى ـ أعلم .... إلى أن قال:

وأما الكلامُ المسموعُ مِنَ الشَّجرةِ، فاعْلَم أنَّ مَذهبَ أهلِ الحقِّ، أنَّ اللهَ ـ تعالى ـ مُستغنٍ عن الحَدِّ، والكلامِ، والمكانِ، والجهةِ، والزمَانِ، لأنَّ ذلك مِنْ أمَاراتِ الحُدوث، وهي خَلقُهُ ومُلكُه، وهُو ــ سبحانه ــ أجلُّ وأعظمُّ مِنْ أنْ يُوصفَ بالجِهات، أو يُحدُّ بالصِّفَات، أو تُحصِيهِ الأوقات، أو تَحوِيهِ الأماكنُ والأقطَارُ.

ولما كان - جل وعلا - كذلك، استَحَالَ أنْ يُوصَفَ ذاتُه بأنَّها مُختصَّةٌ بِجِهَةٍ، أو مُتَنَقِّلة من مكان إلى مكان، أو حالَّةٍ في مكان.

ص: 90

رُوي أن موسى عليه السلام لمَّا كلَّمَهُ الله ـ تعالى ـ، سَمِعَ الكلامَ من سائرِ الجِهَات، ولَمْ يَسمَعْهُ مِنْ جِهةٍ وَاحدة، فعُلِمَ بذلك أنه كلام الله ـ تعالى ـ.

وإذا ثبتَ هذا، لم يَجُزْ أنْ يُوصَفَ ـ تعالى ـ بأنَّهُ يَحِلُّ مَوضِعَاً، أو يَنزِلُ مكاناً، كما لا يُوصَف بأنَّه جَوهَرٌ، ولا عَرضٌ، ولا يُوصَفُ كلامُه بحَرْفٍ ولا صَوتٍ، خلافاً للحنابلة الحشوية، بلْ هُو صفةٌ قائمةٌ بذاتِهِ ـ تعالى ـ، يُوصفُ بها، فينْتَفِي عنه بها آفاتِ الخُرْسِ والبُكْمِ، وما لا يَليقُ بجلاله وكماله، ولا تَقبَلُ الانفِصَال والفِرَاق بالانتقال إلى القلوب والأوراق.

وأما الإفهَامُ والإسماعُ، فيجوز أن يكونَ في مَوضِعٍ دُونَ مَوضِع، ومكانٍ دُون مكان، وحيث لم يقع إحاطةٌ ولا إدراكٌ بالوقوفِ على كُنْهِ ذاته، قال تعالى:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11) وأما الهاءُ في قوله ـ تعالى ـ: «يا موسى إنه» . فهو عِمادٌ، وليس بكِنَاية].

وفي (3/ 336) نقل عن أبي علي الدقاق وفيه تأويلٌ صفة (المحبة).

وفي (3/ 419) نقل عن الماوردي، وغيره، وعياض: تأويل صفة

(اليمين).

ص: 91

وفي (3/ 196) ساق الخلاف في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة الإسراء .... وقال: [قلتُ: رؤية الله ـ تعالى ـ في الدنيا والآخرة، جائزةٌ بالأدلة العقلية والنقلية

]

ومن عجائب المؤلف، قال في (1/ 642):[فائدة: قال ابن قتيبة في «أدب الكاتب»: (وكتاب الجَفْرِ، جِلْدُ جَفْر، كتب فيه الإمام جعفر بن محمد الصادق لآل البيت كُلَّ ما يحتاجون إلى عِلْمِه، وكلَّ ما يكون إلى يوم القيامة) وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري بقوله: فذكر البيتين].

قلتُ: وفي النقل وهمٌ، وخطأُ كبير، أما الوهم فالكلام ليس في «أدب الكاتب» ، بل هو في «تأويل مختلف الحديث» (1)، وأما الخطأ ففي طريقة النقل، حيث أن ابن قتيبة ذكره في معرض الإنكار بخلاف ما يوحي إليه نقل الدميري، وتأييده بعدَهُ ببيتين للمعَرِّي.

وعبارة ابن قتيبة رحمه الله: [وأعجبُ من هذا التفسير، تفسير الروافض للقرآن، وما يدَّعُونه من علم باطنه، بما وقع إليهم من الجَفْر

وهو جِلْدُ جفر، ادَّعو أنه كَتبَ فيه لهم الإمام كلَّ ما يحتاجون إلى عِلمه، وكل

ص: 92

ما يكون إلى يوم القيامة]. (1)

* وينظر في الرد على الاتجاه العقدي لهذه المرحلة من مراحل الأشاعرة:

1) «آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية ـ عرضٌ وتقويم في ضوء عقيدة السلف ـ» للشيخ د. محمد بن عبدالعزيز الشايع.

2) «آراء أبي الحسن السبكي الاعتقادية ـ عرضٌ وتقويم في ضوء عقيدة السلف ـ» للشيخ د. عجلان بن محمد العجلان.

وأما عن تصوفه:

فقد ذكر التقي الفاسي (2)، وعنه السخاوي (3):[أنه دُفِنَ بمقابر الصُّوفِيَّة ب «سعيد السُّعَداء»، وكان أحدَ الصوفية بها، وشاهداً في وقْفِها]. (4)

(1) المصدر السابق.

(2)

«العقد الثمين» (2/ 374).

(3)

«الضوء اللامع» (10/ 60).

(4)

لعل الشهادة كانت بعد أن نزل الأمير يلبغا السالمي في (18/ 5/797 هـ) لينظر في كتاب وقفها، ينظر:«المواعظ والاعتبار» للمقريزي (2/ 215).

ص: 93

إذن هُوَ أحدُ صُوفية الخانقاه، ويقال: الخانكاه (1)، الصلاحية، المعروفة قبلُ في الدولة الفاطمية ب «دار سعيد السعداء» (2)، وهي دويرة الصوفية بخط رحبة باب العيد في القاهرة، جُعلت لتخَلِّيهم فيها للعبادة، وَوُقِفَتْ عليهم سنة (569 هـ)(3)

(1) وهي كلمةٌ معرَّبة، أصلها فارسي، ومعناها: البيت. واستُعمل مصطلحاً لدار الصوفية، ورباطهم. وقد حدثت الخوانك: جمع خانكاه، في حدود الأربعمئة من سني الهجرة، قاله المقريزي. ينظر:«المواعظ والاعتبار» المقريزي (2/ 414)، «شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل» للخفاجي (ص 227)، «قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل» للخفاجي (1/ 449)، «معجم الألفاظ الفارسية المعربة» لآدِّي شير

(ص 58).

(2)

أصله لقبٌ للأستاذ قنبر، ويقال: عنبر، ويقال: بيان، أحد خُدَّام القصر، وعتيق الخليفة المستنصر، قُتل (سنة 544 هـ) كما في «المواعظ والاعتبار» للمقريزي (2/ 415).

(3)

أوقفها ملك مصر، الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي. وأوقف عليهم جملة من المصالح، وولَّى عليهم شيخاً، ويُلقَّب ب «شيخ الشيوخ» ، ورَتَّب لهم فيها ما يحتاجونه، وبجوار الدار ملاحق لها، من حمامات، ومقبرة، وغير ذلك. «المصدر السابق» بتصرف.

ومن هذه الدار انطلقت حملة الصوفية (سنة 707 هـ) بقيادة الآملي شيخ الصوفية بالقاهرة، ومعه ابن عطا السكندري، وجماعة نحوخَمسمِئَة رَجُلٍ، لطرد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمة الله تعالى عليه ـ من مصر، فشكوه إلى الأمير؛ لأجل كلامه في مشايخ الصوفية كابن عربي، وغيره، ومنعه بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

يُنظر: «الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون» (ص 182، 214، 477، 507، 537، 606، 653). ومَن ذُكر مِن قُوَّاد الحملة، هم من مشايخ مشايخ الدميري في الاعتقاد والتصوف، لذا لم ينقل الدميري في كتابه «حياة الحيوان» عن شيخ الإسلام ابن تيمية شيئاً، مع كثرة نقوله، ومراجعه، ولا عن تلميذه ابن القيم، إلا في موضع واحد في (3/ 36) ولم يُسمِّه، قال:(في «مفتاح دار السعادة») ونقل كلاماً في التطيُّر.

ونقل عن المجد ابن تيمية من كتابه «المحرر» ، وهوجَدُّ شيخ الإسلام، وذلك في موضعين (1/ 45) و (3/ 560).

ص: 94

وتصوفه طافحٌ في الكتاب، بألوان شتى:

في (1/ 657) قال: وإحياء الموتى كرامةٌ للأولياء، كثيرٌ لاينحصر.

وذكر أمثلة خرافية صوفية في إحياء الموتى كرامة لمشايخهم، ينظر مثلاً:

(2/ 23، 338)، و (3/ 741)، و (4/ 165).

وفي (2/ 511) قال: (الدنيا تتصور للأولياء في صورة عجوز تخدمهم، كما سيأتي)، وهو في (2/ 512).

ص: 95

وفي (2/ 70) ترجم للحَلَاّج، وذكر اختلاف الناس فيه، وحاول الاعتذار له، وأشار إلى اعتذار مَن سمَّاه:(الإمام، قطب الوجود، حجة الإسلام) يعني: الغزالي.

وفي (2/ 147) مدَحَ الحلَاّج.

قلتُ: وقد قال ابن كثير رحمه الله: (وقد اتَّفَق علماءُ بَغدَاد عَلى كُفْرِ الحَلَّاجِ وزَنْدَقَتِهِ، وأَجْمَعوا عَلى قَتْلِهِ وصَلْبِهِ، وكان عُلَماءُ بغداد إِذْ ذَاكَ هُمُ الدُّنْيَا). (1)

وترجم له الذهبي رحمه الله فأطال، ومما قال:

[قال السُّلَمي: وحُكي عنه أنه رُؤي واقفاً في الموقف، والناس في الدعاء، وهو يقول: أُنزِّهُكَ عما قرفك به عبادُك، وأبرأُ إليك مما وحَّدَك به الموحدون.

قلتُ (الذهبي): هذا عين الزندقة، فإنه تبرأ مما وحَّد الله به الموحِّدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة، فهل وحدوه تعالى إلا بكلمة الإخلاص التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قالها من قلبه فقد

(1)«البداية والنهاية» (11/ 139).

ص: 96

حرم ماله ودمه». وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، فإذا برئ الصوفي منها فهو ملعونٌ زنديقٌ، وهو صوفي الزِّي والظاهر، متستر بالنسب إلى العارفين؛ وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم منتسبون إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن مِنْ مَرَدة المنافقين، قد لايعرفهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم بهم، قال الله تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (التوبة: 101)

فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته ....

فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زَغَلُه وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا، ولا هذا، بل العدل أنَّ مَن رآه المسلمون صالحاً محسناً فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه، إذْ الأمةُ لا تجتمع على ضلالة، وأنَّ مَن رآه المسلمون فاجراً أو منافقاً أو مبطلاً، فهو كذلك، وأنَّ من كان طائفة من الأمة تُضَلِّلُه، وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة

ص: 97

تقف فيه وتتورع من الحطِّ عليه؛ فهو ممن ينبغي أن يُعرض عنه، وأن يُفوَّض أمره إلى الله، وأن يستغفر له في الجملة، لأنَّ إسلامَه أَصْلِيٌّ بيقين، وضلالَه مشكوكٌ فيه، فبهذا تستريح، ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.

ثم اعلم أنَّ أهل القبلة كلَّهم مؤمنَهم وفاسقَهم، وسُنِّيَهُم ومُبتَدِعَهم،

ـ سوى الصحابة ــ لم يُجمعوا على مُسلِمٍ بأنه سعيدٌ نَاج، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقيٌّ هالك، فهذا الصديق فردُ الأمة قد عَلِمَتَ تَفَرُّقهم فيه، وكذلك عُمر، وكذلك عثمان، وكذلك علي، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المريسي، وكذلك أحمد بن حنبل، والشافعي، والبخاري، والنسائي، وهلم جرَّاً من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا؛ فما مِنْ إمامٍ كاملٍ في الخير إلا وثَمَّ أُناسٌ مِن جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمُّونَه ويحطُّونَ عليه، وما مِن رأسٍ في البدعة والتجهم والرفض إلا ولَهُ أناس ينتصرون له ويذبون عنه ويدينون بقوله بهوى وجهل؛ وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم، فتَدَبَّر يَا عبْدَالله نِحْلَةَ الحَلَّاج الذي هو مِنْ رؤوس القرامطة، ودُعَاةِ الزندقة، وأنصف، وتورَّع، واتقِّ ذلك، وحاسب نفسك، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائلُ عَدُوِّ للإسلام، محب للرئاسة،

ص: 98

حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأَ من نِحلَته، وإن تبرهن لك

ـ والعياذ بالله ـ أنه كان ـ والحالةُ هذه ـ محِقاً هادياً مهدياً؛ فجَدِّدْ إسلامك، واستغث بربك أن يوفقك للحق، وأن يثبِّتَ قلبَك على دينه، فإنما الهُدَى نُورٌ يقذفه الله في قلب عبده المسلم، ولا قوة إلا بالله، وإن شككت ولم تعرف حقيقتَه، وتبرأت مما رُمي به، أرحت نفسك، ولم يسألْكَ اللهُ عنه أصلاً

]. انتهى المراد نقله. (1)

وفي (3/ 19) أخبارٌ وخزعبلات صوفية عن ابن الفارض

وذكر أنه كَشَفَ لأحد مريديه مكةَ، وهو في مصر، فأمره بالذهاب إليها، فوصلها في الحال .. ! ؟

وفي (2/ 424) قال: (وسُئل أبو زيد البِسْطامي ـ رحمه الله تعالى ـ عن العَارِف؟ فقال: هو أن يكون وحداني التدبير، فَرْدانيَّ المعنى، صمدانيَّ الرؤية، ربَّانيَّ القُوَّة، وحداني العيش، نُوراني العلم، خَلْدانيَّ العجائب، سَماويَّ الحديث، وَحْشِي الطلب، ملَكُوتيَّ السِّرِّ، عِندَهُ مفاتِح الغَيب، وخزائن الحكم، وجواهر القُدُس، وسُرادِقات الأبرار، فإذا جاوزَ الحدَّ،

ص: 99

وارتفع إلى أعلى، فهُو غَيرُ مُدركٍ، وحالُهُ غَيرُ موصوفٍ).

وفي (1/ 695) نقل كلاماً صوفياً من «كتاب التوحيد» لمحمد بن أبي بكر الرازي، ثم أيَّده.

وهو كثير النقل عن شيخه اليافعي الصوفي، ونقل أيضاً أذكاراً وأدعية بدعية ممَّن سمَّاه بِ:

«سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أبو الحسن الشاذلي» . (1)(2)

وفي (2/ 116) قال: (ومما حُكيَ لنا، واشتهر، ورُوِّينا بالسند الصحيح عن الشيخ العارف بالله تعالى أبي الحسن الشاذلي رحمه الله أنه قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقد باهى موسى وعيسى عليهما السلام بالإمام الغزالي، فقال لهما: في أُمتكما حَبْرٌ كهذا؟ وأشار إلى الغزالي، قالا: لا.

(1) صاحب الطريقة الصوفية والأوراد البدعية المشهورة، وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رداً عليه، وطُبع باسم «الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق» .

(2)

ينظر في النصوص الدالة على تصوفه أيضاً: [1/ 51، 121، 145، 146، 154، 368، 693، 721، 694]، [2/ 149، 151، 485، 507، 510، 606]، [3/ 41، 196، 515، 741، 742]، [4/ 541، 542].

ص: 100

ثم قال الدميري: حَسْبُك مَنْ باهى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم موسى وعيسى، وشهد له الصديقون بالصديقية العظمى). (1)

وللفائدة: فقد نقل الدميري رحمه الله (1/ 137) عن ابن عطية أن القرآن غير مخلوق، وفي (1/ 278) تكلَّم عن محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسألة خلق القرآن.

وفي (3/ 82) نقل عن الطرطوشي كلاماً حسناً في جواب مسألة عن قوم يقرأون القرآن، ويُنشدون، ويرقصون، ويضربون بالدف والشبابة.

وفي المواضع الثلاثة السابقة، لم يُعَلِّق بشئ.

(1) والدميري كثيرُ النقل جداً من كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي، وينظر في بيان مافيه من الأخطاء العقدية، والخرافات الصوفية كتاب:«الكشف عن حقيقة كتاب إحياء علوم الدين وعلاقته بالتصوف» لصلاح الطوخي، ومحمد عبدالفتاح، وهاني طنطاوي، وهو في مجلدين.

وكتاب «فجر الساهد وعون الساجد في الرد على الغزالي أبي حامد» لعبدالسلام علُّوش.

ص: 101