الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعضهم قال: نزلت في أبى عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: «الفاسق» كان يترهب في الجاهلية فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق.
وبعضهم قال: إنها في منافقي أهل الكتاب، كانوا يعرفون صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومخرجه، فلما بعثه الله- تعالى- كفروا به.
وبعضهم قال: إنها نزلت لتحكى قصة رجل من علماء اليهود اسمه بلعم ابن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله ثم انسلخ منها بأن كفر بها ونبذها بعد أن رشاه اليهود.
والذي نراه أن الرأى الأول الذي عليه المحققون من المفسرين هو الراجح، وأن هؤلاء الذين ذكروا يندرجون تحته، لأنه لم يرد نص صحيح يعين اسم الذي وردت الآيات في حقه، فوجب أن نحملها على أنها وارد في شأن كل من علم الحق فأعرض عنه واتبع هواه.
ثم يعقب القرآن على هذا المثل ببيان أن الهداية والضلال من الله وأن هناك أقواما من الجن والإنس قد خلقوا لجهنم بسبب إيثارهم طريق الشر على طريق الخير قال- تعالى-:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179)
قوله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي أى: من يوفقه الله- تعالى- إلى سلوك طريق الهدى باستعمال عقله وحواسه بمقتضى سنة الفطرة فهو المهتدى حقا، الواصل إلى رضوان الله صدقا.
وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أى: ومن يخذله- سبحانه- بالحرمان من هذا التوفيق بسبب إيثاره السير في طريق الهوى والشيطان على طريق الهدى والإيمان، فأولئك هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم.
وأفرد- سبحانه- المهتدى في الجملة الأولى مراعاة للفظ مَنْ، وجمع الخاسرين في الثانية مراعاة لمعناها فإنها من صيغ العموم.
وحكمة إفراد المهتدى للإشارة إلى أن الحق واحد لا يتعدد ولا يتنوع، وحكمة جمع الثاني وهو قوله الْخاسِرُونَ للإشارة إلى تعدد أنواع الضلال، وتنوع وسائله وأساليبه.
وقوله وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف مقرر لمضمون ما قبله ومفصل له.
و «الذرء» الخلق. يقال: ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذرءا، أى: خلقهم. واللام في لِجَهَنَّمَ للعاقبة والصيرورة.
أى: ولقد خلقنا لدخول جهنم والتعذيب بها كثيرا من الجن والانس وهم الكفار المعرضون عن الآيات وتدبرها، الذين علم الله منهم أزلا اختيارهم الكفر فشاءه منهم وخلقه فيهم وجعل مصيرهم النار لذلك.
ثم بين- سبحانه- صفاتهم التي أدت بهم إلى هذا المصير السيئ فقال. لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها أى: لا يفقهون بها الآيات الهادية إلى الكمالات مع أن دلائل الإيمان مبثوثة في ثنايا الكون تدركها القلوب المتفتحة، والبصائر المستنيرة.
وجملة لَهُمْ قُلُوبٌ في محل نصب صفة أخرى لقوله كَثِيراً وجملة لا يَفْقَهُونَ بِها في محل رفع صفة لقلوب.
وقوله وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها أى: لهم أعين لا يبصرون بها ما في هذا الكون من براهين تشهد بوحدانية الله، مع أنها معروضة للأبصار مكشوفة للأنظار، فهم كما قال- تعالى-، وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ فهم لهم أعين ترى وتبصر ولكن بدون تأمل أو اعتبار، فكأن وجودها وعدمه سواء.
وقوله وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أى: لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، أى أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا للهداية.
(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 179.