المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

عبادة الأصنام على عبادة الخالق- عز وجل وغير ذلك من أنواع كفرهم ومعاصيهم، واستمع إلى القرآن وهو يحكى لونا من رذائلهم فيقول:

[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

إن هذه الآيات تحكى قصة عجيبة لبنى إسرائيل ملخصها: أنهم بعد أن خرجوا من مصر بقيادة موسى- عليه السلام تبعهم فرعون وجنوده ليعيدوهم إليها، إلا أن الله- تعالى- انتقم لهم من فرعون وجنده فأغرقهم أمام أعينهم وسار بنو إسرائيل نحو المشرق متجهين إلى الأرض المقدسة بعد أن عبروا البحر، ولكنهم ما إن جاوزوا البحر الذي غرق فيه عدوهم والذي ما زالت رماله الرطبة عالقة بنعالهم، حتى وقعت أبصارهم على قوم يعبدون الأصنام، فماذا كان من بنى إسرائيل؟.

كان منهم أن عاودتهم طبيعتهم الوثنية، فطلبوا من نبيهم موسى- عليه السلام الذي جاء لهدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من ظلم أن يصنع لهم آلهة من جنس الآلهة التي يعبدها أولئك القوم.

وهنا غضب عليهم موسى غضبا شديدا. ووصفهم بأنهم قوم يجهلون الحق، وبين لهم فساد ما عليه المشركون، وذكرهم بما حباهم الله- تعالى- به من نعم جزيلة، يوجب عليهم إفراده بالخضوع والعبادة والطاعة والشكر.

ص: 364

وقوله- تعالى- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ بيان للمنة العظيمة التي منحهم الله إياها، وهي عبورهم البحر بعد أن ضربه موسى بعصاه، فأصبح طريقا يابسا يسيرون فيه بأمان واطمئنان حتى عبروه إلى الناحية الأخرى، يصحبهم لطف الله، وتحدوهم عنايته ورعايته.

وجاوز بمعنى أصل الفعل الذي هو جاز، أى: قطعنا بهم البحر. يقال: جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره.

والمراد بالبحر: بحر القلزم وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر.

وقوله تعالى فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ بيان لما شاهدوه من أحوال بعض المشركين عقب عبورهم البحر ونجاتهم من عدوهم، فماذا كانت نتيجة هذه المشاهدة؟ لقد كان المتوقع منهم أن يحتقروا ما شاهدوه، وأن ينفروا مما أبصروه، لأن العهد لم يطل بهم منذ أن كانوا يسامون سوء العذاب في ظل عبادة الأصنام عند فرعون وقومه، ولأن نجاتهم مما كانوا فيه من ذل وهوان، قد تمت على يد نبيهم الذي دعاهم إلى توحيد الله- تعالى- لكي يزيدهم من فضله.

ولكن طبيعة بنى إسرائيل المعوجة لم تفارقهم، فها هم أولاء ما إن وقعت أبصارهم على قوم يعكفون ويداومون على عبادة أصنام لهم «1» ، حتى انجذبوا إليها وطلبوا من نبيهم الذي جاء لهدايتهم، أن يجعل لهم وثنا كغيرهم لكي يعبدوه من جديد. لقد حكى القرآن عنهم أنهم عند ما شاهدوا هذا المنظر، ما لبثوا أن قالوا لنبيهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.

قالوا ذلك لأن الإيمان لم يستقر في قلوبهم، ولأن ما ألفوه من عبادة الأصنام أيام استعباد فرعون لهم، ما زال متمكنا من نفوسهم، ومسيطرا على عقولهم، وهكذا عدوى الأمراض تصيب النفوس كما تصيب الأبدان، وهكذا طبيعة بنى إسرائيل ما تكاد تهتدى حتى تضل، وما تكاد ترتفع حتى تنحط وما تكاد تسير في طريق الاستقامة حتى ترتكس وتنتكس.

وفي قولهم لنبيهم اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ بصيغة الأمر أكبر دليل على غباء عقولهم، وسوء أدبهم لأنهم لو استأذنوه- مثلا- في اتخاذ صنم يعبدونه كغيرهم لكان شأنهم أقل غرابة ولكن الذي حصل منهم أنهم طلبوا منه- وهو نبيهم الداعي لهم إلى توحيد الله تعالى والمنقذ لهم من عدوهم الوثني الجبار- أن يقوم هو بنفسه بصناعة صنم لكي يعبدوه كغيرهم!!.

(1) اختلف المفسرون في شأن القوم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم عند مرور بنى إسرائيل بهم، فقيل هم من عرب لخم. وقيل هم من لخم وجذام. وقيل كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى- قومه بقتالهم، وقيل إنهم من العرب الذين كانوا يقيمون بقرب حدود مصر.

ص: 365

قال القرطبي: ونظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط- لأنهم كانوا ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه- وكان الكفار يعظمون هذه الشجرة في كل سنة يوما، قال الأعراب: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة «1» حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه» وكان هذا في مخرجه إلى حنين «2» .

ولقد غضب موسى- عليه السلام من طلبهم هذا- وهو الغضوب بطبيعته لربه ودينه- فرد عليهم ردا قويا فيه توبيخ لهم وتعجب من قولهم بعد أن رأوا من المعجزات ما رأوا فقال:

إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أى: إنكم يا بنى إسرائيل بطلبكم هذا برهنتم على أنكم قوم قد ملأ الجهل قلوبكم، وغطى على عقولكم، فصرتم لا تفرقون بين ما عليه هؤلاء من ضلال مبين، وبين ما تستحقه الألوهية من صفات وتعظيم ولم يقيد ما يجهلونه ليفيد أنه جهل كامل شامل يتناول فقد العلم، وسفه النفس، وفساد العقل. وسوء التقدير.

وبعد أن كشف لهم سوء حالهم، وفرط جهالاتهم، بين لهم فساد ما طلبوه في ذاته، وقبح عاقبة من أرادوا تقليدهم، فقال لهم بأسلوب الاستئناف المفيد للتعليل إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

متبر: من التتبير بمعنى الإهلاك أو التكسير والتحطيم يقال: تبره يتبره وتبره أى أهلكه ودمره.

أى: إن هؤلاء الذين تبغون تقليدهم في عبادة الأوثان، محكوم على ما هم فيه بالدمار، ومقضي على ما يعملونه من عبادة الأصنام بالاضمحلال والزوال لأن دين التوحيد سيظهر في هذه الديار، وستصير العبادة لله الواحد القهار.

وبهذا الرد يكون موسى- عليه السلام قد كشف لقومه عن سوء ما يطلبون، وصرح لهم بأن مصير ما يبغونه إلى الهلاك والتدمير.

قال الإمام الرازي: (والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من عبادة ذلك العجل نفع ولا دفع ضرر، وتحقيق القول في هذا الباب أن المقصود من العبادة أن تصير المواظبة على تلك الأعمال سببا لاستحكام ذكر الله تعالى في القلب حتى تصير الروح سعيدة بحصول تلك المعرفة فيها، فإذا اشتغل الإنسان بعبادة غير الله تعلق قلبه بغيره، ويصير ذلك التعلق سببا

(1) القذة: ريش السهم. قال ابن الأثير: يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. [.....]

(2)

تفسير القرطبي ج 7 ص 273.

ص: 366

لإعراض القلب عن ذكره تعالى. وإذا ثبت هذا التحقيق ظهر أن الاشتغال بعبادة غير الله متبر وباطل وضائع. وسعى في تحصيل ضد هذا الشيء ونقيضه، لأنا بينا أن المقصود من العبادة رسوخ معرفة الله- تعالى- في القلب. والاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفته عن القلب، فكان هذا ضد الغرض ونقيضا للمطلوب- والله أعلم-) «1» .

ثم مضى موسى- عليه السلام يستنكر عليهم هذا الطلب، ويبين لهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة فقال: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.

أى قال موسى- عليه السلام مذكرا قومه بنعم الله عليهم الموجبة لإفراده بالعبادة والخضوع:

أغير الله أطلب لكم معبودا أحملكم على العبودية له، وهو فضلكم على عالمي زمانكم، وقد كان الواجب عليكم أى تخصوه بالعبادة، كما اختصكم هو بشتى النعم الجليلة. فالاستفهام في الآية الكريمة للإنكار المشرب معنى التعجب لابتغائهم معبودا سوى الله- تعالى- الذي غمرهم بنعمه، وأحاطهم بألوان إحسانه.

و «غير» كما قال الجمل- منصوب على أنه مفعول به لأبغيكم على حذف اللام والتقدير:

أأبغي لكم غير الله إلها، فلما حذف الحرف وصل الفعل بنفسه وهو غير منقاس. و «إلها» تمييز لغير.

ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة إنجائهم من العذاب والتنكيل، ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون، فقال تعالى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.

«إذ» بمعنى وقت، وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أى: اذكروا وقت أن أنجيناكم من آل فرعون. والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث.

وآل الرجل: أهله وخاصته وأتباعه. ويطلق غالبا على أولى الشأن والخطر من الناس، فلا يقال آل الحجام أو الإسكاف.

ويَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يبغون لكم أشد العذاب وأفظعه من السوم وهو مطلق الذهاب، أو الذهاب في ابتغاء الشيء. يقال: سامت الإبل فهي سائمة، أى ذهبت إلى المرعى. وسام السلعة، إذا طلبها وابتغاها.

والسوء- بالضم- كل ما يحزن الإنسان ويغمه من الأمور الدنيوية أو الأخروية.

ويستحيون: أى يستبقون. يقال: استحياه أى: استبقاه، وأصله: طلب له الحياة والبقاء.

(1) تفسير الرازي ج 4 ص 291.

ص: 367

والبلاء: الامتحان والاختبار ويكون بالخير والشر.

والمعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا وتشكروا الله على نعمه وقت أن أنجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم، ويستبقون نفوس نسائكم ليستخدموهن ويستذلوهن. وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان لكم لتشكروا الله على نعمه، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الإذلال في الدنيا، والعذاب في الأخرى.

وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه، مع أنه هو الآمر بتعذيب بنى إسرائيل، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا له على إذاقتهم سوء العذاب، وفي إنزال ألوان الأذلال بهم.

وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل- مع أنه في ظاهره نعمة لهم- لأن هذا الإبقاء على النساء كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن، واستعمالهن في شتى أنواع الخدمة، وإذلالهن بالاسترقاق، فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة، والطباع الحرة الأبية.

قال الامام الرازي ما ملخصه: في قتل الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:

أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال، وذلك يقضى انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا.

ثانيها: أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة.

فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها الرجال. لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد.

ثالثها: ان قتل الولد عقب الحمل الطويل، وتحمل الكد، والرجاء القوى في الانتفاع به من أعظم العذاب. فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة.

رابعا: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء. وذلك نهاية الذل والهوان «1» .

وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا الأطفال لا البالغين، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 385.

ص: 368