المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

قال الإمام ابن كثير: تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات وفي روضات الجنات» «1» .

أما المعتزلة فيمنعون رؤية المؤمنين لله- تعالى في الآخرة، واستدلوا فيما استدلوا بهذه الآية، وقالوا: إن الإدراك المضاف إلى الأبصار إنما هو الرؤية ولا فرق بين ما أدركته ببصرى ورأيته إلا في اللفظ.

والذي نراه أن رأى أهل السنة أقوى لأن ظواهر النصوص تؤيدهم ولا مجال هنا لبسط حجج كل فريق، فقد تكفلت بذلك كتب علم الكلام «2» .

وقوله وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ أى: وهو يدرك القوة التي تدرك بها المبصرات. ويحيط بها علما، إذ هو خالق القوى والحواس.

وقوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أى: هو الذي يعامل عباده باللطف والرأفة وهو العليم بدقائق الأمور وجلياتها.

ثم أخذ القرآن في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي تسليته. وفي مدح ما جاء به من هدايات فقال- تعالى-:

[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 161.

(2)

راجع تفسير القاسمى ج 6 ص 2446 وما بعدها.

ص: 148

قوله قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ البصائر: جمع بصيرة، وهي للقلب بمنزلة البصر للعين، فهي النور الذي يبصر به القلب، كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين.

والمراد بها آيات القرآن ودلائله التي يفرق بها بين الهدى والضلالة. أى: قد جاءكم أيها الناس من ربكم وخالقكم هذا القرآن بآياته وحججه وهداياته لكي تميزوا بين الحق والباطل، وتتبعوا الصراط المستقيم.

وإطلاق البصائر على هذه الآيات من إطلاق اسم المسبب على السبب.

وقوله: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها أى: فمن أبصر الحق وعلمه بواسطة تلك البصائر وآمن به فلنفسه أبصر وإياها نفع، ولسعادتها ما قدم من ألوان الخير، ومن عمى عن الحق وجهله بإعراضه عن هذه البصائر فعلى نفسه وحدها جنى وإياها ضرب العمى وهذا كقوله- تعالى-: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها وقوله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها.

واختتمت الآية بقوله وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أى: وما أنا عليكم برقيب أحصى عليكم أعمالكم، وأحفظكم من الضلال، وإنما أنا علىّ البلاغ والله وحده هو الذي يحصى عليكم أعمالكم ويجازيكم عليها بما تستحقون.

وقوله: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أى: وكما فصلنا الآيات الدالة على التوحيد في هذه السورة تفصيلا بديعا محكما نفصل الآيات ونبينها وننوعها في كل موطن لتقوم على الجاحدين الحجة، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم.

ص: 149

وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ يقال درس الكتاب يدرسه دراسة إذا أكثر قراءته وذلك للحفظ. وأصله من درس الحنطة يدرسها درسا ودراسا إذا داسها، فكأن التالي يدوس الكلام فيخفف على لسانه.

والمعنى: وليقول المشركون في الرد عليك: إنك يا محمد قد قرأت الكتب على أهل الكتاب وتعلمت منهم، وحفظت عن طريق الدراسة أخبار من مضى، ثم جئتنا بعد كل ذلك تزعم أن ما جئت به من عند الله، وما هو من عند الله.

وقد حكى القرآن في مواضع كثيرة التهم الباطلة التي وجهها المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله- تعالى-:

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا «1» .

قال ابن عباس: وَلِيَقُولُوا يعنى: أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن دَرَسْتَ يعنى:

تعلمت من يسار وخير- وكانا عبدين من سبى الروم- ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله.

وقال الفراء: معناه، تعلمت من اليهود لأنهم كانوا معروفين عند أهل مكة بالعلم والمعرفة.

وقرئ (دارست) - بالألف وفتح التاء- أى: دارست غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية كأهل الكتاب، من المدارسة بين الإثنين، أى: قرأت عليهم وقرءوا عليك.

قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ.

وقرئ- أيضا- (درست) - بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء- أى: وليقولوا مضت وقدمت وتكررت على الأسماع، وقد حكى القرآن أنهم قالوا أساطير الأولين قال- تعالى- حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

وهذه القراءات الثلاث متواترة وهناك قراءات أخرى شاذة لا مجال لذكرها هنا.

وقوله: وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أى: ولنبين ونوضح هذا القرآن لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه، فهم المنتفعون به دون سواهم.

فالضمير في وَلِنُبَيِّنَهُ يعود إلى القرآن لكونه معلوما وإن لم يجر له ذكر، وقيل: يعود إلى الآيات لأنها في معنى القرآن.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين اللامين في وَلِيَقُولُوا ولِنُبَيِّنَهُ؟

(1) سورة الفرقان آية 4، 5.

ص: 150

قلت: الفرق بينهما أن الأول مجاز والثانية حقيقة، وذلك لأن الآيات صرفت للنبيين ولم تصرف ليقولوا درست، ولكن لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل للنبيين شبه به فسيق مساقه» .

ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستمر في دعوته دون أن يعول على تعنت المشركين فقال- تعالى- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.

أى عليك يا محمد أن تداوم على تبليغ رسالتك، متبعا في ذلك ما أوحاه إليك ربك الذي لا إله إلا هو من آيات وهدايات، معرضا عن المشركين الذين يفترون على الله الكذب وهم يعلمون.

وجملة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ معترضة لتأكيد إيجاب الاتباع، أو حال مؤكدة لقوله «من ربك» بمعنى: منفردا في الألوهية.

ثم هون عليه أمر إعراضهم فقال- تعالى- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا. أى: ولو شاء الله عدم إشراكهم لما أشركوا، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك لأنه جرت سنته برعاية الاستعدادات.

قال الآلوسى: وهذا دليل أهل السنة على أنه تعالى- لا يريد إيمان الكافر لكن لا بمعنى أنه يمنعه عنه مع توجهه إليه، ولكن بمعنى أنه- تعالى- لا يريده منه لسوء اختياره الناشئ من سوء استعداده» «2» .

وقوله وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أى: وما جعلناك عليهم حفيظا يحفظ عليهم أعمالهم لتحاسبهم وتجازيهم عليها وما أنت عليهم بوكيل تدبر عليهم أمورهم وتتصرف فيها، وإنما أنت وظيفتك التبليغ قال- تعالى- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ وقال- تعالى- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ.

ثم أرشد الله المؤمنين إلى مكارم الأخلاق، فنهاهم عن سب آلهة المشركين حتى لا يقابلهم المشركون بالمثل فقال- تعالى-: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

السب: الشتم الوضيع وذكر مساوئ الغير لمجرد التحقير والإهانة.

وعدوا: مصدر بمعنى العدوان والظلم والتجاوز من الحق إلى الباطل وهو مفعول مطلق

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 55.

(2)

تفسير الآلوسى ج 7 ص 250.

ص: 151

«لتسبوا» . من معناه، لأن السب عدوان، وقيل هو حال من ضمير فَيَسُبُّوا مؤكدة لمضمون الجملة وكذلك قوله بِغَيْرِ عِلْمٍ.

والمعنى: ولا تسبوا ايها المؤمنون آلهة المشركين الباطلة فيترتب على ذلك أن يسب المشركون معبودكم الحق جهلا منهم وضلالا.

قال الآلوسى: ومعنى سبهم لله- تعالى- إفضاء كلامهم إليه كشتمهم له صلى الله عليه وسلم ولمن يأمره وقد فسر بِغَيْرِ عِلْمٍ بذلك أى: فيسبوا الله- تعالى- بغير علم أنهم يسبونه وإلا فالقوم كانوا يقرون بالله- تعالى- وعظمته وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء لهم عنده- سبحانه- فكيف يسبونه؟ ويحتمل أن يراد سبهم له- عز وجل صراحة ولا إشكال بناء على أن الغضب والغيظ قد يحملهم على ذلك، ألا ترى أن المسلم قد تحمله شدة غيظه على التكلم بالكفر! ومما شاهدناه أن بعض جهلة العوام رأى بعض الرافضة يسب الشيخين- أبا بكر وعمر- فغاظه ذلك جدا فسب عليا- كرم الله وجهه- فسئل عن ذلك فقال: ما أردت إلا إغاظتهم ولم أر شيئا يغيظهم مثل ذلك فاستتيب عن هذا الجهل العظيم» «1» .

وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما رواه معمر عن قتادة قال. كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيسب الكفار الله عدوا بغير علم فنزلت» «2» .

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: سب الآلهة الباطلة حق وطاعة فكيف صح النهى عنه وإنما يصح النهى عن المعاصي؟ قلت رب طاعة علم أنها تؤدى إلى مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة فيجب النهى عنها لأنها معصية لا لأنها طاعة. كالنهى عن المنكر هو من أجل الطاعات، فإذا علم أنه يؤدى إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية ووجب النهى عن ذلك كما يجب النهى عن المنكر» «3» .

وقال الشيخ القاسمى: قال ابن الفارس في الآية: إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم أن يسبوا الله أو رسوله أو القرآن لم يجز أن يسبوا آلهتهم ولا دينهم، وهذا أصل في سد الذرائع» .

وقال السيوطي: «وقد يستدل بها على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى وكذا كل مفعول مطلوب ترتب على فعله مفسدة أقوى من مفسدة تركه» .

(1) تفسير الآلوسى ج 7 ص 451.

(2)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 164.

(3)

تفسير الكشاف ج 1 ص 56.

ص: 152

وقال الحاكم: نهوا عن سب الأصنام لوجهين:

أحدهما: أنها جماد لا ذنب لها.

والثاني: أن ذلك يؤدى إلى المعصية بسب الله- تعالى-. والذي يجب علينا إنما هو بيان بغضها وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تستحق العبادة، وهذا ليس بسب. ولهذا قال أمير المؤمنين على- يوم صفين- «لا تسبوهم ولكن اذكروا قبيح أفعالهم» «1» .

وقال بعض العلماء: ووجه النهى عن سب أصنامهم هو أن السب لا تترتب عليه مصلحة دينية، لأن المقصود من الدعوة هو الاستدلال على إبطال الشرك وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله- تعالى- فذلك الذي يتميز به المحق من المبطل، فأما السب فإنه مقدور للمحق وللمبطل فيظهر بمظهر التساوي بينهما، وربما استطاع المبطل بوقاحته وفحشه ما لا يستطيعه المحق، فيلوح للناس أنه تغلب على المحق. على أن سب آلهتهم لما كان يحمى غيظهم ويزيد تصلبهم صار منافيا لمراد الله من الدعوة فقد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وأصبح هذا السب متمحضا للمفسدة وليس مشوبا بمصلحة، وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة، لأن تغيير المنكر مصلحة بالذات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض. وذلك مجال تتردد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوة وضعفا وتحققا واحتمالا، وكذلك القول في تعارض المصالح والمفاسد كلها «2» .

وهذه الآية الكريمة ليست منسوخة بآية السيف- كما قيل- وإنما هي محكمة ولذا قال القرطبي: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله- تعالى- فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدى إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية» «3» .

وقوله كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ.

التزيين تفعيل من الزين وهو الحسن.

والمعنى: مثل ذلك التزيين الذي حمل المشركين على الدفاع عن عقائدهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، زينا لكل أمة من الأمم عملهم، من الخير والشر والإيمان والكفر، فقد مضت سننا في أخلاق البشر أن يستحسنوا ما تعودوه، وأن يتعلقوا بما ألفوه.

(1) تفسير القاسمى ج 6 ص 2463.

(2)

تفسير التحرير والتنوير ج 7 ص 430 للشيخ محمد بن عاشور.

(3)

تفسير القرطبي ج 7 ص 60.

ص: 153

وقيل: المراد بكل أمة أمم الفكر لأن الكلام فيهم. والمراد بعملهم. شرورهم ومفاسدهم.

والمشبه به تزيين سب الله- تعالى- لهم.

أى: كما زينا لهؤلاء المشركين سوء أعمالهم زينا لكل أمة من الأمم الماضية على الضلال عملهم السيئ.

قال الآلوسى: «وقد استدل بالآية على أنه- تعالى- هو الذي زين للكافر كفره كما زين للمؤمن إيمانه. وأنكر ذلك المعتزلة فتأولوا الآية بما لا يخفى ضعفه» .

وقال صاحب المنار: فظهر بهذا التزيين أثر لأعمال اختيارية لا جبر فيها ولا إكراه وليس المراد به أن الله خلق في قلوب بعض الأمم تزيينا للكفر والشر، وفي قلوب بعضها الآخر تزيينا للإيمان والخير خلقا ابتدائيا من غير أن يكون لهم عمل اختياري نشأ عنه ذلك، إذ لو كان الأمر كما ذكر لكان الإيمان والكفر والخير والشر من الغرائب الخلقية التي تعد الدعوة إليها والترغيب فيها وما يقابلهما من النهى والترهيب عنها من العبث الذي يتنزه الله عن إرسال الرسل وإنزال الكتب لأجله. وقد غفلت المعتزلة عن هذا التحقيق فأول بعضهم الآية بأنها خاصة بالمؤمنين الذين زين الله في قلوبهم الإيمان، وبعضهم بغير ذلك» «1» .

ثم ختم الله- تعالى- الآية بقوله: ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أى:

ثم إلى ربهم أمورهم ورجوعهم ومصيرهم بعد البعث، فيخبرهم من غير تسويف أو تأخير بما كانوا يعملونه في الدنيا، ويجازيهم على ذلك بما يستحقونه. وفي هذه الجملة الكريمة تهديد وتوبيخ لأولئك المشركين الذين تجاسروا على مقام الله، وزين لهم سوء أعمالهم فرأوه حسنا.

ثم حكى القرآن بعض المقترحات المتعنتة التي كان يقترحها المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ.

الجهد: الوسع والطاقة من جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها فيه.

وهو مصدر في موضع الحال.

أى: وأقسم أولئك المشركون بالله مجتهدين في أيمانهم، مؤكدين إياها بأقصى ألوان التأكيد، معلنين أنهم لئن جاءتهم آية من الآيات الكونية التي اقترحوها عليك يا محمد ليؤمنن بها أنها من عند الله وأنك صادق فيما تبلغه عن ربك.

وقد لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم الرد المفحم لهم فقال: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ.

أى: قل لهم يا محمد إن هذه الآيات التي اقترحتموها تعنتا وعنادا مردها إلى الله، فهو وحده

(1) تفسير المنار ج 7 ص 669.

ص: 154

القادر عليها والمتصرف فيها حسب مشيئته وحكمته، إن شاء أنزلها وإن شاء منعها، أما أنا فليس ذلك إلىّ.

أخرج ابن جرير- بسنده- عن محمد بن كعب القرظي قال: كلم نفر من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له، يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصا ضرب بها الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا أن عيسى كان يحيى الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا بآية من هذه الآيات حتى نصدقك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أى شيء تحبون أن آتيكم به» ؟ قالوا، تجعل لنا الصفا ذهبا، فقال لهم «فإن فعلت تصدقوني» ؟ قالوا نعم. والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل فقال، إن شئت أصبح الصفا ذهبا على أن يعذبهم الله إذا لم يؤمنوا، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم، فقال صلى الله عليه وسلم «بل أتركهم حتى يتوب تائبهم» ، فأنزل الله- تعالى- قوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ. إلى قوله وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ «1» .

وقوله: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ.

أى: وما يدريكم أيها المؤمنون الراغبون في إنزال هذه الآيات طمعا في إسلام هؤلاء المشركين أنها إذا جاءت لا يؤمنون أى: إذا جاءت هذه الآيات فأنا أعلم أنهم لا يؤمنون وأنتم لا تعلمون ذلك ولذا توقعتم إيمانهم ورغبتم في نزول الآيات.

فالخطاب هنا للمؤمنين، والاستفهام في معنى النفي، وهو إخبار عنهم بعدم العلم وليس للإنكار عليهم.

أى: إنكم أيها المؤمنون ليس عندكم شيء من أسباب الشعور بهذا الأمر الغيبى الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب وهو أنهم لا يؤمنون إن جاءتهم الآيات التي يقترحونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنتا وجهلا.

قال صاحب الكشاف: وَما يُشْعِرُكُمْ وما يدريكم أَنَّها أى الآية التي تقترحونها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ يعنى أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تدرون بذلك، وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها، فقال- عز وجل وما يدريكم أنهم لا يؤمنون، وقيل: إنها بمعنى «لعل» من قول العرب: ائت السوق أنك تشترى حمارا.

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 164. [.....]

ص: 155

وقال امرؤ القيس.

عوجا على الطلل المحيل لأننا

نبكي الديار كما بكى ابن خذام

أى: لعلنا نبكي الديار.

وقرئ بكسر «إنها» على أن الكلام قد تم قبله بمعنى: وما يشعركم ما يكون منهم؟ ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون البتة» «1» .

وقوله وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ معطوف على لا يُؤْمِنُونَ وداخل معه في حكم وَما يُشْعِرُكُمْ مقيد بما قيد به.

أى: وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفقهونه، وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه، كشأنهم في عدم إيمانهم بما جاءهم أول مرة من آيات. وهدايات على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقترحوا عليه تلك المقترحات الباطلة.

إنكم أيها المؤمنون لا تدرون ذلك ولا تشعرون به لأن علمه عند الله وحده.

قال الآلوسى: وهذا التقليب ليس مع توجه الأفئدة والأبصار إلى الحق واستعدادها له، بل لكمال نبوها عنه وإعراضها بالكلية، ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم إشعارا بأصالتهم في الكفر، وحسما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشئ من تقليبه- تعالى- مشاعرهم بطريق الإجبار» «2» .

وقوله وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ معطوف على لا يُؤْمِنُونَ.

والعمه: التردد في الأمر مع الحيرة فيه، يقال: عمه- كفرح ومنع- عمها إذا تردد وتحير.

أى: ونتركهم في تجاوزهم الحد في العصيان يترددون متحيرين، لا يعرفون لهم طريقا، ولا يهتدون إلى سبيل.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المشركين الذين يزعمون أنهم لو جاءتهم آية ليؤمنن بها كاذبون في أيمانهم الفاجرة، فقال- تعالى-:

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 57.

(2)

تفسير الآلوسى ج 7 ص 255.

ص: 156