الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد بين يدي السورة
1-
سورة الأعراف هي السورة السابعة في الترتيب المصحفى، وهي أطول سورة مكية في القرآن الكريم، وعدد آياتها ست ومائتا آية.
والرأى الراجح عند العلماء أنها جميعها مكية، وقيل إن الآيات من 163- 170 مدنية، وكان نزولها بعد سورة «ص» .
2-
ومناسبتها لسورة الأنعام التي قبلها أن سورة الأعراف تعتبر كالتفصيل لها، فإن سورة الأنعام قد تكلمت عن أصول العقائد وكليات الدين كلاما إجماليا، ثم جاءت سورة الأعراف فكانت كالشرح والتفصيل لذلك الإجمال، خصوصا فيما يتعلق بقصص الأنبياء مع أقوامهم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
3-
مقاصدها ومميزاتها: وقد اشتملت سورة الأعراف على المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها السور المكية، كإقامة الأدلة على وحدانية الله، وعلى صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أن يوم القيامة حق.. إلخ.
والذي يتأمل هذه السورة الكريمة يراها تهتم بعرض الحقائق في أسلوبين بارزين فيها، أحدهما أسلوب التذكير بالنعم، والآخر أسلوب التخويف من العذاب والنقم.
أما أسلوب التذكير بالنعم فتراه واضحا في لفتها لأنظار الناس إلى ما يلمسونه ويحسونه من نعمة تمكينهم في الأرض، ونعمة خلقهم وتصويرهم في أحسن تقويم، ونعمة تمتع الإنسان بما في هذا الكون من خيرات سخرها الله له.
وأما أسلوب التخويف بالعذاب فالسورة الكريمة زاخرة به، تلمس ذلك في قصص نوح، وهود، وصالح. ولوط، وشعيب، وموسى- عليهم السلام مع أقوامهم.
وقد استغرق هذا القصص أكثر من نصفها، وقد ساقت لنا السورة الكريمة ما دار بين الأنبياء وبين أقوامهم، وما آل إليه أمر أولئك الأقوام الذين لم يستجيبوا لنصائح المرسلين إليهم.
4-
عرض إجمالى لها: ونحن عند ما نستعرض سورة الأعراف نراها في الربع الأول منها تطالعنا بالحديث عن عظمة القرآن وتأمرنا باتباعه، وتحذرنا من مخالفته، وتحثنا على المسارعة إلى العمل الصالح الذي تثقل به موازيننا يوم القيامة.
قال تعالى: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ.
ثم ساقت لنا بأسلوب منطقي بليغ قصة آدم مع إبليس، وكيف أن إبليس قد خدعه بأن أغراه بالأكل من الشجرة المحرمة، فلما أكل منها هو وزوجه.
بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.
ثم وجهت إلى بنى آدم نداء في أواخر هذا الربع نهتهم فيه عن الاستجابة لوسوسة الشيطان.
قال تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما، إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.
وفي الربع الثاني منها نراها تأمرنا بأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، وتخبرنا بأن الله- تعالى-، قد أباح لنا أن نتمتع بالطيبات التي أحلها لنا، وتبشرنا بحسن العاقبة متى اتبعنا الرسل الذين أرسلهم الله لهدايتنا، ثم تسوق لنا في بضع آيات عاقبة المكذبين لرسل الله، وكيف أن كل أمة من أمم الكفر عند ما تقف بين يدي الله للحساب تلعن أختها.
قال تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها، حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ، قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.
ثم تبين السورة بعد ذلك عاقبة المؤمنين فتقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وفي أواخر هذا الربع وفي أوائل الربع الثالث منها نراها تسوق لنا تلك المحاورات التي تدور بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وتحكى لنا ما يحصل بينهم من نداءات ومجادلات، تنتهي بأن يقول أصحاب النار لأصحاب الجنة على سبيل التذلل والتوسل: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.
فيجيبهم أصحاب الجنة: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ. الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا.
ثم تسوق لنا السورة بعد ذلك جانبا من مظاهر نعم الله على خلقه، وتدعونا إلى شكره عليها لكي يزيدنا من فضله.
وفي الربع الرابع منها وكذلك في أواخر الثالث، تحدثنا السورة الكريمة عن قصة نوح مع قومه، ثم عن قصة هود مع قومه، ثم عن قصة صالح مع قومه، ثم عن قصة لوط مع قومه، ثم عن قصة شعيب مع قومه. ولقد ساقت لنا خلال حديثها عن هؤلاء الأنبياء مع أقوامهم من العبر والعظات ما يهدى القلوب، ويشفى الصدور ويحمل العقلاء على الاستجابة لهدى الأنبياء والمرسلين.
أما في الربع الخامس منها فقد بينت لنا سنن الله في خلقه، ومن مظاهر هذه- السنن أنه- سبحانه- لا يعاقب قوما إلا بعد الابتلاء والاختبار، وأن الناس لو آمنوا لفتح- سبحانه- عليهم بركات من السماء والأرض وأن الذين يأمنون مكر خالقهم هم القوم الخاسرون.
قال تعالى: تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ، وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ.
ثم عقب على ذلك ببيان أن الله- تعالى- قد ساق قصص السابقين للعظة والاعتبار.
ثم أسهبت السورة في الحديث عن قصة موسى- عليه السلام فقصت علينا في زهاء سبعين آية- استغرقت الربع السادس والسابع والثامن- ما دار بينه وبين فرعون من محاورات ومناقشات، وما حصل بينه وبين السحرة من مجادلات ومساجلات انتهت بأن قال السحرة:
آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ.
ثم حكت لنا ما لقيه موسى من قومه بنى إسرائيل من تكذيب وجهالات، مما يدل على أصالتهم في التمرد والعصيان، وعراقتهم في الكفر والطغيان.
وفي الربع التاسع منها حدثتنا عن العهد الذي أخذه الله على البشر بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم حضتنا على التفكر والتدبر في ملكوت السموات والأرض، وبينت لنا أن موعد قيام الساعة لا يعلمه سوى علام الغيوب، وأن الرسل الكرام وظيفتهم تبليغ رسالات الله، ثم هم بعد ذلك لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
أما في الربع العاشر والأخير فقد اهتمت السورة الكريمة بإقامة الأدلة على وحدانية الله، ووبخت المشركين على شركهم، ودعت الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وأمرتهم بأن يكثروا من التضرع والدعاء.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ.
وبعد: فهذا عرض سريع لما اشتملت عليه سورة الأعراف من توجيهات حكيمة، وآداب عالية، وعظات سامية، ولعلنا بذلك نكون قد أعطينا القارئ الكريم فكرة مجملة عنها قبل أن نفسرها تفسيرا تحليليا مفصلا. والله نسأل أن يلهمنا جميعا الرشد والسداد فيما نقول ونعمل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.