المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)

لقد حكت هذه الآيات الكريمة بعض الرذائل التي كانت متفشية في المجتمع الجاهلى، أما الرذيلة الأولى فملخصها أنهم كانوا يجعلون من زروعهم وأنعامهم وسائر أموالهم نصيبا لله ونصيبا لأوثانهم، فيشركونها في أموالهم فما كان لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين، وما كان للأوثان أنفقوه عليها وعلى سدنتها فإذا رأوا ما جعلوه لله أزكى بدلوه بما للأوثان، وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان أزكى تركوه لها.

ص: 186

استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً.

«ذرأ» بمعنى خلق يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا أى: خلقهم وأوجدهم وقيل: الذرأ الخلق على وجه الاختراع.

أى: وجعل هؤلاء المشركون مما خلقه الله- تعالى- من الزروع والأنعام نصيبا لله يعطونه للمساكين وللضيوف وغيرهم، وجعلوا لأصنامهم نصيبا آخر يقدمونه لسدنتها، وإنما لم يذكر النصيب الذي جعلوه لأصنامهم اكتفاء بدلالة ما بعده وهو قوله: فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا.

أى: فقالوا في القسم الأول: هذا لله نتقرب به إليه.

وقالوا في الثاني: وهذا لشركائنا نتوسل به إليها.

وقوله- تعالى- في القسم الأول هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ أى: بتقولهم ووضعهم الذي لا علم لهم به ولا هدى.

قال الجمل: ومن المعلوم أن الزعم هو الكذب، وإنما نسبوا للكذب في هذه المقالة مع أن كل شيء لله، لأن هذا الجعل لم يأمرهم به الله وإنما هو مجرد اختراع منهم «1» .

وقال أبو السعود: وإنما قيد الأول بالزعم للتنبيه على أنه في الحقيقة جعل لله- تعالى- غير مستتبع لشيء من الثواب كالتطوعات التي يبتغى بها وجه الله- لا لما قيل من أنه للتنبيه على أن ذلك مما اخترعوه، فإن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثاني، ويجوز أن يكون ذلك تمهيدا لما بعده على معنى أن قولهم هذا لله مجرد زعم منهم لا يعملون بمقتضاه الذي هو اختصاصه- تعالى- به «2» .

ثم فصل- سبحانه- ما كانوا يعملونه بالنسبة للقسمة فقال: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ.

أى: فما كان من هذه الزروع والأنعام من القسم الذي يتقرب به إلى شركائهم، فإنهم يحرمون الضيفان والمساكين منه ولا يصل إلى الله منه شيء، وما كان منها من القسم الذي يتقرب به إلى الله عن طريق إكرام الضيف والصدقة، فإنهم يجورون عليه ويأخذون منه ما يعطونه لسدنة الأصنام وخدامها.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 1 ص 93. [.....]

(2)

تفسير أبى السعود ج 2 ص 193.

ص: 187

فهم يجعلون قسم الأصنام لسدنتها وأتباعها وحدهم، بينما القسم الذي جعلوه لله بزعمهم ينتقصونه ويضعون الكثير منه في غير موضعه، ويقولون: إن الله غنى وإن آلهتنا محتاجة.

وقد عقب القرآن على هذه القسمة الجائرة بقوله: ساءَ ما يَحْكُمُونَ أى: ساء وقبح حكمهم وقسمتهم حيث آثروا مخلوقا عاجزا عن كل شيء، على خالق قادر على كل شيء، فهم بجانب عملهم الفاسد من أساسه لم يعدلوا في القسمة.

هذه هي الرذيلة الأولى من رذائلهم، أما الرذيلة الثانية فهي أن كثيرا منهم كانوا يقتلون أولادهم، ويئدون بناتهم لأسباب لا تمت إلى العقل السليم بصلة وقد حكى القرآن ذلك في قوله.

وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ.

أى: ومثل ذلك التزيين في قسمة الزروع والأنعام بين الله والأوثان، زين للمشركين شركاؤهم من الشياطين أو السدنة قتل بناتهم خشية العار أو الفقر فأطاعوهم فيما أمروهم به من المعاصي والآثام.

والتزيين: التحسين، فمعنى تزيينهم لهم أنهم حسنوا لهم هذه الأفعال القبيحة، وحضوهم على فعلها.

سموا شركاء لأنهم أطاعوهم فيما امروهم به من قتل الأولاد، فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم، أو سموا شركاء لأنهم كانوا يشاركون الكفار في أموالهم التي منها الحرث والأنعام.

وشُرَكاؤُهُمْ فاعل زَيَّنَ وأخر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدم واهتماما به، لأنه موضع التعجب.

وقوله: لِيُرْدُوهُمْ أى ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك. يقال ردى- كرضى- أى:

هلك.

وقوله: وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ معطوف على ليردوهم، أى: ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل- عليه السلام حتى زالوا عنه إلى الشرك.

ويلبسوا مأخوذ من اللبس بمعنى الخلط بين الأشياء التي يشبه بعضها بعضا وأصله الستر بالثوب، ومنه اللباس، ويستعمل في المعاني فيقال: لبس الحق بالباطل يلبسه ستره به. ولبست عليه الأمر. خلطته عليه وجعلته مشتبها حتى لا يعرف جهته، فأنت ترى أن شركاءهم قد حسنوا لهم القبيح من أجل أمرين: إهلاكهم وإدخال الشبهة عليهم في دينهم عن طريق

ص: 188

التخليط والتلبيس. ثم سلى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهدد أعداءه فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ.

أى: ولو شاء الله ألا يفعل الشركاء ذلك التزيين أو المشركون ذلك القتل لما فعلوه، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات بسبب ما يفعلونه، بل دعهم وما يفترونه من الكذب، فإنهم لسوء استعدادهم آثروا الضلالة على الهداية.

والفاء في قوله فَذَرْهُمْ فصيحة أى: إذا كان ما قصصناه عليك بمشيئة الله، فدعهم وافتراءهم ولا تبال بهم، فإن فيما يشاؤه الله حكما بالغة.

ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة، وهي أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة.

استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ.

حجر: بمعنى المحجور أى: الممنوع من التصرف فيه، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام.

أى: ومن بين أوهام المشركين وضلالاتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون: هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى: محرمة ممنوعة، لا يأكل منها إلا من نشاء، يعنون: خدم الأوثان والرجال دون النساء أى: لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط.

وقوله: بِزَعْمِهِمْ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا. أى: قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة.

وقوله: وَقالُوا هذِهِ الإشارة إلى ما جعلوه لآلهتم، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله:

أَنْعامٌ وَحَرْثٌ وقوله حِجْرٌ صفة لأنعام وحرث، وقوله لا يَطْعَمُها صفة ثانية لأنعام وحرث.

هذا هو النوع الأول الذي ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم.

أما النوع الثاني فهو قوله- تعالى- وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها أى: وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم: هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها، يعنون بها

ص: 189

البحائر والسوائب والوصائل والحوامي «1» التي كانوا يزعمون أنها تعتق وتقصى لأجل الآلهة.

فقوله وَأَنْعامٌ خبر لمبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله هذِهِ أَنْعامٌ.

وأما النوع الثالث من أنواع اختراعاتهم الذي ذكرته الآية فهو قوله: وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا.

أى: وقالوا أيضا هذه أنعام لا يذكر اسم الله عليها عند الذبح، وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام لأنها ذبحت من أجلها.

وقد عقب- سبحانه- على تلك الأقسام الثلاثة الباطلة بقوله: افْتِراءً عَلَيْهِ أى فعلوا ما فعلوا من هذه الأباطيل وقالوا ما قالوا من تلك المزاعم من أجل الافتراء على الله وعلى دينه، فإنه- سبحانه- لم يأذن لهم في ذلك ولا رضيه منهم.

ثم ختمت الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال: - سبحانه- سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ أى: سيجزيهم الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح.

ثم يحكى القرآن الرذيلة الرابعة من رذائلهم وملخصها: أنهم زعموا أن الأجنة التي في بطون هذه الأنعام المحرمة، ما ولد منها حيا فهو حلال للرجال ومحرم على النساء، وما ولد ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء.

استمع إلى القرآن وهو يفضح زعمهم هذا فيقول: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ومرادهم بما في بطون هذه الأنعام أجنة البحائر والسوائب.

أى: ومن فنون كفرهم أنهم قالوا ما في بطون هذه الأنعام المحرمة إذا نزل منها حيا فأكله حلال للرجال دون والنساء، وإذا نزل ميتا فأكله حلال للرجال والنساء على السواء.

وفي رواية العوفى عن ابن عباس أن المراد بما في بطونها اللبن، فقد كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء.

قال بعضهم: «ومن مباحث اللفظ في الآية أن قوله «خالصة» فيه وجوه:

(1) البحيرة: الناقة التي تلد خمسة أبطن آخرها ذكر كانوا يشقون أذنها ويتركونها لآلهتهم والسائبة: اسم للناقة التي يتركها صاحبها فلا تنحر لأنها نجت في الحرب أو نذرها للأصنام.

والوصيلة: اسم للناقة التي تلد أول ما تلد أنثى ثم تثنى بأنثى كانوا يتركونها للأصنام والحام: اسم للفحل إذا لقح ولد ولده قالوا حمى ظهره فلا يركب ويترك حتى يموت.

ص: 190

أحدها: أن التاء قيد للمبالغة في الوصف كراوية وداهية فلا يقال إنه غير مطابق للمبتدأ على القول بأنه خبر.

وثانيا: أن المبتدأ وهو ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ مذكر اللفظ مؤنث المعنى، لأن المراد به الأجنة فيجوز تذكير خبره باعتبار اللفظ وتأنيثه باعتبار المعنى.

وثالثها: أنه مصدر فتكون العبارة مثل قولهم: عطاؤك عافية والمطر رحمة والرخصة نعمة.

ورابعها: أنه مصدر مؤكد أو حال من المستكن في الظرف وخبر المبتدأ لِذُكُورِنا «1» .

وقوله: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تهديد لهم أى: سيجزيهم بما هم أهله من العذاب المهين جزاء وصفهم أو بسبب وصفهم الكذب على الله في أمر التحليل والتحريم على سبيل التحكم والتهجم بالباطل على شرعه. إنه- سبحانه- حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه، عليم بأعمال عباده من خير أو شر وسيجازيهم عليها.

قال الآلوسى: ونصب وَصْفَهُمْ- على ما ذهب إليه الزجاج- لوقوعه موقع مصدر سَيَجْزِيهِمْ فالكلام على تقدير مضاف. أى: جزاء وصفهم. وقيل: التقدير. سيجزيهم العقاب بوصفهم أى: بسببه فلما سقطت الباء نصب وصفهم.

ثم قال: وهذا كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه، فإنهم يقولون، كلامه يصف الكذب إذا كذب، وعينه تصف السحر، أى ساحرة، وقد يصف الرشاقة، بمعنى رشيق. مبالغة، حتى كأن من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له» «2» .

وإلى هنا تكون الآيات الأربعة التي بدأت بقوله- تعالى وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً.. إلخ. قد قصت علينا أربع رذائل من أفعال المشركين وأقوالهم.

وإن العاقل ليعجب وهو يستعرض هذه الضلالات- التي حكتها الآيات. يعجب لما تحملوه في سبيل ضلالاتهم من أعباء مادية وخسائر وتضحيات، يعجب للعقيدة الفاسدة وكيف تكلف أصحابها الكثير ومع ذلك فهم مصرون على اعتناقها، وعلى التقيد بأغلالها، وأوهامها، وتبعاتها.

لكأن القرآن وهو يحكى تلك الرذائل وما تحمله أصحابها في سبيلها يقول لأتباعه- من بين ما يقول- إذا كان أصحاب العقائد الفاسدة قد ضحوا حتى بفلذات أكبادهم إرضاء

(1) تفسير المنار ج 8 ص 129.

(2)

تفسير الآلوسى ج 8 ص 26.

ص: 191

لشركائهم. فأولى بكم ثم أولى أن تضحوا في سبيل عقيدتكم الصحيحة، وملتكم الحنيفة السمحاء بالأنفس والأموال.

هذا وقد عقب القرآن بعد إيراده لتلك الرذائل بقوله.

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ.

قال الإمام ابن كثير: قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا على أنفسهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم. وأما في الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم» «1» .

والتعبير بخسر بدون ذكر مفعول معين يقع عليه الفعل للإشارة إلى أن خسارتهم خسارة مطلقة من أى تحديد، فهي خسارة دينية وخسارة دنيوية- كما قال ابن كثير.

وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد. أى: فعلوا ذلك كثيرا، إذ التضعيف يفيد التكثير.

وسَفَهاً منصوب على أنه علة لقتلوا أى: لخفة عقولهم وجهلهم قتلوا أولادهم. أو منصوب على أنه حال من الفاعل في قتلوا وهو ضمير الجماعة.

والسفه: خفة في النفس لنقصان العقل في أمور الدنيا أو الدين.

وقوله وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ أى من البحائر والسوائب ونحوهما، وهو معطوف على قَتَلُوا.

ثم بين- سبحانه- نتيجة ذلك القتل والتحريم فقال: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أى: قد ضلوا عن الصراط المستقيم بأقوالهم وأفعالهم القبيحة وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب.

قال الشهاب، وفي قوله وَما كانُوا مُهْتَدِينَ بعد قوله قَدْ ضَلُّوا مبالغة في نفى الهداية عنهم، لأن صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال بعد أن لم يكن. فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم في الضلال، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض» «2» .

روى البخاري عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ «3» .

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 181.

(2)

تفسير القاسمى ج 6 ص 2524.

(3)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 181.

ص: 192