الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]
أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195)
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)
قوله- تعالى- أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أى: أيشركون به- تعالى- وهو الخالق لهم ولكل شيء، ما لا يخلق شيئا من الأشياء مهما يكن حقيرا، بل إن هذه الأصنام التي تعبد من دون الله مخلوقة ومصنوعة، فكيف يليق بسليم العقل أن يجعل المخلوق العاجز شريكا للخالق القادر.
والاستفهام للإنكار والتجهيل. والمراد بما في قوله ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً أصنامهم، ورجع الضمير إليها مفردا لرعاية لفظها، كما أن إرجاع ضمير الجمع إليها في قوله وَهُمْ يُخْلَقُونَ لرعاية معناها.
وجاء بضمير العقلاء في يُخْلَقُونَ مسايرة لهم في اعتقادهم أنها تضر وتنفع.
ثم قال- تعالى-: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أى: أن هذه الأصنام فضلا عن كونها مخلوقة، فإنها لا تستطيع أن تجلب لعابديها نصرا على أعدائهم، بل إنها لا تستطيع أن تدفع عن نفسها شرا، ومن هذه صفته كيف يعبد من دون الله؟ قال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.
ثم بين- سبحانه- عجز الأصنام عما هو أدنى من النصر المنفي عنهم وأيسر وهو مجرد الدلالة على المطلوب من غير تحصيله للطالب فقال: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ أى: وإن تدعو أيها المشركون هذه الأصنام إلى الهدى والرشاد لا يتبعوكم، أى أنهم لا ينفعوكم بشيء ولا ينتفعون منكم بشيء.
وقوله سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ استئناف مقرر لمضمون ما قبله.
أى: مستو عندكم دعاؤكم إياهم وبقاؤكم على صمتكم، فإنه لا يتغير حالكم في الحالين، كما لا يتغير حالهم بحكم أنهم جماد.
ثم مضى القرآن في دعوته إياهم إلى التدبر والتعقل فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ.
أى: إن هذه الأصناف التي تعبدونها من دون الله، أو تنادونها لدفع الضر أو جلب النفع عِبادٌ أَمْثالُكُمْ أى: مماثلة لكم في كونها مملوكة لله مسخرة مذللة لقدرته كما أنكم أنتم كذلك فكيف تعبدونها أو تنادونها؟.
وأطلق عليها لفظ عِبادٌ- مع أنها جماد- وفق اعتقادهم فيها تبكيتا لهم وتوبيخا.
وقوله فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أى:
فادعوهم في رفع ما يصيبكم من ضر، أو في جلب ما أنتم في حاجة إليه من نفع إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في زعمكم أن هذه الأصنام قادرة على ذلك.
ثم تابع القرآن تقريعه لهذه الأصنام وعابديها فقال: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها.
الاستفهام للإنكار، والمعنى: أن هذه الأصنام التي تزعمون أنها تقربكم إلى الله زلفى هي أقل منكم مستوى لفقدها الحواس التي هي مناط الكسب إنها ليس لها أرجل تسعى بها إلى دفع ضر أو جلب نفع وليس لها أيد: تبطش بها أى تأخذ بها ما تريد أخذه، وليس لها أعين تبصر بها شئونكم وأحوالكم وليس لها آذان تسمع بها أقوالكم، وتعرف بواسطتها مطالبكم، فأنتم
أيها الناس تفضلون هذه الأصنام بما منحكم الله- تعالى- من حواس السمع والبصر وغيرها فكيف يعبد الفاضل المفضول، وكيف ينقاد الأقوى للأضعف؟.
ثم أمر الله- تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يناصبهم الحجة وان يكرر عليهم التوبيخ فقال: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ أى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين هبطوا بعقولهم إلى أحط المستويات نادوا شركاءكم الذين زعمتموهم أولياء ثم تعاونوا أنتم وهم على كيدي وإلحاق الضر بي من غير انتظار أو إمهال، فإنى أنا معتز بالله، وملتجئ إلى حماه ومن كان كذلك فلن يخشى شيئا من المخلوقين جميعا.
وهذا نهاية التحدي من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم والحط من شأنهم وشأن آلهتهم.
ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى تحديهم وتبكيتهم فقال إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.
أى: قل يا محمد لهؤلاء الضالين إننى ما تحديتكم وطلبت كيدكم وكيد أصنامكم- إن كنتم أنتم وهم تقدرون على ذلك على سبيل الفرض- إلا لأنى معتز بالله وحده، فهو ناصري ومتولى أمرى، وهو الذي نزل هذا القرآن لأخرجكم به من الظلمات إلى النور، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يتولى الصالحين وأن يجعل العاقبة لهم.
قال الحسن البصري: إن المشركين كانوا يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم بآلهتهم فقال- تعالى- قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الآية- ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه.
وهذا كما قال هود- عليه السلام لقومه ردا على قولهم. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ- قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.
ثم قال- تعالى- وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أى: والذين تعبدونهم من دون الله أو تنادونهم لدفع الضر أو جلب النفع لا يستطيعون نصركم في أى أمر من الأمور، وفضلا عن ذلك فهم لا يستطيعون رفع الأذى عن أنفسهم إذا ما اعتدى عليهم معتد.
ثم قال- تعالى- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى أى: إلى أن يرشدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم من النصر على الأعداء أو غير ذلك لا يَسْمَعُوا أى: لا يسمعوا شيئا مما تطلبونه منهم، ولو سمعوا- على سبيل الفرض- ما استجابوا لكم لعجزهم عن فعل أى شيء.
وقوله وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع، أى: وترى هذه الأصنام كأنها تنظر إليك بواسطة تلك العيون الصناعية