المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

إليهم الحيتان في يوم السبت دون غيره، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم، قريبة المأخذ، سهلة الاصطياد.

وهنا سال لعاب شهواتهم ومطامعهم وفكروا في حيلة لاصطياد هذه الحيتان في يوم السبت فقالوا: لا مانع من أن نحفر إلى جانب ذلك البحر الذي يزخر بالأسماك في يوم السبت أحواضا تناسب إليها المياه ومعها الأسماك، ثم نترك هذه الأسماك محبوسة في الأحواض في يوم السبت- لأنها لا تستطيع الرجوع إلى البحر لضآلة الماء الذي في الأحواض. ثم نصطادها بعد ذلك في غير يوم السبت، وبذلك نجمع بين احترام ما عهد إلينا في يوم السبت وبين ما تشتهيه أنفسنا من الحصول على تلك الأسماك.

ولقد نصحهم الناصحون بأن عملهم هذا هو احتيال على محارم الله، وأن حبس الحيتان في الأحواض هو صيد لها في المعنى، وهو فسوق عن أمر الله ونقض لعهوده.

ولكنهم لجهلهم واستيلاء المطامع على نفوسهم لم يعبئوا بنصح الناصحين بل نفذوا حيلتهم الشيطانية، فغضب الله عليهم ومسخهم قردة، وجعلهم عبرة لمن عاصرهم ولمن أتى بعدهم وموعظة للمتقين.

واستمع إلى سورة الأعراف وهي تحكى لنا هذه القصة بأسلوبها البليغ فتقول:

[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)

ص: 406

قوله- تعالى- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ

إلخ. معطوف على اذكر المقدر في قوله- تعالى-: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود.

أى: سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم في كتبهم ولا يستطيعون كتمانها.

والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتي نزلت بسابقيهم، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتي لا يستطيعون إنكارها، والتي لا تعلم إلا بكتاب أو وحى، فإذا أخبرهم بها النبي الأمى الذي لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له. ودليلا على أنه نبي صادق موحى إليه بها.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة: (أى واسأل- يا محمد- هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم «لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هي «أيلة» وهي على شاطئ بحر القلزم، أى- البحر الأحمر-)«1» .

وقال الإمام القرطبي: وهذا سؤال تقرير وتوبيخ، وكان ذلك علامة لصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سبط إسرائيل. ومن سبط موسى كليم الله، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم، فقال الله- عز وجل لنبيه سلهم- يا محمد- عن القرية. أما عذبتهم بذنوبهم، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة «2» .

وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية. قرية (أيلة) التي تقع بين مدين والطور، وقيل هي قرية طبرية، وقيل هي مدين.

ومعنى كونها حاضِرَةَ الْبَحْرِ: قريبة منه، مشرفة على شاطئه، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها.

وقوله إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله- تعالى- بالصيد في يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون، يقال: عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده.

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 256.

(2)

تفسير القرطبي ج 7 ص 304 طبعة دار الكتب المصرية سنة 1938.

ص: 407

وقوله تعالى إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ بيان لموضع الاختبار والامتحان.

وإِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون. وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير. وشرعا:

أى: شارعة ظاهرة على وجه الماء. جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شيء دنا من شيء فهو شارع، وقوله: شرعا حال من الحيتان.

والمعنى: إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة، فإذا مر يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه، ابتلاء من الله- تعالى- لهم.

قال ابن عباس: (اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به، وهو يوم الجمعة، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله- تعالى- به، وحرم عليهم الصيد فيه، وأمرهم بتعظيمه، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل، وذلك بلاء ابتلاهم الله به، فذلك معنى قوله تعالى وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ «1» .

وقال الإمام القرطبي: (وروى في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود- عليه السلام وأن إبليس أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء.

فيأخذونها يوم الأحد) «2» .

وقوله تعالى كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ معناه: بمثل هذا الابتلاء، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت، واختفائه في غيره نبتليهم ونعاملهم معاملة من يختبرهم، لينالوا ما يستحقونه من عقوبة بسبب فسقهم وتعديهم حدود ربهم، وتحايلهم القبيح على شريعتهم، فقد جرت سنة الله بأن من أطاعه سهل له أمور دنياه، وأجل له ثواب أخراه، ومن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر.

ثم بين- سبحانه- طوائف هذه القرية وحال كل طائفة فقال تعالى وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً، قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

والذي يفهم من الآية الكريمة، - وعليه جمهور المفسرين- أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 4 ص 316 طبعة الأميرية الأزهرية سنة 1308 هـ.

(2)

تفسير القرطبي ج 7 ص 306.

ص: 408

1-

فرقة المعتدين في السبت، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار.

2-

فرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم.

3-

فرقة اللائمين للناصحين ليأسهم من صلاح العادين في السبت.

وهذه الفرقة الثالثة هي التي عبر القرآن الكريم عنها بقوله: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً أى: قالت فرقة من أهل القرية، لإخوانهم الذين لم يألوا جهدا في نصيحة العادين في السبت، لم تعظون قوما لا فائدة من وعظهم ولا جدوى من تحذيرهم، لأن الله تعالى قد قضى باستئصالهم وتطهير الأرض منهم، أو بتعذيبهم عذابا شديدا، جزاء تماديهم في الشر، وصممهم عن سماع الموعظة فكان رد الناصحين عليهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين:

الأولى: الاعتذار إلى الله- تعالى- من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

والثانية: الأمل في صلاحهم وانتفاعهم بالموعظة حتى ينجو من العقوبة، ويسيروا في طريق المهتدين.

وقيل: إن أهل القرية كانوا فرقتين، فرقه أقدمت على الذنب فاعتدت في السبت، وفرقة أحجمت عن الأقدام، ونصحت المعتدين بعدم التجاوز لحدود الله- تعالى- فلما داومت الفرقة الواعظة على نصيحتها للفرقة العادية، قالت لها الفرقة العادية على سبيل التهكم والاستهزاء: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا في زعمكم؟ فاجابتهم الناصحة بقولها. معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.

والذي نرجحه أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق كما قال جمهور المفسرين- لأن هذا هو الظاهر من الضمائر في الآية الكريمة، إذ لو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية (ولعلكم تتقون) بكاف الخطاب، بدل قولهم (ولعلهم يتقون) الذي يدل على أن المحاورة قد دارت بين الفرقة اللائمة، والفرقة الناصحة.

قال الإمام القرطبي عند تفسيره الآية الكريمة: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق «فرقة عصت وصدت، وكانوا، نحوا من سبعين ألفا، فرقة نهت واعتزلت، وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية، لم تعظون

ص: 409

قوما- عصاة- الله مهلكهم، أو معذبهم على غلبة الظن. وما عهد حينئذ من فعل الله تعالى بالأمم العاصية؟) «1» .

وقوله مَعْذِرَةً بالنصب على أنها مفعول لأجله أى: وعظناهم لأجل المعذرة، أو منصوبة على أنها مصدر لفعل مقدر من لفظها أى: نعتذر معذرة وقرئت «معذرة» بالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى: موعظتنا معذرة وقد اختار سيبويه هذا الوجه وقال في تعليله: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا ولكنهم قيل لهم لم تعظون؟ فقالوا موعظتنا معذرة.

ثم بين- سبحانه- عاقبة كل من الفرقة الناهية والعاصية فقال تعالى فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أى: فلما لج الظالمون في طغيانهم، وعموا وصموا عن النصيحة أنجينا الناصحين، وأخذنا العادين بعذاب شديد لا رحمة فيه بسبب خروجهم على أوامر الله.

والآية الكريمة صريحة في بيان أن الذين أخذوا بالعذاب البئيس هم الظالمون المعتدون وأن الذين نجوا هم الناهون عن السوء، أما الفرقة الثالثة التي لامت الناهين عن السوء على وعظهم للمعتدين، فقد سكتت عنها.

ويرى بعض المفسرين: أنها لم تنج، لأنها لم تنه عن المنكر. فضلا عن أنها لامت الناصحين لغيرهم.

ويرى جمهور المفسرين: أنها نجت، لأنها كانت كارهة لما فعله العادون في السبت ولم ترتكب شيئا مما ارتكبوه، وإذا كانت قد سكتت عن النصيحة، فلأنها كانت يائسة من صلاح المعتدين، ومقتنعة بأن القوم قد أصبحوا محل سخط الله وعذابه، فلا جدوى وراء وعظهم، وإلى هذا الرأى ذهب صاحب الكشاف وغيره.

قال صاحب الكشاف: (فإن قلت: الأمة الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا- من أى الفريقين هم؟ أمن فريق الناجين أم من فريق المعذبين. قلت من فريق الناجين، لأنهم من فريق الناهين، غرضا صحيحا لعلمهم بحال القوم. وإذا علم الناهي حال المنهي، وأن النهى لا يؤثر فيه، سقط عنه النهى، وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث، ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر والجلادين المرتبين للتعذيب، لتعظهم وتكفهم عما هم فيه، كان ذلك عبثا منك، ولم يكن إلا سببا للتلهى بك، أما الآخرون فإنهم لم يعرضوا عنهم، إما لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين، ولم يخبروهم كما

(1) تفسير القرطبي ج 7 ص 307.

ص: 410

خبروهم. أو لفرط حرصهم وجدهم في أمرهم، كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «1» .

وقال الإمام ابن كثير: (ويروى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال عند ما سئل عن مصير الفرقة اللائمة، ما أدرى ما فعل بهم، ثم صار إلى نجاتهم لما قال له غلامه عكرمة:

ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقال لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا فكساني حلة) «2» .

والذي نرجحه أن مصير هذه الفرقة مفوض إلى الله، لأنه لم يرد نص صحيح في شأنها، فإن الآية الكريمة قد ذكرت صراحة عاقبة كل من الناصحين والعادين ولم تذكر مصير الفرقة اللائمة للناصحين ولعل ذلك مرجعه إلى أنها وقفت من العادين في السبت موقفا سلبيا استحقت معه الإهمال، إن لم تكن بسببه أهلا للمؤاخذة.

ثم فصل- سبحانه- ما عوقبوا به من العذاب البئيس الذي أصابهم فقال تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أى فلما تكبروا عن ترك ما نهاهم عنه الواعظون، قلنا لهم كونوا قردة صاغرين فكانوا كذلك.

قال الآلوسى: (والأمر في قوله تعالى قُلْنا تكويني لا تكليفى، لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به، وهذا كقوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل)«3» .

وقيل في تفسير الآية: إن الله تعالى- عاقب القوم أو لا بالعذاب البئيس الذي يتناول البؤس والشقاء والفقر في المعيشة، فلما لم يرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم، مسخهم مسخا خلقيا وجسميا، فكانوا قردة على الحقيقة، وهو الظاهر من الآية، وعليه الجمهور:

وقيل: مسخهم مسخا خلقيا ونفسيا، فصاروا كالقردة في شرورها وإفسادها لما تصل إليه أيديها، وهذا مروى عن مجاهد.

وتلك العقوبة كانت جزاء إمعانهم في المعاصي، وتأبيهم عن قبول النصيحة، وضعف إرادتهم أمام مقاومة أطماعهم، وانتكاسهم إلى عالم الحيوان لتخليهم عن خصائص الإنسان، فكانوا حيث أرادوا لأنفسهم من الصغار والهوان.

(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 515.

(2)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 267.

(3)

تفسير الآلوسى ج 9 ص 93.

ص: 411

هذا وقد استدل العلماء بهذه الآيات الكريمة على تحريم الحيل القبيحة التي يتخذها بعض الناس ذريعة للتوصل إلى مقاصدهم الذميمة. وغاياتهم الدنيئة ومطامعهم الخسيسة.

وقد أفاض الإمام ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) في إيراد الأدلة الدالة على هذا التحريم، فقال ما ملخصه: (ومن مكايد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله، الحيل والمكر والخداع الذي يتضمن تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الباطل الذي اتفق السلف على ذمه، فإن الرأى رأيان: رأى يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار، وهو الذي اعتبره السلف وعملوا به. ورأى يخالف النصوص وتشهد له بالإبطال والإهدار، وهو الذي ذموه وأهدروه.

وكذلك الحيل نوعان: نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله- تعالى- به وترك ما نهى عنه، والتخلص من الحرام وتخليص المحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالما، والظالم مظلوما، والحق باطلا، والباطل حقا. فهذا الذي اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض

ثم قال:

إن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة، لما تحايلوا على إباحة ما حرمه الله- تعالى- عليهم من الصيد، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة، فلما وقع فيها الصيد، أخذوه يوم الأحد.

قال بعض الأئمة: ففي هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهي الشرعية، ممن يتلبس بعلم الفقه وهو غير فقيه، إذ الفقيه من يخشى الله- تعالى- بحفظ حدوده، وتعظيم حرماته، والوقوف عندها، وليس المتحيل على إباحة محارمه، وإسقاط فرائضه، ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيبا لموسى- عليه السلام وكفرا بالتوراة، وإنما هو استحلال تأويل واحتيال، ظاهره ظاهر الإيفاء، وباطنه باطن الاعتداء، ولهذا مسخوا قردة، لأن صورة القردة فيها شبه من صورة الإنسان، فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض مظاهره دون حقيقته، مسخهم سبحانه قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة جزاء وفاقا، وفي الحديث الشريف (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)«1» .

وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1) إغاثة اللهفان ج 1 ص 358.

ص: 412