المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

وإذن فما قالوه من التحريم إنما هو افتراء وضلال» «1» .

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم، وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء محض- بعد كل ذلك أمره بأن يبين لهم ما حرمه الله عليهم فقال:

[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)

أى: قُلْ يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب في أمر التحليل والتحريم وغيرهما لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ.

أى: لا أجد فيما أوحاه الله إلى من القرآن طعاما محرما على آكل يريد أن يأكله من ذكر أو أنثى ردا على قولهم مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا.

والجملة الكريمة تفيد أن طريق التحريم والتحليل إنما هو الوحى وليس مجرد الهوى والتشهى، وأن الأصل في الأشياء الحل إلا أن يرد نص بالتحريم.

(1) سورة الأنعام والأهداف الأولى للإسلام ص 83 لفضيلة الأستاذ محمد المدني.

ص: 200

ومُحَرَّماً صفة لموصوف محذوف، أى: شيئا محرما، أو طعاما محرما، وهو المفعول الأول لأجد، أما المفعول الثاني فهو فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ قدم للاهتمام به.

وقوله يَطْعَمُهُ في موضع الصفة لطاعم جيء به قطعا للمجاز كما في قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ.

ثم بين- سبحانه- ما حرمه فقال: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً، أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.

أى: لا أجد فيما أوحاه الله إلى الآن شيئا محرما من المطاعم إلا أن يكون هذا الشيء أو ذلك الطعام مَيْتَةً أى: بهيمة ماتت حتف أنفها.

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أى: دما مصبوبا سائلا كالدم الذي يخرج من المذبوح عند ذبحه، لا الدم الجامد كالكبد والطحال، والسفح: الصب والسيلان.

أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ أى اللحم لأنه المحدث عنه، أو الخنزير لأنه الأقرب أو جميع ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير.

رِجْسٌ أى: قذر خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أى: خروجا عن الدين، لكونه عند ذبحه قد ذكر عليه غير اسمه- تعالى- من صنم أو وثن أو طاغوت أو نحو ذلك.

والإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا، ومنه إهلال الصبى، والإهلال بالحج، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها- كاللات والعزى- ورفعوا بها أصواتهم، وسمى ذلك إهلالا.

وإنما سمى ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فسقا، لتوغله في باب الفسق، والخروج عن الشريعة الصحيحة، ومنه قوله- تعالى- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ.

ثم بين- سبحانه- حكم المضطر فقال: فَمَنِ اضْطُرَّ:

أى: فمن أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر، بأن ألجئ بإكراه أو جوع مهلك- مع فقد الحلال- إلى أكل شيء من هذه المحرمات التي كانوا في الجاهلية يستحلونها، فلا إثم عليه في أكلها.

واضطر: مأخوذ من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء، يقال: اضطره إليه، أى أحوجه والجأه فاضطر.

ثم قيد- سبحانه- حالة الاضطرار بقوله: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ.

ص: 201

أى: فمن أصابته ضرورة قاهرة ألجأته إلى الأكل من هذه الأشياء المحرمة حالة كونه غير باغ في أكله، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره. أو غير طالب له للذته، أو على جهة الاستئثار به على مضطر آخر بأن ينفرد بتناوله فيها عن الآخر.

أو حالة كونه- أيضا- غير عاد فيما يأكل، أى: غير متجاوز سد الجوعة فلا إثم عليه في هذه الأحوال.

وباغ: مأخوذ من البغاء وهو الطلب تقول: بغيته بغاء وبغى بغية وبغية أى: طلبته.

وعاد: اسم فاعل بمعنى متعد، تقول: فلان عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره فهو عاد، ومنه قوله- تعالى- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.

وقوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: فإن ربك واسع المغفرة والرحمة لا يؤاخذ المضطرين، ولا يكلف الناس بما فوق طاقتهم، وإنما هو رءوف رحيم بهم يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.

والجملة الكريمة جواب الشرط باعتبار لازم المعنى وهو عدم المؤاخذة. وقيل جواب الشرط محذوف: أى فمن اضطر، فلا مؤاخذة عليه وهذه الجملة تعليل له.

هذا، والآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين فيما حرموه بغير علم من البحائر والسوائب وغيرها.

قال ابن كثير: الغرض من سياق هذه الآية الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك. فأمر- تعالى- رسوله أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه. فكيف تزعمون أنه حرام؟! ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله- تعالى-؟! وعلى هذا فلا ينفى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا. كما جاء النهى عن الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير» «1» .

وقال القرطبي: والآية مكية، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وغير ذلك، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال:

الأول: ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية وكل محرم حرمه رسول الله أو جاء في الكتاب

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 184.

ص: 202

مضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله على لسان نبيه. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأثر» «1» .

والخلاصة: أن الآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين، وذلك أن الكفار. كما قال الإمام الشافعى- لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرمه الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال- سبحانه- لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول:

لا تأكل اليوم حلاوة. فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا للنفي والإثبات على الحقيقة.

فهو- تعالى- لم يقصد حل ما وراء الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.

قال امام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعى إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك- رضى الله عنه- في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية» «2» .

وفي حكم هذه الآية وتأويلها أقوال أخرى بسطها العلماء فارجع إليها إذا شئت «3» .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما حرمه الله على اليهود بسبب ظلمهم وبغيهم فقال- تعالى- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ.

فقوله- تعالى- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا بيان لما حرمه الله- تعالى- على بنى إسرائيل جزاء ظلمهم، وفي هذا البيان رد على اليهود، وتكذيب لهم، إذ زعموا أن الله لم يحرم عليهم شيئا، وإنما هم حرموا على أنفسهم ما حرمه إسرائيل على نفسه، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين بعض ما حرمه الله عليهم من الطيبات- التي كانت حلالا لهم- بسبب فسقهم وطغيانهم.

والمراد بقوله تعالى كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير، كالإبل والنعام والأوز والبط، كما روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة.

قال الإمام الرازي: قوله- تعالى-: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ يفيد تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين:

(1) تفسير القرطبي ج 7 ص 116.

(2)

الإتقان في علوم القرآن ج 1 ص 84 للسيوطي.

(3)

راجع تفسير القرطبي ج 7 ص 115 وما بعدها وتفسير المنار ج 8 ص 249 وما بعدها. [.....]

ص: 203

الأول: أن قوله- تعالى- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كذا وكذا يفيد الحصر في اللغة.

لتقدم المعمول على عامله.

الثاني: أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة في حق الكل لم يبق لقوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا فائدة «1» .

ثم بين- سبحانه- ما حرم عليهم من غير ذوى الظفر فقال- تعالى-: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، أَوِ الْحَوايا، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ.

والشحم: هو المادة الدهنية التي تكون في الحيوان وبها يكون لحمه سمينا والعرب تسمى سنام البعير، وبياض البطن شحما، وغلب إطلاق الشحم على ما يكون فوق أمعاء الحيوان.

والحوايا: - كما قال ابن جرير- جمع حاوياء وحاوية، وحوية وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وفسرت بالمباعر، والمرابض التي هي مجتمع الأمعاء في البطن «2» .

والمعنى: كما حرمنا على اليهود كل ذي ظفر، فقد حرمنا عليهم كذلك من البقر والغنم شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة، إلا ما استثنيناه من هذه الشحوم وهو ما حملت ظهورهما أو ما حملت حواياهما، أو اختلط من هذه الشحوم بعظمهما. فقد أحللناه لهم.

ثم بين- سبحانه- أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم فقال تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ أى. هذا الذي حرمناه على الذين هادوا من الأنعام والطير ومن البقر والغنم، وهذا التضييق الذي حكمنا به عليهم، إنما ألزمناهم به، بسبب بغيهم وظلمهم، وتعديهم حدود الله تعالى.

قال قتادة: إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث عقوبة لهم وتشديدا عليهم.

ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود، من الأنباء التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمون عنها شيئا لأميتهم، وكان تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عليهم عقوبة لهم، لما كان الأمر كذلك، أكد الله هذا النبأ بقوله: وَإِنَّا لَصادِقُونَ. أى: وإنا لصادقون- يا محمد- فيما أخبرناك به، ومن بينه ما أعلمناك عنه مما حرمناه على اليهود من الطيبات وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه.

ومع أن الشحوم جميعا باستثناء ما أحله لهم منها محرمة عليهم، فإنهم تحايلوا على شرع الله،

(1) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 16.

(2)

تفسير ابن جرير ج 8 ص 75.

ص: 204

وأخذوا يذيبونها ويستعملونها في شئونهم المختلفة أو يبيعونها ويأكلون ثمنها، ولقد لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا التحايل في أحاديث متعددة.

من ذلك ما روى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا خلف المقام، فرفع بصره إلى السماء وقال:«لعن الله اليهود- ثلاثا- إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها، وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه» «1» .

وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود، وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس، فقال: (لا. هو حرام) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك (قاتل الله اليهود) ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها. أى: أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها» «2» .

ثم حذرهم الله من الكفر والطغيان، فقال- تعالى-: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أى: فإن كذبك- يا محمد- هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين، فيما أخبرناك عنه من أنا حرمنا على هؤلاء اليهود بعض الطيبات عقوبة لهم، فقل لهم. إن الله- تعالى- ذو رحمة واسعة حقا ورحمته وسعت كل شيء، ومن مظاهر رحمته أنه لا يعاجل من كفر به بالعقوبة، ولا من عصاه بالنقمة، ولكن ذلك لا يقتضى أن يرد بأسه، أو يمنع عقابه عن القوم المصرين على إجرامهم المستمرين على اقتراف المنكرات، وارتكاب السيئات.

فالآية الكريمة قد جاءت لتزجرهم عن البغي والكفران، حتى يعودوا إلى طريق الحق. إن كانوا ممن ينتفع بالذكرى، ويعتبر بالموعظة.

ثم حكى القرآن بعد ذلك شبهة من الشبهات الباطلة التي تمسك بها المشركون في شركهم وجهالاتهم ورد عليها بما يبطلها ويخرس ألسنة قائليها أو المتذرعين بها فقال:

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 185.

(2)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 185.

ص: 205