المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌سورة الأنعام

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌1- متى نزلت سورة الأنعام

- ‌2- طبيعة الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام:

- ‌3- أين نزلت سورة الأنعام:

- ‌4-لماذا سميت بسورة الأنعام

- ‌5- مناسبتها لما قبلها:

- ‌6- عرض عام لسورة الأنعام:

- ‌7- من فضائل سورة الأنعام ومزاياها:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 57 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 70 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 127 الى 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌مقدّمه

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 38]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 168]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأنعام»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «الأعراف»

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب منهم السير في الأرض للتفكر والتدبر، لأنهم كانوا يستهزئون به صلى الله عليه وسلم فكانت المخاطبة منه لهم من قبيل النصيحة والتحذير.

وليس المراد مجرد النظر في قوله ثُمَّ انْظُرُوا، بل المراد منه التفكر والتدبر والاعتبار الذي يهدى إلى الإيمان، ويعين على اتباع الصراط المستقيم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين قوله فَانْظُروا وبين قوله ثُمَّ انْظُرُوا؟

قلت: جعل النظر مسببا عن السير في قوله فَانْظُروا فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح «1» .

وقد علق الشيخ ابن المنير على عبارة صاحب الكشاف فقال: «وأظهر من هذا التأويل أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا، ليكون ذلك سببا في النظر، فحيث دخلت الفاء فلإظهار السببية، وحيث دخلت ثم فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير وأن السير وسيلة إليه لا غير وشتان بين المقصود والوسيلة» .

والذي نرجحه أن التعبير بثم هنا المفيدة للتراخي للإشارة إلى أن السير الذي هو وسيلة للتفكر مطلوب في ذاته كما أن النظر الذي يصحبه التفكر والاعتبار مطلوب أيضا، وكأنه أمر بدهى نتيجة للسير، أما التعبير بالفاء في قوله «فانظروا» فلإبراز كون النظر مسببا عن السير، ومترتبا عليه، وكلا الأسلوبين مناسب للمقام الذي سيق من أجله، ومتناسق مع البلاغة القرآنية.

ثم ساق القرآن الكريم ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله وقدرته وعلى أنه هو المهيمن على هذا الكون، فقال- تعالى-:

[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 8.

ص: 45

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين- على سبيل التوبيخ والتنبيه- من الذي يملك السموات والأرض وما فيهما من إنس وجن وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات، إن الإجابة الصحيحة التي يعترفون بها ولا يستطيعون إنكارها أن جميع المخلوقات لله رب العالمين.

قال- تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فالمقصود بالاستفهام تبكيتهم على عنادهم، وتنبيههم إلى ضلالهم لعلهم يثوبون إلى رشدهم.

قال الإمام الرازي: وقوله: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ سؤال، وقوله قُلْ لِلَّهِ جواب. فقد أمره الله- تعالى- بالسؤال أولا ثم بالجواب ثانيا، وهذا إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع، وهنا كذلك لأن القوم كانوا معترفين بأن العالم كله لله وتحت تصرفه وقهره وقدرته» «1» .

ثم قال- تعالى- كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أى: أوجب- سبحانه- على نفسه رحمته التي وسعت كل شيء والتي من مظاهرها أنه منح خيره ونعمه في الدنيا للطائعين والعصاة، وأنه سيحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم فيجازى الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

وفي الصحيحين عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبى» .

وجملة، ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، يرى بعض العلماء أنها جواب لقسم محذوف

(1) تفسير الفخر الرازي ج 4 ص 14.

ص: 46

أى: والله ليجمعنكم، وجملة القسم والجواب لا محل لها من الإعراب، وإن تعلقت بما قبلها من حيث المعنى وعلى هذا الرأى يكون الكلام قد تم عند قوله- تعالى- كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.

ويرى الزجاج ومن شايعه أن جملة (ليجمعنكم) في محل نصب بدل من الرحمة، وفسر (ليجمعنكم) بمعنى أمهلكم وأمد لكم في العمر والرزق مع كفركم، فهو تفسير الرحمة، كما قال- تعالى- في السورة نفسها (كتب على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)«1» .

والمقصود بهذه الجملة الكريمة (ليجمعنكم) بيان عدل الله بين عباده. فهو لم يجمعهم يوم القيامة لتعذيبهم جميعا، وإنما يجمعهم لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء.

ولما كان الكافرون ينكرون حصول البعث والحساب فقد أكد الله- تعالى- حصولهما باللام وبنون التوكيد الثقيلة، وبتعدية الفعل بإلى دون في للإشارة إلى أن هذا الجمع نهايته يوم القيامة- وبأنه يوم لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه لوضوح أدلته.

ثم ختمت الآية الكريمة ببيان عاقبتهم السيئة فقال- تعالى- الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. أى: الذين خسروا أنفسهم بانطماس فطرتهم، وإصرارهم على العناد والجمود، لا يتسرب الإيمان إلى قلوبهم لأنها قست وأظلمت.

قال الآلوسى: (الفاء) في قوله (فهم لا يؤمنون) - للدلالة على أن عدم إيمانهم وإصرارهم على الكفر مسبب عن خسرانهم، فإن إبطال العقل والانهماك في التقليد أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان) «2» .

ثم ساق- سبحانه- ما يشهد بشمول علمه وقدرته فقال: وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

قال القرطبي: (سكن معناه هدأ واستقر، والمراد ما سكن وما تحرك، فحذف لعلم السامع، وقيل: خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة، وقيل:

المعنى، ما خلق، فهو عام في جميع المخلوقات متحركها وساكنها، فإنه يجرى عليه الليل والنهار، وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق وهذا أحسن ما قيل لأنه يجمع شتات الأقوال) «3» .

(1) حاشية الجمل ج 3 ص 9.

(2)

تفسير روح المعاني للألوسى ج 7 ص 122.

(3)

تفسير القرطبي ج 6 ص 191. [.....]

ص: 47

والمعنى: ولله- سبحانه- جميع ما استقر وتحرك ووجد في كل زمان ومكان من إنسان وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات، وهو- سبحانه- السميع لكل دقيق وجليل، العليم بكل الظواهر والبواطن، والتعبير بما في قوله: وَلَهُ ما سَكَنَ للدلالة على العموم والشمول.

ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد، وأن ينفى عن نفسه بشدة ما تردوا فيه من جهالة وضلالة فقال:

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.

أى: قل لهم- يا محمد- موبخا وزاجرا، بأى عقل أبحتم لأنفسكم الإشراك بالله، واتخذتم من دونه معبودا سواه، مع أنه- سبحانه- باعترافكم هو الخالق لكم وللسموات والأرض ولكل شيء؟

وقد سلطت الهمزة على المفعول الأول لا على الفعل، للإيذان بأن المستنكر إنما هو اتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي مطلقا، ونظير هذه الآية قوله- تعالى- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.

ثم دلل- سبحانه- على أنه هو وحده المستحق للعبادة بأمرين.

أولهما: قوله- تعالى- فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

أى خالقهما ومنشئهما على غير مثال سبق، فالفطر- كما قال اللغويون- الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال يحتذي.

وثانيهما: قوله- تعالى- وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ.

أى: أنه- سبحانه- هو الذي لا يحتاج إلى أحد وكل ما سواه محتاج إليه وهو الرزاق لغيره، والمنافع كلها من عنده.

وقرأ أبو عمرو (وهو يطعم ولا يطعم) بفتح الياء في الثاني. أى: وهو يرزق غيره ويطعمه أما هو- سبحانه- فلا يتناول طعاما ولا شرابا.

وهذه الجملة حالية مؤيدة لإنكار اتخاذ ولى سوى الله، وفيها تعريض بمن اتخذوا أولياء من دونه من البشر بأنهم محتاجون إلى الطعام، وأنه- سبحانه- هو الذي خلق لهم هذا الطعام فهم عاجزون عن البقاء بدونه.

ثم أمره- سبحانه- بأن يصرح أمامهم بأنه برىء من شركهم ومن أفعالهم القبيحة فقال- تعالى- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

أى: قل أيها الرسول الكريم بعد إيراد هذه الآيات والحج الدالة على وحدانية الله: إنى

ص: 48

أمرت من خالقي أن أكون أول من يسلم له وجهه ويخصه بالعبادة، كما أنى نهيت عن أن أكون من المشركين الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى.

وصح عطف الجملة الثانية الإنشائية على الأولى الخبرية لأن الأولى خبرية في اللفظ ولكنها إنشائية في المعنى فكانت في قوة الجملة الطلبية والتقدير: كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين، ويجوز عطفها على جملة قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ وهي إنشائية في اللفظ والمعنى.

ثم أمره- سبحانه- بأن يعلن أمامهم بأن خوفه من خالقه يحتم عليه أن يبتعد عن كل معصية فقال:

قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.

أى: قل لهم- يا محمد- على سبيل الإنذار والتحذير من الاستمرار في الكفر إنى أخاف إن عصيت خالقي عذاب يوم عظيم الأهوال تذهل فيه كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.

وفي هذا التحذير أسمى ألوان التعبير والتصوير لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله سينا له العذاب إن كان- على سبيل الفرض والتقدير- قد عصى ربه في الدنيا. فكيف بأولئك الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى؟ فمن الواجب عليهم أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته وإخلاصه لربه.

وكلمة عَذابَ مفعول لأخاف، وجواب الشرط محذوف والتقدير: إن عصيت ربي استحققت العذاب العظيم.

ثم بين- سبحانه- أن النجاة من هول هذا اليوم غنيمة ليس بعدها غنيمة فقال: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ، وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ.

أى: من يصرف عنه عذاب هذا اليوم، فإنه يكون ممن شملتهم رحمة الله ورعايته، وذلك هو الفوز الذي ليس بعده فوز.

والضمير الذي يعتبر نائب فاعل ليصرف، يعود على العذاب العظيم الذي سيحل بالمجرمين يوم القيامة.

وفي قراءة لحمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم (من يصرف) بفتح الياء فيكون الضمير عائدا على الله- ويكون المفعول محذوفا. والتقدير من يصرف الله عنه هذا العذاب العظيم في ذلك اليوم فقد شملته رحمة الله، وعلى كلتا القراءتين فالضمير في قوله (فقد رحمه) يعود على الله- تعالى-:

ص: 49