الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبين للناس في كل زمان ومكان أن التحلي بمكارم الأخلاق إنما هو نتيجة لإخلاص العبادة لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
قال القرطبي: هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
فقوله خُذِ الْعَفْوَ دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.
وفي قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغنياء، وغير ذلك من الأخلاق المجيدة والأفعال الرشيدة» «1» .
ثم يرشد القرآن المسلمين في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ما يهدئ غضبهم ويطفئ ثورتهم فيقول:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)
النزغ والنخس والغرز بمعنى واحد، وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا ونحوها في الجلد.
أى: وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك، وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، فالتجئ إلى الله، واستعذ بحماه، فإنه- سبحانه- سميع لدعائك، عليم بكل أحوالك. وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.
(1) تفسير القرطبي ج 7 ص 344.
ثم بين- سبحانه- حالة المتقين فقال إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا.
طائف من الطواف والطواف بالشيء أى: الاستدارة به أو حوله. يقال: طاف بالشيء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.
أى: إن الذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته تَذَكَّرُوا أى: تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.
والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين.
وفي قوله إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.
وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.
وقوله فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ، وخطوات الشيطان، فينتهون عنها.
وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول، ويطب النفوس، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.
أما الذين لم يتقوا الله، ولم يلجئوا إلى حماه، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله:
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ.
يمدونهم من المد، وهو الزيادة يقال: مده يمده أى: زاده. والغي: الضلال، مصدر غوى يغوى غيا وغواية.
أى: وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغراء بارتكاب المعاصي والموبقات ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ أى: ثم لا يكف هؤلاء