الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقف التعسّفي
ونجد بعض المفسرين، أو المعربين، أو القرّاء أنّهم يتعسّفون في الوقف أحيانا وفق ما يؤوّلون من معنى، ولو خالف القواعد المعتبرة في هذا الفنّ، ثم يعزفون على نغم العبقرية، والتفرّد في اختيارهم الوقفي هذا، وينشرونه بين روادهم.
فمثل هؤلاء يقول عنهم ابن الجزري:
«ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القرّاء، أو يتأوّله بعض أهل الأهواء ممّا يقتضي وقفا أو ابتداء، ينبغي أن يتعمّد الوقف عليه.
بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ، والوقف الأوجه».
وقد مثّل لهذا ابن الجزري بمواضع عدّة:
1 -
الوقف على وَارْحَمْنا أَنْتَ والابتداء مَوْلانا فَانْصُرْنا على معنى (النداء).
2 -
الوقف على ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ. والابتداء ب بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا على معنى (القسم).
3 -
الوقف على يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ. الابتداء ب بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ على معنى (القسم).
4 -
الوقف على وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الابتداء اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
5 -
الوقف فَلا جُناحَ الابتداء عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.
ويقول عنه ابن الجزري.
«فكلّه تعسف وتمحّل، وتحريف للكلم عن مواضعه» .
ومن التعسّف هذا، ما تحرّفه بعض الناس تفرّدا واستشهادا، سأقتصر فيه على ذكر مثالين اثنين فقط:
1 -
الوقف على قُرَّتُ عَيْنٍ لِي والابتداء ب: وَلَكَ لا والوقف على حرف لا من قوله تعالى: تَقْتُلُوهُ.
وكأنّهم يريدون أن يقولوا: إنّ امرأة فرعون، كانت تعلم أنّ هذا الولد سيكون عدوّا لفرعون.
وهذا رجم بالغيب، وتحريف الكلم عن مواضعه، فسياق القرآن يطرحه، لأنّه نزل ليحكي قصة في الماضي، وإحداثيات النبوّة لم تظهر بعد، على موسى، لأنّه طفل في المهد، بدليل قول امرأة فرعون:
عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً القصص/ 9/.
فرجت النفع، أو اتخاذ الولد، ولن يتم إلّا بمشاركة فرعون لها.
وقول الله: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً القصص/ 10/.
لبرهان ساطع على جهلها بما سيقع، فالمتوقّع حدوثه، هو الأذى لولدها لذا. عبّر القرآن عن ضعفها، فكان الله هو المثبت لقلبها.
إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها القصص/ 10/.
وإذا كانت أمّ موسى لا تعلم بما في المستقبل، فأنّى لامرأة فرعون العلم؟.
فأولى بهؤلاء العابثين أن يرفعوا أيديهم عن العبث بآي القرآن قبل أن تمسخ قلوبهم!!.
2 -
الوقف على كلمة (فيم؟). ثم البدء ب (أنت من ذكراها) في قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها النازعات/ 42 - 44/. وذلك ليكون إشارة إلى تفسير لها برأي، بعيد عن روح النص سياقا وسباقا، ومع قبوله كتفسير، لا يستدعي أن يلازمه مثل هذا الوقف التعسّفيّ.
لأن الوقف قبل أن يعتمد على المعنى، فإنه يرتكز على المبنى الحرفي، وهو الأساس، ثم يبنى عليه ما أريد من معاني.
وهذا التقرير لا نجد له مخالفا في هذا المضمار.
فكلمة (فيم؟) لا تفيد شيئا.
فحصرا، تصنّف تحت عنوان (الوقف القبيح). لأنّها على غرار أمثلته، ولسوف يأتيك إن شاء الله تعالى- فإلى هناك.