الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتبقى المسألة اجتهاديّة الوضع، والاستعمال.
ولنا أن نختار الرأي الأخير، فهو أدنى لصحة التعامل مع النص القرآني المقدّس، فنقول:
«إنّ التفسير: ما كان راجعا إلى الرواية، والتأويل: ما كان راجعا إلى الدراية، لأنّ التفسير معناه (كشف وبيان) والكشف عن مراد الله تعالى، لا يكون إلّا بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، وأحاطوا بالحوادث والوقائع علما كبيرا.
فإن أشكل عليهم معنى له، رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه، فأجابهم.
أما التأويل: فيلحظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ، وفق الدليل والبرهان، وإعمال العقل في تجلية المغطّى، واستخدام مدلولات اللفظ في العربية، ومراعاة السياق والسباق، وغير ذلك من لوازم المعرفة، ويعتمد في هذا كله على ملكة الاجتهاد.
أهمية علم التفسير
وعلم التفسير يعتبر أحقّ العلوم الإسلامية بالدراسة والتدبّر، وكشف المعاني، والأسرار، كي تزيد في إيمان العبد، وتوسّع له مداركه.
وقمين بالمؤمن أن يجري وراء استجلائها، ليفقه خطاب ربّه، وينهل من معين الحياة الطيبة، فهو- بحقّ- أب لسائر العلوم وسائرها دونه.
لأنه المصدر التشريعي الأول، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الحاوي لكلّ وسائل السعادة، الهادي إلى سواء السبيل، المحكم في قوانينه، وتشاريعه.
قال الله تعالى:
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1).
ولم تكن الأهمية له متأخرة، بل وجدت مع أوّل تنزيلاته، فأعلن القرآن أنّ الضامن لحفظه منزّله سبحانه، وذلك حين بدأ التنزيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أخذه، ومن ثمّ صار يسابقه في قراءته، حرصا أن يفلت بعض منه، فهبط جبريل عليه السلام بأمر الله أن لا يعجل، فمن أنزله يحفظه، وييسّر أداءه.
قال الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (7) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (2).
ولم يقف الأمر ببيان معانيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما تعدّاه
(1) هود (1).
(2)
القيامة (16 - 19).
منذ البداية إلى صحابته رضي الله عنهم، فهم قد كلّفوا بالتفكير لاستجلاء معانيه وأسراره.
قال عز من قائل:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (1).
ثم تعدّاه أخيرا إلى دعوة الأمّة للتدبّر في آياته، والتفتيش عن كنوزه، حتى يوم الدين.
قال الله تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.
وجاء خطاب قرآني آخر بأسلوب التبكيت لمن أعرض، وأدبر، عن ذكره. فقال عز من قائل:
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.
وتجاوب الصحابة مع النداء، فحرصوا على معرفة معانيه، والوقوف على أسراره، فرسموا لأنفسهم نهجا وئيدا، ينطوي على عبقريتهم وسداد رأيهم.
(1) النحل (44).