الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنفوس المريضة، والشكّاكة، تثور وتعترض، وتزداد غيا على غيّها إن حرّر إليها (مثل) يجبهها، ويسفّه تصرفاتها، ويبديها لدى الناظرين بصورتها الحقيقيّة، كي ترعوي، ويحذرها من حولها.
فمن أجل معالجة النفوس بشتى ألوانها، أكثر القرآن ضرب الأمثال- تربية وإرشادا- فكانت لونا من ألوان الهداية الإلهية، تهدي وتحضّ على الخير، وتحجز عن الآثام والشرور.
الوظائف التربويّة لضرب الأمثال
وكثر ما تناولت الأمثال من مواطن حساسة، فركّزت على أصول العقائد، وقوانين الأخلاق، ورسوم الآداب، فمثلت الإيمان، والكفر، والنفاق. ونادت بالخير، وندّدت بالشرّ، وصورت الطيب بأبهى صورة، والخبيث بأقذرها.
وفوق هذا كله، أبرزت المعقول في صورة مجسّمة، وألبست المعنوي ثوب المحسوس، وفصّلت المجمل، وأوضحت المبهم، ما من شأنه أن تهذّب الطباع، وتقلّم الغرائز المنحرفة، وتخفف من غلواء النفوس، وتحدّ من ضراوتها.
ومن ثمّ. فإن الشيخ عبد القاهر الجرجاني قال في كتابه أسرار البلاغة:
[
…
واعلم. أنّ مما اتفق العقلاء عليه: أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته، كساها أبهة، وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة- صبابة وكلفا- وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا.
فإن كانت مدحا كان أبهى، وأفخم، وأنبل في النفوس، وأعظم، وأهزّ للعطف، وأسرع للإلف، وأجلب للفرح، وأغلب على الممتدح، وأوجب شفاعة للمادح .. ].
ثم يقول: [وإن كان ذما، كان مسّه أوجع، وميسمه ألذع، ووقعه أشد، وحدّه أحدّ.
وإن كان حجاجا: كان برهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبيانه أبهر.
وإن كان افتخارا: كان شأوه أبعد، وشرفه أجدّ، ولسانه ألدّ ....
وإن كان اعتذارا: كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب،
وللسخائم أسلّ، ولغريب الغضب أفلّ، وفي عقد العقود أنفث، وعلى حسن الرجوع أبعث.
وإن كان وعظا: كان أشفى للصدر، وأدعى للفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر أن يجلي الغياية، ويبصر الغاية، ويبرئ العليل ويشفي الغليل].
ويصف التمثيل المفسّر الكبير أبو السعود فيقول:
« .. والتمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل، واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه، وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبي، وقمع سورة الجامح الأبي. كيف لا؟.
وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية، وإبراز لها في معرض المحسوسات الجلية، وإبداء للمنكر في صورة المعروف وإظهار للوحشي في هيئة المألوف».
ثم قال إبراهيم النظام مظهرا وظائفه: «يجتمع في المثل أربعة، لا تجتمع في غيره من الكلام:
إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية. فهو نهاية البلاغة».
كان تلك أبرز وظائف المثل التربوية، التي استخرجها أساطين البلاغة، والفصاحة، وثبّتوها في كتبهم.