الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
[كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهن والعمل بهنّ](1).
وروى أيضا عن عبد الرحمن السلمي قال:
[حدثنا الذين يقرءوننا:
أنّهم كانوا يستقرءون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات، لم يخلفوها حتى يعلموا ما فيها من العمل.
- فتعلّمنا القرآن، والعمل جميعا] (2).
مقوّمات المفسّر، ومؤهلاته
والقرآن إذا فسّرت آياته بنصوص نبوية صحيحة، اقتصر عليها، واعتمدت بيانا وإيضاحا بهذا الباب.
بيد أنّه إذا وجدت الآية غير مفسّرة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز لنا أن نفسّرها عند الطلب، أو البيان بشروط اعتبارية، وهذه الشروط قد
(1) تفسير ابن جرير (1/ 46).
(2)
المرجع السابق (2/ 27).
وضعها العلماء كمؤهلات علمية للمفسّر، يحرم عليه أن يقول بكتاب الله شيئا حتى يكون ملمّا بها، ويكون التفسير عندئذ تحت عنوان (التفسير العقلي).
وسمّي بذلك لأن المفسّر هنا يعمل عقله بالبيان، وليس له حظّ من وحي السماء، غير أنّه يلحظ- في تأويل له- أشباها ونظائر في آي القرآن، ليكون أقرب إلى الصواب. ولكي يكون مقبولا شرعا، عليه أن يتمتع بالمؤهلات الآتية:.
1 -
أن يكون عالما باللغة العربية، حتى يشرح مفرداته وفق مدلولات اللغة، وحسب وضعها، فالقرآن ما نزل إلّا بالعربية.
2 -
أن يكون عالما بالنحو، فالمعنى التفسيري يختلف باختلاف الإعراب، فلا بدّ من التمتع به.
3 -
أن يكون عالما ب (الصرف) لأنه به تعرف الأبنية والصيغ.
4 -
أن يكون عالما ب (الاشتقاق) لأنّ الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين، اختلف المعنى باختلافها.
5 -
أن يكون عالما، بعلوم البلاغة الثلاثة:
المعاني. البيان. البديع.
فعلم المعاني: يعرف به خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى المراد.
وعلم البيان: يعرف به خواص التراكيب من جهة اختلافها في وضوح الدلالة وخفائها.
وعلم البديع: يعرف به وجوه تحسين الكلام.
8 -
أن يكون عالما بالقراءات- فبمعرفتها يمكن ترجيح بعض الوجوه على بعضها الآخر.
9 -
أن يكون عالما بأصول الدين (العقيدة) فمن خلال هذا العلم يستطيع المفسّر أن يستدل على ما يجب في حقه سبحانه، وما يجوز، وما يستحيل، وأن ينظر في الآيات المتعلقة بالنبوات والمعاد.
10 -
أن يكون عالما بأصول الفقه، فبه يعرف المفسّر كيف يستخرج الأحكام من الآيات، وكيف يستدل عليها، ويعرف المجمل والمفسّر وغير ذلك من فنون هذا العلم.
11 -
أن يكون عالما بأسباب النزول، لأنه يعين على فهم المراد من الآية.
12 -
أن يكون عالما بفنّ القصص، لأنّ معرفة القصة تفصيلا تعين على توضيح ما أجمل منها في القرآن.
13 -
أن يكون عالما بفن الناسخ والمنسوخ، فبه يعرف المحكم من غيره ومن جهله ربّما يحكم بحكم منسوخ، فيضلّ ويضل.
14 -
أن يكون عالما بالحديث، لأنّه المبيّن لما أجمل في الآي والشارح لما أبهم فيها، وغير ذلك.
15 -
أن يتمتع بعلم الموهبة. وهو علم يورّثه الله من عمل بما علم ويستدل عليه بقوله تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (1).
وبقوله صلى الله عليه وسلم:
[من عمل بما علم، ورّثه الله علم ما لم يعلم](2).
هذا. وإن بعض العلماء قد زاد شرطا آخر: علم أحوال البشر. وبعضهم زاد أيضا: علمي التاريخ، وتقويم البلدان.
والخلاصة: فإن زيادة الشروط تفرض بزيادة الحاجة إلى كشف ما هو مغطّى من معاني الآي القرآني، فالإعجاز العلمي مثلا صار علما بارزا يؤمّه العاقلون، ويعتمد عليه في تجلية المعاني المرادة، وكاد أن يتفرد في هذا المجال!! لذا. فإنّ الآية الكونية يجب في تجلية معناها الاستعانة بما جدّ من علم تجريبيّ.
(1) البقرة (272).
(2)
رواه أبو نعيم من حديث أنس. ضعيف.