الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِمْ كَأَنَّهُ أَحَدُهُمْ فَيَأْتِي الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ مَعَ النَّاسِ إِنْ تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْآخِرَةِ أَخَذَ مَعَهُمْ، وَإِنْ تَحَدَّثُوا فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ رِفْقًا بِهِمْ وَتَوَاضُعًا لَهُمْ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحْيَانًا وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَضْحَكُونَ فَيَبْتَسِمُ هُوَ إِذَا ضَحِكُوا وَلَا يَزْجُرُهُمْ إِلَّا عَنْ حَرَامٍ.
خِلْقَتُهُ الْكَرِيمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْآدَمِ وَلَا الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، وَكَانَ شَعْرُهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ يَضْرِبُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، لَمْ يَبْلُغْ شَيْبُهُ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي رَأْسِهِ وَلَا فِي لِحْيَتِهِ، وَكَانَ وَاسِعَ الْجَبْهَةِ أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ سَابِغَهُمَا أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ كَثَّ اللِّحْيَةِ، وَكَانَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَكَانَ عَظِيمَ الْمَنْكِبَيْنِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَكَانَ يَمْشِي الْهُوَيْنَا كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ.
شَذْرَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْغَى إِلَى سَمَاعِ أَخْبَارِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَعَادَاتِهِ وَسَجَايَاهُ وَسِيَاسَتِهِ لِأَصْنَافِ الْخَلْقِ وَهِدَايَتِهِ إِلَى ضَبْطِهِمْ وَتَأَلُّفِهِ أَصْنَافَ الْخَلْقِ وَقَوْدِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ مَعَ مَا يُرْوَى عَنْ عَجَائِبِ أَجْوِبَتِهِ فِي مَضَايِقِ الْأَسْئِلَةِ وَبَدَائِعِ تَدْبِيرَاتِهِ فِي مَصَالِحِ الْخَلْقِ وَمَحَاسِنِ إِشَارَتِهِ فِي تَفْصِيلِ ظَاهِرِ الشَّرْعِ الَّذِي يَعْجِزُ الْعُقَلَاءُ عَنْ إِدْرَاكِ أَوَائِلِ دَقَائِقِهَا فِي طُولِ أَعْمَارِهِمْ، لَمْ يَبْقَ لَهُ رَيْبٌ وَلَا شَكٌّ فِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتِمْدَادٌ مِنْ تَأْيِيدٍ سَمَاوِيٍّ وَقُوَّةٍ إِلَهِيَّةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِمُفْتَرٍ وَلَا مُلَبِّسٍ، بَلْ كَانَتْ شَمَائِلُهُ وَأَحْوَالُهُ شَوَاهِدَ قَاطِعَةً بِصِدْقِهِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَبِيَّ الْقُحَّ كَانَ يَرَاهُ فَيَقُولُ:«وَاللَّهِ مَا هَذَا وَجْهُ كَذَّابٍ» ، فَكَانَ يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ بِمُجَرَّدِ شَمَائِلِهِ، فَكَيْفَ مَنْ شَاهَدَ أَخْلَاقَهُ وَمَارَسَ أَحْوَالَهُ فِي جَمِيعِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ؟ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا بَعْضَ أَخْلَاقِهِ لِتُعْرَفَ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ، وَلِيُتَنَبَّهَ لِصِدْقِهِ صلى الله عليه وسلم وَعُلُوِّ مَنْصِبِهِ وَمَكَانَتِهِ الْعَظِيمَةِ عِنْدَ اللَّهِ، إِذْ آتَاهُ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ أُمِّيٌّ لَمْ يُمَارِسِ الْعِلْمَ وَلَمْ يُطَالِعِ الْكُتُبَ وَلَمْ يُسَافِرْ قَطُّ فِي طَلَبِ عِلْمٍ، بَلْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْجُهَّالِ مِنَ الْأَعْرَابِ يَتِيمًا ضَعِيفًا مُسْتَضْعَفًا، فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَ لَهُ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَمَعْرِفَةُ مَصَالِحِ الْفِقْهِ مَثَلًا دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ النُّبُوَّةِ لَوْلَا صَرِيحُ الْوَحْيِ، وَمِنْ أَيْنَ لِقُوَّةِ الْبَشَرِ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ لَكَفَى. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ آيَاتِهِ وَمُعْجِزَاتِهِ مَا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مُحَصِّلٌ، فَلْنَذْكُرْ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ فَنَقُولُ: اسْتَفَاضَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ النَّفَرَ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ فِي مَنْزِلِ «جابر» وَمَنْزِلِ «أبي طلحة» وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ. وَمَرَّةً أَطْعَمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَقْرَاصِ شَعِيرٍ حَمَلَهَا أَنَسٌ فِي يَدِهِ فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَفَضَلَ لَهُمْ، وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَشَرِبَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ كُلُّهُمْ وَهُمْ عِطَاشٌ، وَتَوَضَّؤُوا مِنْ قَدَحٍ صَغِيرٍ ضَاقَ عَنْ أَنْ يَبْسُطَ عليه السلام يَدَهُ فِيهِ، وَأَرَاقَ وَضُوءَهُ فِي عَيْنِ تَبُوكَ وَلَا مَاءَ فِيهَا وَمَرَّةً أُخْرَى فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاشَتَا
بِالْمَاءِ فَشَرِبَ مِنْ عَيْنِ تَبُوكَ أَهْلُ الْجَيْشِ وَهُمْ أُلُوفٌ حَتَّى رَوُوا، وَشَرِبَ مِنْ بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَاءٌ، وَرَمَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَيْشَ الْعَدُوِّ بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ فَعَمِيَتْ عُيُونُهُمْ وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)[الْأَنْفَالِ: 17] وَحَنَّ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ إِلَيْهِ لَمَّا عُمِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ مِثْلَ صَوْتِ الْإِبِلِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَسَكَنَ، وَدَعَا الْيَهُودَ إِلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ فَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَمَنِّيهِ كَمَا أَخْبَرَ، وَأَخْبَرَ عليه السلام بِالْغُيُوبِ فَأَنْذَرَ «عثمان» بِأَنَّ بَلْوَى تُصِيبُهُ بَعْدَهَا الْجَنَّةُ، وَبِأَنَّ «عمارا» تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَأَنَّ «الحسن» يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ، وَأَخْبَرَ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَظَهَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَشْيَاءُ إِلَهِيَّةٌ لَا تُعْرَفُ الْبَتَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهٍ تَقَدَّمَتِ الْمَعْرِفَةُ بِهَا لَا بِنُجُومٍ وَلَا بِكَشْفٍ وَلَا بِخَطٍّ وَلَا بِزَجْرٍ لَكِنْ بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَوَحْيِهِ إِلَيْهِ.
وَاتَّبَعَهُ «سراقة بن مالك» فَسَاخَتْ قَدَمَا فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَغَاثَهُ فَدَعَا لَهُ فَانْطَلَقَ الْفَرَسُ، وَأَنْذَرَهُ بِأَنْ سَيُوضَعُ فِي ذِرَاعَيْهِ سِوَارُ كِسْرَى فَكَانَ كَذَلِكَ، وَأَخْبَرَ بِمَقْتَلِ «الأسود العنسي الكذاب» لَيْلَةَ قَتْلِهِ وَهُوَ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَأَخْبَرَ بِمَنْ قَتَلَهُ، وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ يَقْتُلُ «أبي بن خلف الجمحي» فَخَدَشَهُ يَوْمَ أُحُدٍ خَدْشًا لَطِيفًا فَكَانَتْ مَنِيَّتُهُ فِيهِ، وَأُطْعِمَ عليه الصلاة والسلام السُّمَّ فَمَاتَ الَّذِي أَكَلَهُ مَعَهُ وَعَاشَ هُوَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَكَلَّمَهُ الذِّرَاعُ الْمَسْمُومُ، وَأَخْبَرَ عليه السلام بِمَصَارِعِ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَوَقَفَهُمْ عَلَى مَصَارِعِهِمْ رُجَلًا رَجُلًا فَلَمْ يَتَعَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَأَنْذَرَ عليه السلام بِأَنَّ طَوَائِفَ مِنْ أُمَّتِهِ يَغْزُونَ فِي الْبَحْرِ فَكَانَ كَذَلِكَ، وَزُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ فَأُرِيَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ مُلْكَ أُمَّتِهِ سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لَهُ مِنْهَا فَكَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ بَلَغَ مُلْكُهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْمَشْرِقِ مِنْ بِلَادِ التُّرْكِ إِلَى آخِرِ الْمَغْرِبِ مِنْ بَحْرِ الْأَنْدَلُسِ
وَبِلَادِ الْبَرْبَرِ، وَأَخْبَرَ «فاطمة» ابْنَتَهُ رضي الله عنها بِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَكَانَ كَذَلِكَ، وَأَخْبَرَ نِسَاءَهُ أَطْوَلُهُنَّ يَدًا أَسْرَعُهُنَّ لُحُوقًا بِهِ فَكَانَتْ «زينب» أَطْوَلَهُنَّ يَدًا بِالصَّدَقَةِ وَأَوَّلَهُنَّ لُحُوقًا بِهِ رضي الله عنها، وَمَسَحَ ضَرْعَ شَاةٍ لَا لَبَنَ لَهَا فَدَرَّتْ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ إِسْلَامِ «ابْنِ مَسْعُودٍ» رضي الله عنه، وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فِي خَيْمَةِ «أم معبد الخزاعية» وَنَدَرَتْ عَيْنُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَصَحَّ عَيْنَيْهِ وَأَحْسَنَهُمَا، وَتَفَلَ فِي عَيْنِ «علي» رضي الله عنه وَهُوَ أَرْمَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ فَصَحَّ مِنْ وَقْتِهِ وَبَعَثَهُ بِالرَّايَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ وَمُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمَنْ يَسْتَرِيبُ فِي انْخِرَاقِ الْعَادَةِ عَلَى يَدِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ آحَادَ هَذِهِ الْوَقَائِعِ لَمْ يُنْقَلْ تَوَاتُرًا بَلِ الْمُتَوَاتِرُ هُوَ الْقُرْآنُ فَقَطْ كَمَنْ يَسْتَرِيبُ فِي شَجَاعَةِ علي رضي الله عنه وَسَخَاوَةِ «حاتم الطائي» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ آحَادَ وَقَائِعِهِمْ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ وَلَكِنْ مَجْمُوعُ الْوَقَائِعِ يُوِرثُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا، ثُمَّ لَا يُتَمَارَى فِي تَوَاتُرِ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الْكُبْرَى الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ، وَلَيْسَ لِنَبِيٍّ مُعْجِزَةٌ بَاقِيَةٌ سِوَاهُ صلى الله عليه وسلم إِذْ تَحَدَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُلَغَاءَ الْخَلْقِ وَفُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ حِينَئِذٍ مَمْلُوءَةٌ بِآلَافٍ مِنْهُمْ، وَالْفَصَاحَةُ صَنْعَتُهُمْ وَبِهَا مُنَافَسَتُهُمْ وَمُبَاهَاتُهُمْ، وَكَانَ يُنَادِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِنْ شَكُّوا فِيهِ، وَقَالَ لَهُمْ:(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الْإِسْرَاءِ: 88] قَالَ ذَلِكَ تَعْجِيزًا لَهُمْ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى عَرَّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ وَنِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ لِلسَّبْيِ وَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُعَارِضُوا وَلَا أَنْ يَقْدَحُوا فِي جَزَالَتِهِ وَحُسْنِهِ، ثُمَّ انْتَشَرَ ذَلِكَ بَعْدَهُ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ شَرْقًا وَغَرْبًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَعَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ. فَأَعْظِمْ بِغَبَاوَةِ مَنْ يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِ ثُمَّ فِي أَقْوَالِهِ ثُمَّ فِي أَفْعَالِهِ ثُمَّ فِي أَخْلَاقِهِ ثُمَّ فِي مُعْجِزَاتِهِ ثُمَّ فِي اسْتِمْرَارِ شَرْعِهِ إِلَى الْآنَ ثُمَّ فِي انْتِشَارِهِ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ ثُمَّ فِي إِذْعَانِ مُلُوكِ
الْأَرْضِ لَهُ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَ عَصْرِهِ مَعَ ضَعْفِهِ وَيُتْمِهِ. ثُمَّ يَتَمَارَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي صِدْقِهِ. فَمَا أَعْظَمَ تَوْفِيقَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ فِي كُلِّ وِرْدٍ وَصَدَرٍ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَحْوَالِ بِمَنِّهِ وَسَعَةِ جُودِهِ آمِينَ.