الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ ذَمِّ الْبُخْلِ وَذَمِّ الْمَالِ
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ ذَمِّ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ نَظَرًا فِي الْمَالِ خَاصَّةً، بَلْ فِي الدُّنْيَا عَامَّةً، وَالْمَالُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا، الْجَدِيرُ بِإِفْرَادِ الْبَحْثِ عَنْهُ، إِذْ فِيهِ آفَاتٌ وَغَوَائِلُ، وَلِلْإِنْسَانِ مِنْ فَقْدِهِ صِفَةُ الْفَقْرِ، وَمِنْ وُجُودِهِ وَصْفُ الْغِنَى، وَهُمَا حَالَتَانِ يَحْصُلُ بِهِمَا الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، ثُمَّ لِلْفَاقِدِ حَالَتَانِ: الْقَنَاعَةُ وَالْحِرْصُ، وَإِحْدَاهُمَا مَذْمُومَةٌ وَالْأُخْرَى مَحْمُودَةٌ. وَلِلْحَرِيصِ حَالَتَانِ: طَمَعٌ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَتَشَمُّرٌ لِلْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ مَعَ الْيَأْسِ عَنِ الْخَلْقِ، وَالطَّمَعُ شَرُّ الْحَالَتَيْنِ. وَلِلْوَاحِدِ حَالَتَانِ: إِمْسَاكٌ بِحُكْمِ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ، وَإِنْفَاقٌ، وَإِحْدَاهُمَا مَذْمُومَةٌ، وَالْأُخْرَى مَحْمُودَةٌ، وَلِلْمُنْفِقِ حَالَتَانِ: تَبْذِيرٌ وَاقْتِصَادٌ، وَالْمَحْمُودُ هُوَ الِاقْتِصَادُ. وَهَذِهِ أُمُورٌ مُتَشَابِهَةٌ، وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنِ الْغُمُوضِ فِيهَا مُهِمٌّ، وَنَحْنُ نَشْرَحُهُ بِعَوْنِهِ تَعَالَى.
بَيَانُ ذَمِّ الْمَالِ وَكَرَاهَةِ حُبِّهِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 9]، وَقَالَ تَعَالَى:(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[التَّغَابُنِ: 15] ، فَمَنِ اخْتَارَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ وَغَبِنَ خُسْرَانًا مُبِينًا، وَقَالَ تَعَالَى:(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)[الْعَلَقِ: 6، 7] ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَقَالَ تَعَالَى:(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)[التَّكَاثُرِ: 1]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«تَعِسَ عَبْدُ الدُّنْيَا وَتَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ وَلَا انْتَعَشَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» بَيَّنَ أَنَّ مُحِبَّهُمَا عَابِدٌ لَهُمَا، وَمَنْ عَبَدَ حَجَرًا فَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ، أَيْ مَنْ قَطَعَهُ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَدَاءِ حَقِّهِ فَهُوَ كَعَابِدِ صَنَمٍ، وَهُوَ شِرْكٌ، إِلَّا أَنَّ الشِّرْكَ خَفِيٌّ وَجَلِيٌّ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُمَا.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَكْثَرَ إِفْسَادًا فِيهَا مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ فِي دِينِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا