الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ إِلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ قَطَعَ عَنْ بَذْرِ الْإِيمَانِ تَعَهُّدَهُ بِمَاءِ الطَّاعَاتِ، أَوْ تَرَكَ الْقَلْبَ مَشْحُونًا بِرَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَانْهَمَكَ فِي طَلَبِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا ثُمَّ انْتَظَرَ الْمَغْفِرَةَ فَانْتِظَارُهُ حُمْقٌ وَغُرُورٌ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الْأَحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» وَقَالَ - تَعَالَى -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مَرْيَمَ: 59] وَقَالَ - تَعَالَى -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا)[الْأَعْرَافِ: 169] وَذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى - صَاحِبَ الْبُسْتَانِ إِذْ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَقَالَ: (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)[الْكَهْفِ: 35 وَ 36] فَإِذَنِ الْعَبْدُ الْمُجْتَهِدُ فِي الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ لِلْمَعَاصِي حَقِيقٌ بِأَنْ يَنْتَظِرَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَمَامَ النِّعْمَةِ، وَمَا تَمَامُ النِّعْمَةِ إِلَّا بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْعَاصِي فَإِذَا تَابَ وَتَدَارَكَ جَمِيعَ مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ تَقْصِيرٍ فَحَقِيقٌ بِأَنْ يَرْجُوَ قَبُولَ التَّوْبَةِ، وَإِنَّمَا الرَّجَاءُ بَعْدَ تَأَكُّدِ الْأَسْبَابِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى -:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ)[الْبَقَرَةِ: 218] مَعْنَاهُ: أُولَئِكَ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَرْجُوا رَحْمَةَ اللَّهِ، وَقَالَ - تَعَالَى -:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)[فَاطِرٍ: 29] فَأَمَّا مِنْ يَنْهَمِكُ فِيمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا يَذُمُّ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْزِمُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ فَرَجَاؤُهُ الْمَغْفِرَةَ حُمْقٌ كَرَجَاءِ مَنْ بَثَّ الْبَذْرَ فِي أَرْضٍ سَبِخَةٍ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَهَّدَهُ بِسَقْيٍ وَلَا تَنْقِيَةٍ، قَالَ «يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ» :«مِنْ أَعْظَمِ الِاغْتِرَارِ عِنْدِي التَّمَادِي فِي الذُّنُوبِ عَلَى رَجَاءِ الْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ نَدَامَةٍ، وَتَوَقُّعُ الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ طَاعَةٍ، وَانْتِظَارُ زَرْعِ الْجَنَّةِ بِبَذْرِ النَّارِ، وَطَلَبُ دَارِ الْمُطِيعِينَ بِالْمَعَاصِي، وَانْتِظَارُ الْجَزَاءِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَالتَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ عز وجل مَعَ الْإِفْرَاطِ» .
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا
…
إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
فَإِذَنْ حَالُ الرَّجَاءِ يُورِثُ طُولَ الْمُجَاهَدَةِ بِالْأَعْمَالِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتِ الْأَحْوَالُ.
وَمِنْ آثَارِهِ التَّلَذُّذُ بِدَوَامِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّنَعُّمُ بِمَنْجَاتِهِ وَالتَّلَطُّفُ فِي التَّمَلُّقِ لَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَظْهَرَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَرْجُو مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ أَوْ شَخْصًا مِنَ الْأَشْخَاصِ، فَكَيْفَ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْحِرْمَانِ عَنْ مَقَامِ الرَّجَاءِ وَالنُّزُولِ فِي حَضِيضِ الْغُرُورِ وَالتَّمَنِّي.
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْخَوْفِ
اعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَلُّمِ الْقَلْبِ وَاحْتِرَاقِهِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَالْعِلْمِ بِأَسْبَابِ الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ السَّبَبُ الْبَاعِثُ الْمُثِيرُ لِإِحْرَاقِ الْقَلْبِ وَتَأَلُّمِهِ، وَذَلِكَ الْإِحْرَاقُ هُوَ الْخَوْفُ. فَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - تَارَةً يَكُونُ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَهْلَكَ الْعَالَمِينَ لَمْ يُبَالِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِكَثْرَةِ الْجِنَايَةِ مِنَ الْعَبْدِ بِمُقَارَفَةِ الْمَعَاصِي، وَتَارَةً يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا. وَبِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِجَلَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاسْتِغْنَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا