الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَاوِسَ يَخْدَعُهُمُ الشَّيْطَانُ بِهَا، وَالْإِبَاحَيَّةُ مِنَ الْكُفَّارِ الْمَارِقِينَ. نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
وَفِرْقَةٌ ادَّعَوْا حُسْنَ الْخُلُقِ وَالتَّوَاضُعَ وَالسَّمَاحَةَ فَتَصَدَّوْا لِخِدْمَةِ الصُّوفِيَّةِ فَجَمَعُوا قَوْمًا وَتَكَلَّفُوا بِخِدْمَتِهِمْ وَاتَّخَذُوا ذَلِكَ شَبَكَةً لِلرِّيَاسَةِ وَجَمْعِ الْمَالِ، فَيَجْمَعُونَ مِنَ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ وَيُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ لِتَكْثُرَ أَتْبَاعُهُمْ وَيَنْتَشِرَ بِالْخِدْمَةِ اسْمُهُمْ، وَمَا بَاعِثُهُمْ إِلَّا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ.
وَثَمَّةَ فِرَقٌ أُخَرُ لَا يُحْصَى غُرُورُهَا، وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثِلَةٍ تُعَرِّفُ الْأَجْنَاسَ دُونَ الِاسْتِيعَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَطُولُ.
غُرُورُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ:
وَالْمُغْتَرُّونَ مِنْهُمْ فِرَقٌ: فَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَمَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ لِيَتَخَلَّدَ ذِكْرُهُمْ أَوْ يَذِيعَ صِيتُهُمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدِ اسْتَحَقُّوا الْمَغْفِرَةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِنْ جِهَاتٍ مَحْظُورَةٍ تَعَرَّضُوا لِسُخْطِ اللَّهِ فِي كَسْبِهَا، وَكَانَ الْوَاجِبُ رَدَّهَا إِلَى مُلَّاكِهَا إِمَّا بِأَعْيَانِهَا وَإِمَّا رَدُّ بَدَلِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَهَمُّ التَّفْرِقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ لَا يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ فَيَكُونُ غَرَضُهُمْ فِي الْبِنَاءِ الرِّيَاءَ وَجَلْبَ الثَّنَاءِ، مَعَ أَنَّ صَرْفَ الْمَالِ إِلَى مَنْ فِي جِوَارِهِ أَوْ بَلَدِهِ مِنْ فُقَرَاءَ وَأَيْتَامٍ أَهَمُّ وَأَفْضَلُ وَأَوْلَى مِنَ الصَّرْفِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَزِينَتِهَا، فَمَا خَفَّ عَلَيْهِمُ الصَّرْفُ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِلَّا لِيَظْهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ. وَهُنَاكَ مَحْظُورٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُصْرَفُ الْمَالُ إِلَى زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِالنُّقُوشِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِشَغْلِهَا قُلُوبَ الْمُصَلِّينَ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَحُضُورُ الْقَلْبِ وَذَلِكَ يُفْسِدُ قُلُوبَ الْمُصَلِّينَ ; فَوَبَالُ ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَغْتَرُّ بِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَعَ أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى.
وَفِرْقَةٌ يُنْفِقُونَ الْأَمْوَالَ فِي الصَّدَقَاتِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَطْلُبُونَ بِهِ الْمَحَافِلَ الْجَامِعَةَ، وَمِنَ الْفُقَرَاءِ مَنْ عَادَتُهُ الشُّكْرُ وَإِفْشَاءُ الْمَعْرُوفِ، وَيَكْرَهُونَ التَّصَدُّقَ فِي السِّرِّ، وَيَرَوْنَ إِخْفَاءَ الْفَقِيرِ لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ جِنَايَةً عَلَيْهِمْ وَكُفْرَانًا، وَرُبَّمَا يَحْرِصُونَ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ فَيَحُجُّونَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَرُبَّمَا تَرَكُوا جِيرَانَهُمْ جِيَاعًا، وَلِذَلِكَ قَالَ «ابْنُ مَسْعُودٍ» :«فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ الْحَاجُّ بِلَا سَبَبٍ، يَهُونُ عَلَيْهِمُ السَّفَرُ، وَيُبْسَطُ لَهُمْ فِي الرِّزْقِ، وَيَرْجِعُونَ مَحْرُومِينَ مَسْلُوبِينَ، يَهْوِي بِأَحَدِهِمْ بَعِيرُهُ بَيْنَ الرِّمَالِ وَالْقِفَارِ وَجَارُهُ مَأْسُورٌ إِلَى جَنْبِهِ لَا يُوَاسِيهِ» وَقَالَ «أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ» : «إِنَّ رَجُلًا جَاءَ يُوَدِّعُ» بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ «وَقَالَ:» قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْحَجِّ فَتَأْمُرُنِي بِشَيْءٍ «؟ فَقَالَ لَهُ:» كَمْ أَعْدَدْتَ لِلنَّفَقَةِ «؟ قَالَ:» أَلْفَيْ دِرْهَمٍ «، قَالَ» بشر «:» فَأَيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي
لِحَجَّتِكَ تَزَهُّدًا أَوِ اشْتِيَاقًا إِلَى الْبَيْتِ أَوِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ «؟ قَالَ:» ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ «قَالَ:» فَإِنْ أَصَبْتَ مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْتَ فِي مَنْزِلَتِكَ وَتُنْفِقُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَتَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى أَتَفْعَلُ ذَلِكَ «؟ قَالَ:» نَعَمْ «، قَالَ: اذْهَبْ فَأَعْطِهَا عَشَرَةَ أَنْفُسٍ: مَدْيُونًا يَقْضِي دَيْنَهُ، وَفَقِيرًا يَرُمُّ شَعَثَهُ، وَمُعِيلًا يُحْيِي عِيَالَهُ، وَمُرَبِّي يَتِيمٍ يُفْرِحُهُ، وَإِنْ قَوِيَ قَلْبُكَ تُعْطِيهَا وَاحِدًا فَافْعَلْ، فَإِنَّ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلَى قَلْبِ مُسْلِمٍ وَإِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ وَكَشْفَ الضُّرِّ وَإِعَانَةَ الضَّعِيفِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قُمْ فَأَخْرِجْهَا كَمَا أَمَرْنَاكَ وَإِلَّا فَقُلْ لَنَا مَا فِي قَلْبِكَ» فَقَالَ: «يَا أبا نصر سَفَرِي أَقْوَى فِي قَلْبِي» ، فَتَبَسَّمَ «بشر» - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ:«الْمَالُ إِذَا جُمِعَ مِنْ وَسَخِ التِّجَارَاتِ وَالشُّبُهَاتِ اقْتَضَتِ النَّفْسُ أَنْ تَقْضِيَ بِهِ وَطَرًا فَأَظْهَرَتِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ وَقَدْ آلَى اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ إِلَّا عَمَلَ الْمُتَّقِينَ» .
وَفِرْقَةٌ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ اشْتَغَلُوا بِهَا يَحْفَظُونَ الْأَمْوَالَ وَيُمْسِكُونَهَا بِحُكْمِ الْبُخْلِ، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى نَفَقَةٍ كَصِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ، وَهُمْ مَغْرُورُونَ ; لِأَنَّ الْبُخْلَ الْمُهْلِكَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بَوَاطِنِهِمْ فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى قَمْعِهِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ، فَقَدِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ فَضَائِلَ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا، وَمِثَالُهُ مِثَالُ مَنْ دَخَلَ فِي ثَوْبِهِ حَيَّةٌ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِطَبْخِ دَوَاءٍ يُسَكِّنُ بِهِ الصَّفْرَاءَ، وَمَنْ قَتَلَتْهُ الْحَيَّةُ مَتَى يَحْتَاجُ إِلَى دَوَاءٍ؟ وَلِذَلِكَ قِيلَ «لبشر» :«إِنَّ فُلَانًا الْغَنِيَّ كَثِيرُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» ، فَقَالَ:«الْمِسْكِينُ تَرَكَ حَالَهُ وَدَخَلَ فِي حَالِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا حَالُ هَذَا إِطْعَامُ الطَّعَامِ لِلْجِيَاعِ وَالْإِنْفَاقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَهَذَا أَفْضَلُ لَهُ مِنْ تَجْوِيعِهِ نَفْسَهُ وَمِنْ صَلَاتِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ جَمْعِهِ لِلدُّنْيَا وَمَنْعِهِ لِلْفُقَرَاءِ» .
وَفِرْقَةٌ غَلَبَهُمُ الْبُخْلُ فَلَا تَسْمَحُ نُفُوسُهُمْ إِلَّا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَقَطْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يُخْرِجُونَ مِنَ الْمَالِ الْخَبِيثَ الرَّدِيءَ الَّذِي يَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَيَطْلُبُونَ مِنَ الْفُقَرَاءِ مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَيَتَرَدَّدُ فِي حَاجَاتِهِمْ أَوْ مَنْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلِاسْتِسْخَارِ فِي خِدْمَةٍ، أَوْ مَنْ لَهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ غَرَضٌ، أَوْ يُسَلِّمُونَ إِلَى مَنْ يُعِينُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَكَابِرِ مِمَّنْ يَسْتَظْهِرُ بِحَشَمِهِ لِيَنَالَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً فَيَقُومُ بِحَاجَاتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدَاتٌ لِلنِّيَّةِ وَمُحْبِطَاتٌ لِلْعَمَلِ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ فَاجِرٌ إِذْ طَلَبَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِهِ. وَغُرُورُ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ لَا يُحْصَى وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْقَدْرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَجْنَاسِ الْغُرُورِ.
وَفِرْقَةٌ أُخْرَى مِنْ عَوَامِّ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ اغْتَرُّوا بِحُضُورِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ يُغْنِيهِمْ وَيَكْفِيهِمْ وَاتَّخَذُوا ذَلِكَ عَادَةً، وَيَظُنُّونَ أَنَّ لَهُمْ عَلَى مُجَرَّدِ سَمَاعِ الْوَعْظِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاتِّعَاظِ أَجْرًا، وَهُمْ مَغْرُورُونَ ; لِأَنَّ فَضْلَ مَجْلِسِ الذِّكْرِ لِكَوْنِهِ مُرَغِّبًا فِي الْخَيْرِ، فَإِنْ لَمْ يُهَيِّجِ الرَّغْبَةَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَالرَّغْبَةُ مَحْمُودَةٌ لِأَنَّهَا تَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ، فَإِنْ ضَعُفَتْ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الْعَمَلِ فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَصَّرَ عَنِ الْأَدَاءِ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَا قِيمَةَ لَهُ. وَرُبَّمَا يَغْتَرُّ بِمَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْوَاعِظِ وَتَدْخُلُهُ رِقَّةٌ كَرِقَّةِ النِّسَاءِ فَيَبْكِي وَلَا عَزْمَ، وَرُبَّمَا يَسْمَعُ كَلَامًا مُخَوِّفًا فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ وَيَقُولَ: يَا سَلَامُ سَلِّمْ، أَوْ نَعُوذُ بِاللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى