الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يَظُنَّ، وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَمَّا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الْحُجُرَاتِ: 12] وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَقِدَ فِي غَيْرِكَ سُوءًا إِلَّا إِذَا انْكَشَفَ لَكَ بِعِيَانٍ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا الشَّيْطَانُ يُلْقِيهِ إِلَيْكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُكَذِّبَهُ؛ فَإِنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ)[الْحُجُرَاتِ: 6] وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنُّ السُّوءِ» وَحِينَئِذٍ فَإِذَا خَطَرَ لَكَ وَسْوَاسُ سُوءِ الظَّنِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِكَ، وَتُقَرِّرَ عَلَيْهَا أَنَّ حَالَهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ كَمَا كَانَ، وَأَنَّ مَا رَأَيْتَهُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَإِنْ قُلْتَ:«فَبِمَاذَا يُعْرَفُ عَقْدُ الظَّنِّ وَالشُّكُوكُ تَخْتَلِجُ وَالنَّفْسُ تُحَدِّثُ؟» فَنَقُولُ: «أَمَارَةُ عَقْدِ الظَّنِّ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقَلْبُ مَعَهُ عَمَّا كَانَ، فَيَنْفِرَ عَنْهُ نُفُورًا مَا، وَيَسْتَثْقِلَهُ وَيَفْتُرَ عَنْ مُرَاعَاتِهِ وَتَفَقُّدِهِ وَإِكْرَامِهِ وَالِاغْتِمَامِ بِسَبَبِهِ» . وَالْمَخْرَجُ مِنْهُ أَنْ لَا يُحَقِّقَهُ، أَيْ لَا يُحَقِّقُ فِي نَفْسِهِ بِعَقْدٍ وَلَا فِعْلٍ لَا فِي الْقَلْبِ وَلَا فِي الْجَوَارِحِ. وَرُبَّمَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ أَنَّ هَذَا مِنْ فِطْنَتِكَ وَسُرْعَةِ تَنَبُّهِكَ وَذَكَائِكَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ نَاظِرٌ بِغُرُورِ الشَّيْطَانِ وَظُلْمَتِهِ. وَمَهْمَا عَرَفْتَ هَفْوَةَ مُسْلِمٍ بِحُجَّةٍ، فَانْصَحْهُ فِي السِّرِّ، وَلَا يَخْدَعَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَيَدْعُوَكَ إِلَى اغْتِيَابِهِ.
وَمِنْ
ثَمَرَاتِ سُوءِ الظَّنِّ:
التَّجَسُّسُ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَقْنَعُ بِالظَّنِّ، وَيَطْلُبُ التَّحْقِيقَ، فَيَشْتَغِلُ بِالتَّجَسُّسِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(وَلَا تَجَسَّسُوا)[الْحُجُرَاتِ: 12] فَالْغِيبَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمَعْنَى التَّجَسُّسِ أَنْ لَا يَتْرُكَ عِبَادَ اللَّهِ تَحْتَ سِتْرِ اللَّهِ، فَيَتَوَصَّلُ إِلَى الِاطِّلَاعِ وَهَتْكِ السِّتْرِ، حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ مَا لَوْ كَانَ مَسْتُورًا عَنْهُ كَانَ أَسْلَمَ لِقَلْبِهِ وَدِينِهِ. وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ حُكْمُ التَّجَسُّسِ وَحَقِيقَتُهُ.
بَيَانُ الْأَعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي الْغِيبَةِ:
اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّوَصُّلُ إِلَى غَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْعِ إِلَّا بِذِكْرِ مَسَاوِئِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ فِيهِ، وَلَا إِثْمَ، وَذَلِكَ فِي أُمُورٍ:
مِنْهَا: التَّظَلُّمُ، وَذَلِكَ كَمَظْلُومٍ يَرْفَعُ ظُلَامَتَهُ عَلَى إِنْسَانٍ إِلَى أَمِيرٍ لِيَسْتَوْفِيَ لَهُ حَقَّهُ، إِذْ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ إِلَّا بِنِسْبَتِهِ إِلَى الظُّلْمِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا "، وَعَنْهُ:" مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ".
وَمِنْهَا: الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى مَنْهَجِ الصَّلَاحِ.
وَمِنْهَا: الِاسْتِفْتَاءُ، كَمَا يَقُولُ لِلْمُفْتِي: ظَلَمَنِي أَبِي أَوْ زَوْجَتِي أَوْ أَخِي، إِذَا لَمْ يُفِدِ الْإِبْهَامَ أَوِ