الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ".
وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ إِذَا وَعَدَ وَهُوَ عَزَمَ الْخُلْفَ أَوْ تَرَكَ الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ فَعَنَّ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا هُوَ صُورَةُ النِّفَاقِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ صُورَةِ النِّفَاقِ أَيْضًا كَمَا يَحْتَرِزُ مِنْ حَقِيقَتِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مَعْذُورًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ وَعَدَ " أبا الهيثم "خَادِمًا، فَأُتِيَ بِثَلَاثٍ مِنَ السَّبْيِ، فَأَعْطَى اثْنَيْنِ وَبَقِيَ وَاحِدٌ، فَأَتَتْ فاطمة رضي الله عنها تَطْلُبُ مِنْهُ خَادِمًا وَتَقُولُ:" أَلَا تَرَى أَثَرَ الرَّحَى بِيَدِي "؟ فَذَكَرَ مَوْعِدَهُ " لأبي الهيثم " فَجَعَلَ يَقُولُ: " كَيْفَ بِمَوْعِدِي لأبي الهيثم " فَآثَرَهُ عَلَى " فاطمة " لِمَا كَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْ مَوْعِدِهِ لَهُ، مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُدِيرُ الرَّحَى بِيَدِهَا الضَّعِيفَةِ. وَلَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا يُقَسِّمُ غَنَائِمَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ:" إِنَّ لِي عِنْدَكَ مَوْعِدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ " قَالَ: " صَدَقْتَ فَاحْتَكِمْ مَا شِئْتَ " فَقَالَ: " أَحْتَكِمُ ثَمَانِينَ ضَائِنَةً وَرَاعِيَهَا " قَالَ: " هِيَ لَكَ " وَقَالَ: " احْتَكَمْتَ يَسِيرًا ".
الْآفَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الْكَذِبُ فِي الْقَوْلِ وَالْيَمِينِ:
وَهُوَ مِنْ قَبَائِحَ الذُّنُوبِ وَفَوَاحِشِ الْعُيُوبِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ، وَهُمَا فِي النَّارِ» . وَعَنْهُ: «إِنَّ الْكَذِبَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النِّفَاقِ» . وَعَنْهُ: «كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ بِهِ كَاذِبٌ» . وَمَرَّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ يَتَبَايَعَانِ شَاةً وَيَتَحَالَفَانِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا:«وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُكَ مِنْ كَذَا وَكَذَا» ، وَيَقُولُ الْآخَرُ:«وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى كَذَا وَكَذَا» ، فَمَرَّ بِالشَّاةِ وَقَدِ اشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا فَقَالَ:«أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا بِالْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ» ، وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: الْمَنَّانُ بِعَطِيَّتِهِ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ» . وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِإِثْمٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَقِيَ اللَّهَ عز وجل وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . وَقَالَ عليه السلام لمعاذ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَبَذْلِ الطَّعَامِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ» .
بَيَانُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ إِنَّمَا حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُخَاطَبِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ، فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ، وَرُبَّمَا كَانَ وَاجِبًا كَمَا إِذَا كَانَ فِي الصِّدْقِ سَفْكُ دَمِ امْرِئٍ قَدِ اخْتَفَى