الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحصار الشديد، واستولوا على كل ما بهما من الأموال والخزائن، وخلوا بهما عساكر تحفظهما من عساكر الشام، فلمّا بلغ ذلك السلطان الملك الكامل تجهز بعساكره وخرج الى الشرق (1).
[الوفيات]
وفيها مات عمر بن محمد بن عمّويه (2)، واسمه عبد الله أبو حفص البكري، الملقب شهاب الدين السهروردي الصوفي وقد تقدم نسبه الى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في ترجمة الشيخ أبا (3) نجيب السهروردي، فأغنى عن إعادته. كان المذكور شافعي المذهب، شيخا صالحا، ورعا، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة تخرج عليه خلق كثير من الصوفية، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله. صحب عمه أبا النجيب (4) وعنه أخذ التصوف والوعظ والشيخ عبد القادر الجيلي، وانحدر الى البصرة الى الشيخ أبي محمد ابن عبدون (5) وغيرهم من الشيوخ، وحصل طرفا صالحا من الفقه والخلاف، (8 ب) وفن الأدب وعقد [مجلس](6) الوعظ سنين وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ وعلى وعظه قبول كثير، وله نفس مبارك.
حكى بعض من حضر مجلسه أنه أنشد يوما وهو على الكرسي: [الكامل]
لا تسقني وحدي فما عوّدتني
…
أني أشحّ بها على جلاسي
أنت الكريم ولا يليق تكرّما
…
أن يعبر الندماء دون الكاسي
فتواجد الناس لذلك وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كثير، وله تواليف حسنة منها
(1) تشابه في العبارة مع ابن العميد، قارن في B .E .O،T .XV،P .141.: وحول أسباب استيلاء صاحب الروم على الرها وحرّان أنظر: زبدة الحلب 3/ 220، مفرج الكروب 5/ 98 - 99، المختصر 3/ 157، السلوك.
(2)
في الأصل: ابن عمورية والتصويب من وفيات الأعيان 3/ 446 التي يبدو أن ابن دقماق أخذها عنه وراجع ترجمته أيضا في: مرآة الزمان 8/ 679 ذيل الروضتين ص 163، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 243، الحوادث الجامعة ص 74، البداية والنهاية 13/ 138، تاريخ ابن الوردي 2/ 237، العبر 5/ 129 دول الاسلام للذهبي 2/ 136، مرآة الجنان 4/ 79، الشذرات 5/ 153. وأيضا تاريخ الإسلام للذهبي الطبقة الرابعة والستون:96 (رقم 113).
(3)
كذا في الأصل والصواب أبي.
(4)
هو أبو النجيب بن عموية واسمه عبد الله ولقبه ضياء الدين السهروردي ولد سنة 490 هـ وتوفي سنة 563 هـ. أنظر وفيات الأعيان 3/ 204، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 256.
(5)
ابن عبد، في وفيات الأعيان 3/ 446، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 143.
(6)
الزيادة من وفيات الأعيان.
كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها، وله شعر فمنه قوله:
[مخلّع البسيط]
تصرّمت وحشة الليالي
…
وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حبيب (1)
…
من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إن حصلتم
…
بكل ما فات لا أبالي
عليّ ما في الورى (2) حرام
…
وحبكم في الحشا حلالي
تشربت أعظمي هواكم
…
فما لغير الهوى ومالي
أحييتموني وكنت ميتا
…
وبعتموني بغير غالي
تقاصرت دونكم (3) قلوب
…
فيا له موردا حلالي
فما على عادم أجاجا (4)
…
وعنده أعين الزلال
وكان قد وصل رسولا إلى إربل من جهة الديوان العزيز (5) وعقد بها مجلس (6)(9 أ) وعظ وكان كثير الحج وربما جاور (7) في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم، سمعت أن بعضهم كتب إليه «يا سيدي إن تركت العمل أخلدت الى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيهما أولى؟» فكتب جوابه: «اعمل واستغفر الله تعالى من العجب» . وله من هذا شيء كثير.
وكان صحب عمه أبا النجيب زمانا وعليه تخرج، ومولده بسهرورد (8) أواخر رجب أو أوائل شعبان والشك منه، سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، ومات في مستهل المحرم من هذه
(1) حسودا، في وفيات الأعيان 3/ 447.
(2)
ما للورى، في المصدر السابق.
(3)
عنكم، في المصدر السابق.
(4)
ماء مالح أو مر، أنظر لسان العرب 2/ 207، مادة «أجج» .
(5)
من ألقاب ديوان الخلافة، راجع صبح الأعشى 6/ 20.
(6)
في الأصل: عقد، التصويب من وفيات الأعيان، 3/ 447.
(7)
جاور: أي اعتكف والمجاور هو الذي يذهب للخلاء والمقصود بجاور هنا هو المجاورة بمكة والمدينة أي المقام مطلقا غير ملتزم بشرائط الاعتكاف، انظر لسان العرب 4/ 156 مادة «جور» .
(8)
سهرورد بلدة قريبة من زنجان، وزنجان بلد كبير مشهور من نواحي الجبال بين أذربيجان وبينها. أنظر معجم البلدان 2/ 948 و 3/ 203.
السنة ببغداد، ودفن من الغد بالوردية رحمه الله تعالى.
وفيها مات أبو يحيى عيسى بن سنجر بن بهرام ابن جبريل ابن خمارتكين ابن طاشتكين الإربلي، الملقب حسام الدين الشهير بالحاجري (1) الشاعر هو جندي ومن أولاد الأجناد وله ديوان شعر صغير ملكته ويغلب على شعره الرقة، وهو مشتمل على الشعر والدوبيت (2) والمواليا (3)، وقد أحسن في الجميع، وله أيضا «كان وكان» (4)، واتفقت له فيه مقاصد حسان، فمن شعره، وهو معنى جيد:
[الكامل] ما زال يحلف لي بكل أليّة
…
أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي
لما جفا نزل العذار بخده
…
فتعجبوا لسواد وجه الكاذب
وله دو بيت:
(9 ب) حيّا وسقى الحمى سحاب هامي
…
ما كان ألذ عامه من عام
يا علوه ما ذكرت أيامكم
…
إلا وتظلّمت على الأيام
وله: [مجزوء الخفيف]
لك خال من فوق عر
…
ش شقيق قد استوى
بعث الصّدغ مرسلا
…
يأمر الناس بالهوى
(1) الحاجري نسبة الى حاجر وكانت بليدة بالحجاز ولم يبق اليوم منها سوى الآثار، ولم يكن الحاجري منها بل لكونه استعملها في شعره كثيرا نسب اليها، وفيات الأعيان 3/ 504، قارن ترجمته أيضا المصدر ذاته الذي من المرجح أن ابن دقماق نقل عنه هذه الترجمة، وراجع ترجمته أيضا في النجوم الزاهرة 6/ 290 والشذرات 5/ 156، العسجد المسبوك ص 468، تاريخ الإسلام للذهبي، الطبقة الرابعة والستون:100 (رقم 115).
(2)
لفظ الدوبيت مكونة من كلمة فارسية هي «دو» أي إثنين وأخرى عربية هي بيت لأن نظام القافية فيه ينطبق على البيتين من هذا النظام فكل بيتين يعتبران وحدة مستقلة. أنظر موسيقى الشعر ص 217 - 218.
(3)
ذكر في سبب نشأة هذا الفن أن الرشيد حين نكب البرامكة أمر ألا يذكرهم شاعر في شعره فرثتهم جارية لهم بهذا الوزن. ويظهر أن ما سموه بالمواليا هو نفس النوع المعروف في الشعر العامي بالموال لأن أمثلته قد جاءت مزيجا بين ألفاظ معربة وأخرى غير معربة. أنظر موسيقى الشعر ص 210 - 211.
(4)
كان وكان: هو قالب شعري غلب عليه طابع الحكايات والخرافات ولم يطرقه الشعراء المشهورون وإنما كان ميزان الأدب الشعبي يتناوله الناس في المقطوعات الصغيرة التي تعرض للأمور التافهة وقد ذكر أن هذا القالب الشعري قد شاع بين البغداديين في عصور متأخرة. أنظر موسيقى الشعر ص 212.
وله، وكان بينه وبين أحد الأعيان (1) مودة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان صاحبه بإربل:[البسيط]
الله أعلم (2) ما أبقى سوى رمق
…
منّي فراقك يا من قربه الأمل
فابعث كتابك واستودعه تعزية
…
فربما متّ شوقا قبل ما (3) يصل
وكان قد أصابته محنة، وحبس في قلعة إربل لأمر يطول شرحه، وله في ذلك أشعار فمنها قوله من أبيات أولها:[الكامل]
قيد أكابده وسجن ضيق
…
يا ربّ (4) شاب من الهموم المفرق
ومنها: [الكامل]
يا برق إن جئت الديار بإربل
…
وعلا (5) عليك من التداني رونق
بلّغ تحيّة نازح حسراته
…
أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق
قل يا جعلت لك الفداء أسيركم
…
من كل مشتاق إليكم أشوق
والله ما سرت الصّبا بخديه
…
إلا وكدت بدمع عيني أغرق
[البسيط]
(10 أ) ما ألفت بين طرفي والسهاد سوى
…
تلك المهى النافرات الجوذريات
وبارق لاح نحو الجزع هيّج لي
…
بالرقمتين صبابات قديمات
يا برق أنت قديم العهد من إضم
…
قف بث لي خبرا حييت من آتي
سقى الحمى ودهورا بالحمى سلفت
…
سحب الغمام سكوبات مطيرات
ملاعبا كان فيها الدهر يجمعنا
…
وموسما فات في أهنى اللذاذات
من لي بذاك الزمان الحاجري فوا
…
لهفي وتلك الليالي الكافليّات
ويا زمان عشيّات الحمى قسما
…
الا أعدت لنا تلك العشيّات
(1) هو أخو ابن شمس الدين ابن خلكان ويدعى ضياء الدين عيسى، كان بينه وبين الحاجري مودة أكيدة فكتب إليه من الموصل في صدر كتابه، وكان الأخ بإربل وذلك في سنة 619 هـ، راجع: وفيات الأعيان 3/ 502.
(2)
يعلم، في وفيات الأعيان 3/ 502.
(3)
في الأصل: «أن» التصويب من المصدر السابق.
(4)
في الأصل: يرب، التصويب من المصدر السابق.
(5)
في الأصل: على.
وقال: [مجزوء الرمل]
لمع البرق اليماني
…
فشجاني ما شجاني
ذكر دهر وزمان
…
بالحمى أيّ زمان
يا وميض البرق هل تر
…
جع أيام التداني
وترى يجتمع الشم
…
ـل وأحظى بالأماني
هذه أطلال سعدى
…
والحمى والعلمان
حيث مجرى اللهو رحب
…
والهوى طلق العنان
والأماني في أمان
…
من صروف الحدثان
ذهبت تلك البشاشا
…
ت مع الغيد الحسان
وأمرّ العيش عيش
…
ذاهب بالبعد فان
(10 ب) من لمأسور طليق
…
¦ م ¦ الدمع مرعوب الجنان
دايم الحزن فريد
…
بأعالي حفتيان
حكمت فينا بما تختار ¦ م ¦ أولاد الرّواني
كلما قلت نقضّي
…
حادثا أقبل ثاني
وله مواليا:
ظبي بدا يوم جرعاء الحمى راشق
…
حشاشتي كيف لا أبدو له عاشق
للسبع في كفله شبعه وللواشق
…
فصله وخصريه ما فيها غدا باشق
وقال:
جاوزت في الحسن يا كلّ المنا جدّك
…
وقد تعجبت ¦ ايش ¦ عشق هيف قدّك
حاجبك ناظرك سالفك النقي خدّك
…
كلّك مليح حلو عندي سوى صدّك
وفيها مات الملك الزاهر أبو سليمان مجير الدين داود (1) بن السلطان صلاح الدين يوسف
(1) راجع ترجمته في شفاء القلوب ص 266 - 267، وفي زبدة الحلب 3/ 218 - 219 وقارن ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 257 التي من المرجح أن ابن دقماق نقلها عنه بتصرف.
ابن أيوب، كان المذكور صاحب قلعة البيرة التي على شاطئ الفرات، كان يحب العلماء وأهل الأدب ويقصدونه من البلاد.
ولما ولد بالقاهرة كان والده بالشام وكان هو الثاني عشر من أولاد أبيه، فكتب القاضي الفاضل الى السلطان صلاح الدين يبشره بمولده، ومن جملة ما كتب إليه (1): وهذا الولد المبارك هو الموفّى لأثني عشر ولدا بل لاثني عشر نجما متقدا، فقد زاد الله سبحانه وتعالى في أنجمه على أنجم يوسف نجما، ورآهم (2) المولى (11 أ) يقظة ورأى تلك الأنجم حلما ورآهم المولى ساجدين له ورأينا الخلق لهم سجودا وهو تعالى قادر على أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا.
قال الشيخ شمس الدين ابن خلكان (3) وقد ألّم القاضي في آخر الكلام بقول البحتري (4) في مدح الخليفة المتوكل على الله وقد ولد له المعتز من جملة قصيدة (5): [الكامل]
وبقيت حتّى تستضيء برأيه
…
وترى (6) الكهول الشّيب من أولاده
وحكي عنه أنه كان يقول: من أراد أن يبصر صلاح الدين فليبصرني، أنا أشبه أولاده به. وكانت ولادته لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وهو شقيق الملك الظاهر غازي المقدم ذكره، وتوفى في ليلة التاسع من صفر من هذه السنة، فتوجه الملك العزيز ابن الظاهر، صاحب حلب الى القلعة وملكها رحمهم الله تعالى.
وفيها مات شهاب الدين أبو العباس عبد السلام ابن المطهّر ابن قاضي القضاة أبي سعد عبد الله بن أبي السري ابن هبة الله بن المطهّر ابن جماعة (7)، وكان فقيها جليل القدر وافر
(1) أورد القلقشندي هذه الرسالة في صبح الأعشى 7/ 90 - 91 وأيضا أوردها ابن خلكان في وفيات الأعيان 2/ 258.
(2)
ورآهم يوسف، في وفيات الأعيان.
(3)
أنظر المصدر السابق، ص 258.
(4)
راجع ديوان البحتري 1/ 44 طبعة رزق الله سركيس بيروت سنة 1911 وراجع ديوانه تحقيق حسن كامل الصيرفي 2/ 704 طبعة دار المعارف بمصر.
(5)
مطلع هذه القصيدة: ردّي على المشتاق بعض رقاده أو فاشركيه في اتصال سهاده
(6)
في الأصل: ترا.
(7)
لم نقع في المصادر التي ترجمت له على هذه التسمية، بل ذكرت اسمه مقترنا بابن أبي عصرون، راجع ترجمته في مرآة الزمان 8/ 692 و 694، الحوادث الجامعة ص 75، الشذرات 5/ 149، تاريخ الإسلام للذهبي الطبقة الرابعة والستون:87 (رقم 100).
الديانة، ترسّل من حلب الى بغداد والى الأطراف، وانقطع في الآخر بمكانه في الجبل عند حمام النحاس بدمشق، وكان منهمكا في التمتع كان له أكثر من عشرين سريّة (1) حتى فنيت أعضاؤه وتولّدت عليه أمراض رحمه الله تعالى.
وفيها مات الشيخ الصالح الورع (11 ب) الزاهد المحقق شرف الدين أبو حفص وأبو القاسم عمر بن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة المعروف بابن الفارض (2). وله ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو فيه منحى طريقة الفقراء ومنهجهم (3) وإشاراتهم وله القصيدة الجيمية على اصطلاحهم وما ألطف قوله:
[البسيط]
أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه
…
قول المبشر بعد اليأس بالفرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد
…
ذكرت (4) ثمّ على ما فيك من عوج
قلت والبيت الثاني له حكاية لطيفة تدل على حسن اعتقاده وعلوّ درجته، قيل لما حجّ الشيخ شهاب الدين السهروردي، شيخ الصوفية المقدّم ذكره، قدس الله روحه، في سنة ثمان وعشرين وستمائة وكانت وقفة الجمعة، حج معه خلق كثير من أهل العراق، فلمّا رأى كثرة ازدحام الناس عليه في الطواف بالبيت والوقوف بعرفة واقتدائهم بأقواله وأفعاله فقال في سره: هل أنا عند الله كما يظن هؤلاء القوم فيّ ويا ترى هل ذكرت في حضرة الحبيب في هذا اليوم؟ فظهر له الشيخ شرف الدين [ابن الفارض](5)، وقال له يا سهروردي:
[البسيط]
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد
…
ذكرت ثمّ على ما فيك من عوج
(1) خيار النساء أو الجواري، لسان العرب 14/ 378 مادة «سرا» .
(2)
راجع ترجمته في: وفيات الأعيان 3/ 454، مرآة الجنان 4/ 75، البداية والنهاية 13/ 142، النجوم الزاهرة 6/ 288، الشذرات 5/ 149 ومقدمة ديوان ابن الفارض للبوريني وأيضا تاريخ الإسلام للذهبي، الطبقة الرابعة والستون: 93 (رقم 111).
(3)
في الأصل: منحهم، التصويب من وفيات الأعيان 3/ 454.
(4)
في الأصل: قبلت، التصويب من ديوان ابن الفارض 1/ 13.
(5)
الزيادة للايضاح.
فصرخ الشيخ شهاب الدين، وخلع كلّ ما كان عليه. وطلب الشيخ فلم يجده، فقال الشيخ شهاب الدين: هذا إخبار من كان في الحضرة، ثم اجتمعا بعد ذلك في الحرم الشريف وأعتنقا وتحدثا سرا زمانا طويلا. قال على سبط الشيخ، [قال كمال الدين ابن الشيخ] (1) (12 أ) شرف الدين: واستأذن (2) والدي أن يلبسني ويلبس أخي عبد الرحمن خرقة الصوفية على طريقته، فأذن له. قال الشيخ شرف الدين كنت في أول تجريدي (3) أستأذن والدي وأطلع إلى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطّم وآوي فيه وأقيم به ليلا ونهارا، ثم أجيء الى والدي لأجل برّه ومراعاة قلبه، وكان والدي يومئذ خليفة الحكم العزيز (4) بالقاهرة ومصر المحروستين، وكان من أكابر أهل العلم والعمل، فيجد سرورا برجوعي اليه ويلزمني بالجلوس معه في مجالس الحكم ومدارس العلم، ثم أشتاق الى التجريد واستأذنه وأعود الى السياحة (5)، وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة إلى أن سئل (6) والدي أن يكون قاضي القضاة فامتنع ونزل عن الحكم واعتزل الناس وانقطع الى الله تعالى في جامع الأزهر الى أن مات رحمه الله تعالى، فعاودت التجريد والسياحة وسلوك طريق الحقيقة فلم يفتح عليّ بشيء، فحضرت يوما من السياحة الى المدينة (7) ودخلت المدرسة السيوفية (8)، فوجدت رجلا شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءا غير مرتب، غسل يديه ثم غسل رجليه، ثم مسح رأسه (9)، ثم غسل وجهه، فقلت له: يا شيخ أنت تتوضأ وضوءا خارجا عن الترتيب الشرعي، وأنت في هذا السن في دار الاسلام على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين، فنظر إليّ وقال: أنت يا عمر
(1) التكملة من ديوان ابن الفارض 1/ 13.
(2)
في الأصل: استأذنه وهو خطأ يغير المعنى الأصلي للنص والمقصود أصلا هو استأذن الشيخ شهاب الدين سهروردي لابن الفارض، المصدر السابق.
(3)
التجريد: هو الجد في العبادة، لسان العرب 3/ 117 مادة جرد.
(4)
هو السلطان العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، ولي سلطنة مصر في حياة والده صورة ثم تسلطن بعد وفاته استقلالا أي في سنة 589 هـ / 1193 م وظل في الحكم حتى وفاته سنة 595 هـ / 1198، انظر النجوم الزاهرة 6/ 120 ووفيات الأعيان 3/ 251.
(5)
السياحة: الذهاب في الأرض للعبادة والترهب، لسان العرب 2/ 492 مادة سيح.
(6)
في الأصل: سال.
(7)
القاهرة: في ديوان ابن الفارض 1/ 5.
(8)
هذه المدرسة بالقاهرة وهي من جملة دار الوزير المأمون البطائحي وقفها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على الحنفية وعرفت بالمدرسة السيوفية من أجل سوق السيوفيين كان حينئذ على بابها وهذه المدرسة هي أول مدرسة وقفت على الحنفية بديار مصر. أنظر الخطط المقريزية 2/ 367.
(9)
برأسه، في ديوان ابن الفارض 1/ 5.
ما يفتح عليك في مصر، وإنما يفتح عليك في مكة (12 ب) فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح. فعلمت أنّ الرجل من أولياء الله تعالى، وأنه يتستر بالمعيشة واظهار الجهل بترتيب الوضوء فجلست بين يديه وقلت له: يا سيدي وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركبا ولا رفقة في غير أشهر الحج؟ فنظر إليّ وأشار [بيده](1) وقال: هذه مكة أمامك، فنظرت معه فرأيت مكة - شرفها الله تعالى - فطلبتها، وتركته، فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت، وجاءني الفتح حين دخلتها وترادف (2) ولم ينقطع. قلت (3) والى هذا أشار رحمه الله في قصيدته الدالية (4) بقوله:[الخفيف]
يا سميري (5) روّح بمكّة روحي
…
شاديا إن رغبت من إسعادي
كان فيها أنسي ومعراج قدسي
…
ومقامي المقام والفتح بادي
قال: ثم شرعت (6) في السياحة في أوديتها وجبالها، وكنت أستأنس فيها بالوحوش ليلا ونهارا، قلت (7) والى هذا أشار رضي الله عنه بقوله في القصيدة التائية (8):[الطويل]
وجنبني حبيك وصل معاشري
…
وحببنّي ما عشت قطع عشيرتي
وأبعدني عن أربعي بعد أربع
…
شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكون الى الفلا
…
وبالوحش أنسي إذ من الإنس وحشتي
قال: وأقمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجدّ، وكنت آتي منه كل يوم وليلة وأصلي في الحرم الشريف الصلوات الخمس، ومعي سبع عظيم الخلقة يصحبني في ذهابي وإيابي وينخّ لي كما ينخّ الجمل ويقول: يا سيدي (13 أ) اركب فما ركبته قط. ثم بعد
(1) التكملة من ديوان ابن الفارض 1/ 5.
(2)
تتابع، لسان العرب 9/ 115 مادة ردف.
(3)
القول هذا لعلي سبط، جامع نسخة ديوان ابن الفارض، أنظر ديوان ابن الفارض 1/ 5.
(4)
انظر ديوان ابن الفارض 2/ 95.
(5)
من الترويح اي إعطاء الراحة، أنظر المصدر السابق.
(6)
في الأصل: سرعت، التصويب من المصدر السابق 1/ 5.
(7)
القول هذا لعلي سبط جامع الديوان.
(8)
هذه هي قصيدة ابن الفارض التائية الصغرى التي مطلعها: نعم بالصبا قلبي صبا لاحبتي. أنظر تفسير معاني الأبيات الصوفية في ديوانه 1/ 167.
خمس (1) عشرة سنة سمعت الشيخ البقّال يناديني، يا عمر تعال الى القاهرة واحضر وفاتي، فأتيته مسرعا، فوجدته قد احتضر، فسلّمت عليه وسلم علي، وناولني دنانير ذهب وقال:
جهّزني بهذه وافعل كذا وكذا واعط (2) حملة نعشي الى القرافة كل واحد دينارا واتركني على الأرض في هذه البقعة وأشار بيده إليها، فلم تزل بين عينيّ أنظر إليها، وهي بالقرافة تحت المسجد المعروف بالفارض بالقرب من مراكع موسى بسفح المقطّم. قال: وانتظر قدوم رجل يهبط إليك من الجبل، فصلّ انت وهو عليّ، وانتظر ما يفعل الله في أمري. ومات فجهّزته كما أشار وطرحته في البقعة المباركة كما أمرني، فهبط إليّ رجل من الجبل كما يهبط الطائر السريع، لم أره يمشي على رجليه، فعرفته بشخصه، كنت أراه يصفع قفاه في الأسواق، فقال: يا عمر تقدم فصل بنا على الشيخ، فتقدمت وصليت إماما، ورأيت طيورا خضرا وبيضا صفوفا بين السماء والأرض، يصلون معنا، ورأيت طائرا منهم أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه وابتلعه وارتفع اليهم وطاروا جميعا ولهم زجل [عظيم] (3) بالتسبيح إلى أن غابوا عنا [فسألته عن ذلك] (4) فقال: يا عمر أما تعلم أنّ أرواح الشهداء في جوف طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، هم شهداء السيوف، وأما شهداء المحبة فكلهم أجسادهم وأرواحهم في جوف طيور خضر، وهذا الرجل منهم، وأنا كنت منهم، وإنما وقعت في هفوة، فطردت عنهم، فأنا أصفع قفاي في الأسواق ندما وتأديبا على تلك الهفوة.
(13 ب) ثم ارتفع الرجل الى الجبل كالطائر الى أن غاب عنّي، قلت (5): وفي هذه البقعة المباركة دفن الشيخ حسب وصيته وضريحه بها معروف، وفي ذلك قال بعض الفضلاء (6):
[الكامل]
لم يبق صيّب (7) مزنة (8) إلا وقد
…
وجبت عليه زيارة ابن الفارض
لا غرو أن يسقى ثراه وقبره
…
باق ليوم العرض تحت العارض (9)
(1) كذا في الأصل والصواب خمسة.
(2)
في الأصل. واعطي.
(3)
التكملة من ديوان ابن الفارض 1/ 6.
(4)
التكملة من المصدر السابق.
(5)
القول لعلي سبط.
(6)
قال أبو الحسن الجزار في المصدر السابق.
(7)
صيّب: من الصيّاب والصيّابة أي من خيار القوم، لسان العرب 1/ 537 مادة صيب.
(8)
مزنة: من قرى سمرقند ينسب إليها بعض الرواة، معجم البلدان 4/ 521.
(9)
العارض: السحاب المطل يعترض في الأفق، لسان العرب 7/ 174 مادة عرض.
وكان الشيخ شرف الدين في غالب أوقاته لا يزال داهشا وبصره شاخصا لا يسمع من يكلّمه ولا يراه، فتارة يكون واقفا، وتارة يكون قاعدا، وتارة يكون مستلقيا على قفاه ومسجّى كما يسجّى الميت، وتمر عليه عشرة أيام متواصلة وأقل من ذلك وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يتحرك، ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة ويكون أول كلامه أنه يملي من القصيدة التائية «نظم السلوك» ما فتح الله عليه.
وكان قاضي القضاة تقي (1) الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز، لما قلد الوزارة أيام المنصور قلاوون (2)، وقع في حق شيخ الشيوخ شمس (3) الدين الأيكي، في مجلس حقل بالخانقاه الصلاحية وقال له: أنت تأمر الصوفية بالاشتغال «بنظم السلوك» قصيدة ابن الفارض، وهو يميل فيها الى الحلول (4) وأهانه بالكلام، فدعا عليه وقال له: مثّل الله بك كما مثّلت بي، فعزل عقيب ذلك من الوزارة في أواخر الدولة المنصورية بسؤاله، ثم عزل من القضاء في الدولة الأشرفية (5) وصودر ومثّل به وحبس مدة، ونسب الى سوء الاعتقاد والى أنه وقع في كلام يفسق به وشهد عليه بالزور (14 أ) في ذلك من لا خلاق له، وذلك لأجل غرض الصاحب ابن السلعوسي (6)، وكان يرسل (7) في الباطن إلى من يسعى في خلاصه من الأمراء ومشايخ الصوفية والفقراء، وكان إذا اشتد عليه الخناق يقول: اشتدى أزمة تنفرجي، فلمّا منّ الله تعالى عليه بالخلاص [من هذه النكبة](8) حضر (9) الى عند الشيخ
(1) في الأصل تاج الدين وهو لقب والد عبد الرحمن ابن بنت الأعز الذي توفي سنة 665 هـ / 1266 م، وهو خطأ. راجع ترجمته في الشذرات 5/ 319. أما المقصود هنا فهو قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز الذي توفي بالقاهرة سنة 695 هـ / 1295 م. راجع طبقات الشافعية الكبرى 5/ 64 وديوان ابن الفارض 1/ 8.
(2)
هو الملك المنصور سيف الدين قلاوون المملوكي، تولى السلطنة في مصر سنة 678 هـ / 1279 م وتوفي سنة 689 هـ / 1290 م، النجوم الزاهرة 7/ 383 والشذرات 5/ 409.
(3)
في الأصل: صدر الدين، التصويب من ديوان ابن الفارض 1/ 8 وانظر أيضا الشذرات 5/ 439.
(4)
الحلول: أي حلول الحق تعالى في أعيان العالم، ديوان ابن الفارض 1/ 9.
(5)
نسبه الى الملك الأشرف بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الذي تولى الحكم بعد وفاة والده سنة 689 هـ / 1290 م واستمر بالحكم حتى سنة 693 هـ / 1293 م وهي سنة وفاته مقتولا، راجع النجوم الزاهرة 8/ 3 والشذرات 5/ 422.
(6)
هو الصاحب شمس الدين ابن السلعوسي محمد بن عثمان بن أبي الرجاء وزير السلطان الملك الأشرف. راجع ترجمته في الوافي 4/ 86 والشذرات 5/ 424.
(7)
وكان يرسلني في الباطن، في ديوان ابن الفارض 1/ 9 والقول هنا لعلي سبط الذي كان يرسله القاضي تقي الدين ابن بنت الأعز للتوسط بينه وبين الأمراء والمشايخ.
(8)
الزيادة من ديوان ابن الفارض 1/ 9.
(9)
في المصدر السابق: حضرت عنده أنا، أي علي سبط الشيخ سعد الدين الحارثي الحنبلي المحدث.
سعد الدين الحارثي المحدث، وكان من أعز أصحابه، جعل يحمد الله ويشكره ويستغفره، فعرض له بذكر واقعته مع الشيخ شمس الدين الأيكي ووقوعه في حقه وحق الشيخ شرف الدين وكيف نسبهما الى الحلول وهما بريئان منه وقال: كيف يتصوّر أن الشيخ يميل في قصيدة نظم السلوك الى الحلول، وقد نزّه عقيدته بقوله فيها:
[الطويل]
وكيف (1) وباسم الحقّ ظل تخلّقي
…
تكون أراجيف الضّلال مخيفتي
وها دحية وافى الأمين نبيّنا
…
بصورته في بدء وحي النبوّة
أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا
…
لمهدى الهدى في صورة بشرية
وفي علمه عن حاضريه مزيّة
…
بما هيّة المرئي عن غير مزية
يرى ملكا يوحى اليه وغيره
…
يرى رجلا يدعى اليه بصحبة
ولي من أتمّ الرؤيتين اشارة
…
تنزه عن رأى الحلول قصيدتي (2)
وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر
…
ولم اعد عن حكمي كتاب وسنة
فقال (3): أنا أحب الناس في نظم الشيخ، وحفظت ديوانه وأنا شاب، وانتفعت بحفظه، وهذه الأبيات ما كأني قط سمعتها إلا في هذه الساعة، وقد زال (14 ب) الآن من ذهني ما كنت أعتقده من الشيخ في قصيدته من الحلول وأنا أستغفر الله تعالى مما جرى مني [من الكلام في حقه](4) وأنا تائب الى الله من الوقوع في حق أهل هذه الطريقة، فمنهم أصبت، وبالتوسل الى الله ببركاتهم سلمت. ثم فوض اليه القضاء، وما برح متوليه الى أن مات.
وأراد السلطان الملك الكامل زيارته (5)، فنزل إليه الى الجامع الأزهر، وكان الشيخ مقيما بدار الخطابة، فخرج الشيخ من الباب الذي بظاهر الجامع هاربا ولم يجتمع بالسلطان.
وكان للشيخ [ابن الفارض](6) أربعينات متواصلة ¦ لا يأكل ولا يشرب ولا ينام (7)، قال
(1) في الأصل: فكيف، التصويب من ديوان ابن الفارض 1/ 9.
(2)
في الأصل: عقيدتي، التصويب من المصدر السابق.
(3)
القول هنا للقاضي ابن بنت الأعز.
(4)
التكملة من المصدر السابق.
(5)
أي زيارة الشيخ ابن الفارض. قارن المصدر السابق ص 11 - 12.
(6)
الزيادة من عندنا للايضاح.
(7)
التكملة من ديوان ابن الفارض، ص 12.
الشيخ ابراهيم الجعبري (1) كنت في السياحة بجعبر (2) أو قال بالفرات، وأنا أخاطب روحي [بروحي] (3) فمر رجل كالبرق وهو يقول:[الطويل]
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانينا
…
ولم تفن ما لم تجتلي فيك صورتي
فعلمت أن هذا نفس محب، فوثبت الى الرجل، وتمسكت به، وقلت له: من أين لك هذا النفس؟ فقال: هذا نفس أخي الشيخ شرف الدين ابن الفارض، فقلت وأين هذا الرجل؟ فقال كنت أجد نفسه من جانب الحجاز، وأنا الآن أجد نفسه من جانب مصر، وهو محتضر، وقد أمرت بالتوجه اليه، وأن أحضر انتقاله الى الله تعالى وأصلي عليه وها أنا ذاهب. فلما التفت [الرجل](4) الى جانب مصر التفت معه، فشممت أثر الرجل فتبعت أثر الرائحة الى أن دخلت عليه وهو محتضر، فقلت له السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال:
وعليك السلام يا ابراهيم، اجلس وأبشر، فأنت من أولياء الله تعالى، فقلت [له] (5): يا سيدي هذه البشرى (15 أ) جاءتني من الله على لسانك وأريد [أن](6) أسمع منك دليلا يطمئن به قلبي، فان اسمي ابراهيم ولي من سر مقام الاسم الابراهيمي نصيب حين (7) قال:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (8) فقال: نعم سألت الله تعالى أن يحضر وفاتي وانتقالي اليه جماعة من الأولياء، وقد أتى بك أوّلهم فأنت منهم. قال (9) ثم رأيت الجنة وقد تمثلت له، فلمّا نظر إليها قال: آه وصرخ صرخة عظيمة مادا بها صوته، وصرخ صراخا عظيما [وبكى بكاء شديدا] (10) وقال:[البسيط]
إن كان منزلتي في الحب عندكم
…
ما قد رأيت فقد ضيّعت أيامي
(1) هو إبراهيم بن شداد بن ماجد الجعبري، الشيخ الصالح المشهور بالأحوال والمكاشفات، مولده بجعبر سنة 599 هـ / 1202 م وتوفي سنة 695 هـ / 1295 م، راجع طبقات الشافعية الكبرى 5/ 49.
(2)
جعبر: وتسمى قلعة جعبر وهي على الفرات بين بالس والرّقة قرب صفّين. معجم البلدان 2/ 84.
(3)
الزيادة من ديوان ابن الفارض 1/ 14.
(4)
التكملة من المصدر السابق.
(5)
التكملة من المصدر السابق.
(6)
التكملة من المصدر السابق.
(7)
في الأصل: من، التصويب من المصدر السابق.
(8)
القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 260.
(9)
القول هنا لإبراهيم الجعبري.
(10)
التكملة من ديوان ابن الفارض 1/ 15.
فقلت له: يا سيدي هذا مقام كريم، فقال: يا إبراهيم رابعة العدوية (1) تقول وهي امرأة: وعزتك ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا (2) الى جنتك، بل كرامة لوجهك الكريم ومحبة فيك وليس هذا المقام الذي كنت فيه أطلبه، وقضيت عمري في السلوك إليه. ثم بعد ذلك سكن قلقه وتبسم وسلّم علي وودّعني وقال: احضر وفاتي وتجهيزي مع الجماعة وصل عليّ معهم، واجلس عند قبري ثلاثة أيام بلياليهن وبعد ذلك توجه الى بلادك، ثم اشتغل عني بمخاطبة ومناجاة، فسمعت قائلا يقول [بين السماء والأرض] (3) أسمع صوته ولا أرى شخصه: يا عمر فما تروم فقال:
أروم وقد طال المدى منك نظرة
…
وكم من دماء دون مرماي طلت
ثم تهلل وجه وتبسم وقضى نحبه، فعلمت أنه قد أعطي مرامه، وكان عنده جماعه (15 ب) كثيرة من الأولياء، منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه، ومنهم الرجل الذي كان سبب المعرفة به. وحضرت غسله وجنازته ولم أر في عمري جنازة أعظم منها، وازدحم الناس على حمل نعشه، ورأيت طيورا بيضا وخضرا ترفرف عليه، وصلينا عليه عند قبره، ولم يتجهّز حفره الى آخر النهار، والناس مجتمعون حوله وهم مختلفون فيه (4)، فقال قوم: هذا تأديب في حقه، فإنه كان يدّعي في المحبة مقاما عظيما، وقال قوم: بل هذا آخر ما يلقى الولي من أعراض الدنيا، وكلهم محجوبون عن مشاهدة مقامه، إلا من شاء الله، وأنا أنظر بما فتح الله به عليّ من الكشف الى الروح المقدسة المحمّدية، عليها أفضل الصلاة والسلام والرحمة، وهي تصلي إماما وأرواح الأنبياء والملائكة والأولياء [من الإنس والجن](5) يصلّون عليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، طائفة بعد طائفة، وأنا أصلي مع كل طائفة الى آخرهم، فتجهز القبر ودفن فيه وأقمت عنده ثلاثة أيام [بلياليهن](6) وأنا أشاهد من حاله ما لا يحتمل عقولكم شرحه.
(1) هي رابعة إبنة اسماعيل العدوية البصرية، كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة. توفيت سنة 135 هـ / 752 م. وفيات الأعيان 2/ 285.
(2)
ولا رغبة، في ديوان ابن الفارض 1/ 15.
(3)
التكملة من المصدر السابق.
(4)
في أمره، في المصدر السابق.
(5)
التكملة من المصدر السابق.
(6)
التكملة من ديوان الفارض 1/ 15.
وكانت وفاته بالقاهرة المحروسة بجامع الأزهر بقاعة الخطابة وذلك في ثاني جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن من الغد بالقرافة، بسفح الجبل المقطّم عند مجرى السيل (1) تحت العارض (2)، ومولده بالقاهرة رابع ذي القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان الشيخ معتدل القامة جميل الوجه حسنه، مشرّبا بحمرة ظاهرة (16 أ) وكان إذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال يزداد وجهه جمالا ونورا، وكان عليه خفرا (3) وجلالة وهيبة، وكانت ثيابه حسنه (4) ورائحته طيبة، وأما شعره فهو الغاية والنهاية، فمنه قصيدته الفائية (5) وما أحسن قوله فيها:[الكامل]
لم أخل من حسد عيك فلا تضع
…
سهري بتشنيع الخيال المرجف
واسأل نجوم الليل هل زار الكرى
…
جفني وكيف يزور من لم يعرف
وما ألطف قوله منها:
وعلى تفنن واصفيه (6) بحسنه
…
يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف
وقد خمس هذه القصيدة جماعة من الفضلاء.
وله (7): [الطويل]
أشاهد معنى حسنكم فيلذّ لي
…
خضوعي لديكم في الهوى وتذلّلي
واشتاق للمعنى الذي أنتم به
…
ولولاكم ما شاقني ذكر منزلي
فلله كم من ليلة قد قطعتها
…
بلذّة عيش والرّقيب بمعزل
(1) في الأصل النيل، التصويب من ديوان ابن الفارض 1/ 15.
(2)
في المصدر السابق ص 16: تحت المسجد المبارك المعروف بالعارض.
(3)
الخفر: الحياء والبهجة، المصدر السابق.
(4)
في الأصل: خشنة، التصويب من المصدر السابق 1/ 4.
(5)
مطلع هذه القصيدة: قلبى يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرف وهذه القصيدة هي إحدى القصائد الصوفية الايحائية التي يتوجه بها ابن الفارض الى الباري عز وجل وحول هذه المعاني لهذه القصيدة أنظر المصدر السابق 1/ 193.
(6)
في الأصل: عاشقيه، التصويب من المصدر السابق ص 208.
(7)
هذه الأبيات الشعرية هي من جملة قصيدة ابن الفارض اللامية التي مطلعها (نسخت بحبي آية العشق من قلبي) وهي تتحدث عن الحقيقة المحمدية والنور الالهي المتجلي بالحضرة الأحمدية. راجع المصدر السابق 2/ 240 و 245 - 246.
ونقلي مدامي والحبيب منادمي (1)
…
وأقداح أفراح المحبّة تنجلي
ونلت مرادي فوق ما كنت راجيا
…
فوا طربا لو تمّ هذا ودام لي
لحاني عذول ليس يعرف ما الهوى
…
وأين الشّجيّ المستهام من الخلي
فدعني ومن أهوى فقد مات حاسدي
…
وغاب رقيبي عند قرب مواصلي
وله (2): [المجتث]
(16 ب) أنتم فروضي ونفلي
…
أنتم حديثي وشغلي
يا قبلتي في صلاتي
…
اذا وقفت أصلّي
جمالكم نصب عيني
…
إليه وجّهت كلّي
وسرّكم في ضميري
…
والقلب طور التّجلي
آنست في الحيّ نارا
…
ليلا فبشّرت أهلي
قلت امكثوا فلعلّي
…
أجد هداي لعلّي
دنوت منها فكانت
…
نار المكلّم قبلي
نوديت منها كفاحا
…
ردّوا ليالي وصلي
حتّى إذا ما تدانى
…
الميقات من جمع شملي
صارت جبالي دكّا
…
من هيبة المتجلّي
ولاح سرّ خفي
…
يدريه من كان مثلي
وصرت موسى زماني
…
مذ (3) صار بعضي كلي
انا الفقير (4) المعنّى
…
رقّوا لحالي وذلّي
فالموت فيه حياتي
…
وفي حياتي قتلي
وله (5): [الكام]
زدني بفرط الحبّ فيك تحيّرا
…
وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا
(1) في الأصل: مواصلي، التصويب من ديوان ابن الفارض 2/ 245.
(2)
هذه القصيدة من القصائد اللاميّة الصوفية لابن الفارض وحول شرح معاني أبيات هذه القصيدة الإيحائية، أنظر ديوان ابن الفارض 2/ 242.
(3)
في الأصل: إذا، التصويب من المصدر السابق.
(4)
في الأصل: الكثيب، التصويب من المصدر السابق.
(5)
هذا البيت من الشعر هو مطلع قصيدة ابن الفارض الرائية التي يخاطب فيها الحق تعالى، أنظر شرح ديوانه 1/ 236.
وقد ذكرت هذه القصيدة بكاملها في تاريخي الكبير المرتب على حروف المعجم المسمّى (17 أ) بترجمان الزمان (1)، وله دو بيت:
عرّج بطويلع (2) فلي ثمّ هويّ (3)
…
واذكر خبر الغرام واسنده إلي
واقصص قصصي عليهم وابك عليّ
…
قل مات ولم يحظ من الوصل بشي
وله:
أهوى قمرا له المعاني رقّ
…
من صبح جبينه أضاء الشرق
تدري بالله (4) ما يقول البرق
…
ما بين ثناياه وبيني فرق
وله:
ما أحسن ما بلبل منه الصّدغ
…
قد بلبل عقلي وعذولي يلغو
ما بتّ لديغا (5) من هواه وحدي
…
من عقربه في كل قلب لدغ
وله:
روحي للقاك يا مناها اشتاقت
…
والأرض عليّ كاحتيالي ضاقت
والنفس لقد ذابت غراما وأسى
…
من جنب رضاك في الهوى ما لاقت
وله الغاز ومواليا، وقد أوردت جملة من ذلك في كتابي «ترجمان الزمان» في تراجم الأعيان، وله القصيدة التائية المسماة «نظم السلوك» ، تقدير ستمائة بيت، وكان مولده في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، ومات بها يوم الثلاثا ثاني جمادى الأولى سنة
(1) هو كتاب «ترجمان الزمان في تراجم الأعيان» مرتب على الحروف، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 278، وعمر كحالة في معجم المؤلفين 1/ 86 والزركلي في الاعلام 1/ 64 والموسوعة الإسلامية 1/ 60، ولا يزال هذا الكتاب لحين علمنا مخطوطا وتوجد عدة أجزاء منه بخط مؤلفه تحتفظ بها مكتبة أحمد الثالث تحت الرقم 2927، راجع الجوهر الثمين تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي المقدمة.
(2)
طويلع: بصيغة التصغير وهو اسم مكان ماء لبني تميم، ديوان ابن الفارض 2/ 213.
(3)
هوي: تصغير هوى والمراد منه المحبوب، المصدر السابق.
(4)
في الأصل: بالله تدري، التصويب من المصدر السابق 214.
(5)
في الأصل: لذيغا، التصويب من المصدر السابق 215.
اثنتين وثلاثين ودفن بسفح المقطّم، والفارض هو الذي يكتب فروض النساء على الرجال والله أعلم. (17 ب) وفيها مات بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتّاب الأسدي قاضي حلب، المعروف بابن شدّاد (1) الفقيه الشافعي. مولده بالموصل ليلة العاشر من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، ومات والده وهو صغير ونشأ عند أخواله بني شداد فنسب اليهم، وشداد جده لأمه، وحفظ القرآن العظيم بالموصل واتقن القراءات السبع على جماعة من المشايخ وسمع الحديث الكثير واتقن الخلاف وباحث فيه، وانحدر الى بغداد ونزل بالمدرسة النظامية وترتب فيها معيدا بعد وصوله اليها بقليل، وأقام بها أربع سنين، ثم أصعد الى الموصل في سنة تسع وستين فرتب مدرسا في المدرسة التي أنشأها القاضي كمال الدين أبو الفضل محمد الشهرزوري (2) ولازم الاشتغال وانتفع به جماعة، وحج في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وزار بيت المقدس والخليل عليه السلام بعد الحج والزيارة، ودخل دمشق فسمع السلطان صلاح الدين بوصوله فاستدعاه إليه، فلمّا دخل عليه قابله بالاكرام التام وسأله عن الطريق ومن كان فيه من المشايخ، وسأله أن يسمع عليه جزء (3) من الحديث وقرأه عليه بنفسه. وجمع كتابا يشتمل على فضائل الجهاد يحتوي ثلاثين كراسا وقدمه للسلطان، فاتصل بخدمته في مستهل جمادى الأول سنة أربع وثمانين، ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف، ولما مات السلطان صلاح الدين كان حاضرا عنده. ثم اتصل بخدمة السلطان الملك الظاهر (18 أ) ابن صلاح الدين في سنة إحدى وتسعين (4)، وقدم إليه الى حلب وولاه قضاءها وأوقافها (5). وكانت حلب في ذلك الزمان قليلة المدارس، فاعتنى القاضي بهاء الدين بتدبير أمورها وترتيبها وجمع الفقهاء بها، وعمرت في أيامه مدارس كثيرة وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا يحصل منه جملة مستكثرة، ولم يكن عليه خرج
(1) قارن ترجمته في وفيات الأعيان 7/ 84 التي من المرجح أن ابن دقماق نقل عنها حرفيا أحيانا وبشيء من التصرف أحيانا أخرى. وانظر ترجمته أيضا في طبقات الشافعية الكبرى 15/ 151، العبر 5/ 132، ذيل الروضتين ص 163، مرآة الجنان 4/ 82، تاريخ ابن الوردي 2/ 236، مفرج الكروب 5/ 89، الشذرات 5/ 158، اعلام لنبلاء 4/ 383 وتاريخ الإسلام للذهبي، الطبقة الرابعة والستون:117 (رقم 150).
(2)
هو أبو الفضل محمد بن أبي محمد عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري الملقب كمال الدين، الفقيه الشافعي، كانت ولادته سنة 492 هـ بالموصل وتوفي سنة 572 بدمشق، أنظر ترجمته مستوفاة من وفيات الأعيان 4/ 241.
(3)
كذا في الأصل، والصواب جزءا.
(4)
أي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
(5)
يذكر ابن العديم أنه في سنة 591 هـ اتصل القاضي بهاء الدين ابن شداد بخدمة الملك الظاهر وقدم إليه في حلب وولاه قضاء حلب ووقوفها. راجع زبدة الحلب 3/ 132.