الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يزل على أحسن هيئة حتى عمر فيه العمائر المذكورة (1).
وفيها في جمادى الآخرة عرض للناس أمراض يعقبها أمراض الحلق والخوانيق، ومات بهذا من الخلق ما لا يحصون كثرة (2)، وفشا بين الناس أنّ امرأة رأت في منامها أنّ امرأة خاطبتها من بير ملاصقة السور بسوق السلطان تقول لها:«أنا جنية أعرف بأم عنقود، وأنّ ابني عنقود مات ولم يعزّوني فيه، وأنا غضبت من ذلك، وهو ذا أخنق الناس» ، فأشاعت المرأة هذه الرؤيا وعرفت الناس البير فقصدها خلق كثير لا سيما النساء ونصبوا الخيم هناك، وصاروا ينوحون على البير ويقولون ما صورته:[الرجز]
[أي](3) أم عنقود أعذرينا
…
[قد](4) مات عنقود وما درينا
لما (5) درينا كلنا (6) جينا
…
لا تحردي منا فتخنقينا
وما يناسب من هذه الهذيانات، وشاع ذلك وكثر، وقصدت تلك البير من سائر محال بغداد وألقوا فيها المآكل على سبيل الهدية، والدراهم والثياب، وعلّق عندها السرج والشموع، فتكلم العقلاء في ذلك وأهل العلم، وأنكروا ذلك على فاعليه، فتقدم الأمر من الديوان الى الشحنة بالمضي الى هناك، ومنع النساء من النياحة، وسد البير وطرد من كان هناك. نعوذ (71 ب) بالله من تلاعب الشيطان، وإشاعة مثل هذا الهذيان.
[الوفيات]
وفيها مات النقيب قطب الدين أبو (7) عبد الله الحسين بن الحسن بن علي بن حسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
(1) يورد المقريزي وصفا لما كان عليه هذا البستان في أيام الدولة الإخشيدية والفاطمية في مصر. أنظر الخطط 1/ 457 طبعة بولاق.
(2)
تشابه في الإيراد مع ابن الفوطي، قارن ذلك الخبر في الحوادث الجامعة ص 225، وأنظر أيضا في عيون التواريخ 20/ 13.
(3)
الزيادة من الحوادث الجامعة ص 226.
(4)
الزيادة للضرورة الشعرية.
(5)
في الأصل: عندما، التصويب من المصدر السابق.
(6)
في الأصل الكلمة غير واضحة، التصويب من المصدر السابق.
(7)
في الأصل: ابن، التصويب من الحوادث الجامعة ص 220 وقارن ما جاء في ترجمته في نفس المصدر.
أبي طالب، كرم الله وجهه، النقيب الطاهر بن النقيب الطاهر الكوفي الأصل والمولد والمنشأ، البغدادي الدار والوفاة، المعروف بابن الأقساسي. مولده في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. اشتغل بالأدب وقال الشعر وبلي بمحنة أوجبت له الاعتقال وذلك أنه وقعت منه كلمة على سبيل الدعابة في أيام الإمام الناصر وهي قوله:«نريد حليفه (1) جديد» وتصحيف ذلك. «نريد خليفة جديد» ، فنقلت الى الإمام الناصر، فقال [لا يكفي حلقه](2) بل حلقتان، فقيد بقيدين، وحبس بالكوفة، فبقي سنين حتى مات الناصر وبويع ولده الظاهر، فأمر بإخراجه والإفراج عنه. وأحضروه فرتبه مشرف دار التشريفات وذلك في شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ثم قلده الإمام المستنصر بالله نقابة الطالبيين وذلك في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين، وحظي عنده ونفق عليه الى آخر أيامه، ولما بويع ولده المستعصم بالله أقره على ولايته، فلم يزل على ذلك إلى أن مات في المحرم سنة تاريخه، وصلي عليه ودفن بجامع القصر وحضر جنازته الصدور والأكابر والأعيان، وحمل الى الكوفة بمقبرة السهيلية بوصية منه لذلك. وترك من العين عشرين ألف دينار سوى ما يقارب ذلك من الأغراض والأملاك (72 أ) وكان شيخا لطيفا جميلا، ذا كيس وتواضع، طيب العشرة لذيذ المفاكهة، لا يمل جليسه منه، وله قصائد رائعة وأشعار فائقة، ورثاه جماعة من الفضلاء.
وفيها في يوم الجمعة سابع عشر المحرم، مات القاضي محيي الدين أبو إسحاق ابراهيم ابن منتجب الدين أبي عبد الله محمد بن أبي نصر، المعروف بابن النحاس الحلبي، ودفن من يومه. ومولده تقريبا في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. تفقه على مذهب الإمام الشافعي، وسمع الحديث من جماعة وحدث وأعاد في الخلاف بالمدرسة النورية، وبرز في الحساب والفرائض. ومحيي الدين هذا هو والد الشيخ بهاء الدين شيخ النحاة.
وفيها مات الشيخ الصالح القدوة، علي الحريري (3) المقيم بقرية بسر (4)، هو أبو
(1) كذا في الأصل.
(2)
التكملة من الحوادث الجامعة ص 220.
(3)
راجع ترجمته في ذيل الروضتين ص 180، البداية والنهاية 13/ 173، العبر 5/ 186، الحوادث الجامعة ص 235، الشذرات 5/ 231 وعيون التواريخ 20/ 14.
(4)
في الأصل: بسري والصواب بسر وهي قرية جوار زرع من أعمال حوران. انظر عيون التواريخ 20/ 14 والشذرات 5/ 231.
الحسن علي ابن أبي الحسن ابن منصور. كانت زاويته ببصرى، وكان يتردد إلى دمشق، وتبعه طائفة من الفقراء وهم المعروفون بالحريرية، وله زاوية بالشرف الأعلى بدمشق جوار جوسق ابن العديم في طريق المزة. وكان الشيخ رحمه الله من القيّام بواجب الشريعة، ما لم يعرفه أحد من المتشرعين ظاهرا وباطنا، ومن أمور الحقيقة ما لم يكن لأحد في عصره من المحافظة على محبة الله تعالى وذكره والدعاء اليه والمعرفة به. وأكثر الناس يغلطون في أمره في الظاهر وفي الباطن. ولقد أفتى فيه جماعة من مشايخ العلماء وما بلغوا منتهى فتاويهم وبلغ هو فيهم ما كان يريد، ولقد كان مكاشفا لما يضمروه (1) وله كلام في الحقائق ونظم (72 ب) فمن ذلك دو بيت:
كم تتبعني بصحبة الاجساد
…
كم تسهرني بلذة الميعاد
جد لي بمدامة تقوي رمقي
…
والجنة جد بها على الزهاد
وكثر بعض كراماته.
حكي أنّ جماعة من أهل دمشق، منهم العدل، عماد الدين يحيى بن السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن السراج الحسيني، والعدل مؤيد الدين علي بن شرف الدين، خطيب عقربا (2)، قالا: اتفق أنّ الوزير فلك الدين المسيري اشترى قرية في عمل نوى (3) وعمّرها وزرعها، فلما أراد قسمتها أخذ دستورا من الملك الأشرف له ولجمال الدين خطيب عقربا ولابن التيتي (4) وابن سلام، وطلعوا وقسموا الضيعة. فلما وصلوا الى زرع قال بعضهم لبعض: دعونا نمشي إلى عند الشيخ علي الحريري ببسر، نبصره ونزوره فإن كان من الصالحين: فيطعم كل واحد ما يشتهيه، فقال أحدهم: أشتهي بسيسة سخنة بعسل وسمن وعليها سكّر [وقلب الفستق](5)، وقال الآخر: أشتهي بطيخا أخضر، وقال الآخر أشتهي
(1) كذا في الأصل والصواب يضمرونه.
(2)
عقربا اسم مدينة الجولان وهي كورة من كور دمشق. أنظر عيون التواريخ 20/ 15.
(3)
هي كورة من كور دمشق. أنظر معجم البلدان 5/ 815.
(4)
في عيون التواريخ 20/ 15: التنبي.
(5)
التكملة من عيون التواريخ 20/ 15.